طرابلس – تعود منظمة الأمم المتحدة إلى مربع الخلافات نفسه، بعد استقالة الأميركية ستيفاني ويليامز التي قررت التخلي طواعية عن منصبها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، البلد الذي يمرّ بأزمة سياسية ودستورية محتدمة تنذر بعودته إلى مربع العنف بعد عجز فرقائه عن التوافق.
ومنذ خريف 2021 ورحيل المبعوث الأممي يان كوبيتش، لم يكن تجديد مهمة البعثة ممكنا إلا لفترات قصيرة، بسبب عدم قدرة المجلس على الاتفاق على مبعوث جديد.
ولا تنفي استقالة ويليامز، التي جاءت، بحسب المتحدث الأممي فرحان حق، بسبب “التزامات أخرى”، وجود ضغوط روسية وأفريقية بضرورة تعيين مبعوث أممي جديد، وهو المنصب الشاغر منذ نهاية العام الماضي.
وهذا الصراع الدولي في مجلس الأمن حول تعيين مبعوث أممي جديد، يعكس بوضوح الخلافات في الداخل الليبي بين الأطراف المتصارعة، والتي صعّبت مهمة الخروج من دائرة المراحل الانتقالية، إلى مرحلة التداول على السلطة عبر الانتخابات.
ويفتح انتهاء مهمة ويليامز، كمستشارة أممية في ليبيا في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، النقاش مجددا حول الشخصية التي تتولى رئاسة البعثة الأممية أو على الأقل كمستشار للأمين العام الأممي إذا تعذر الاتفاق في مجلس الأمن حول تسمية مبعوث إلى ليبيا.
طريق مسدود
ما يهم الليبيين في هذه المرحلة ألاّ يزيد الانقسام الدولي حول تسمية مبعوث أممي جديد من تأزيم الوضع الداخلي
كانت ستيفاني ويليامز تتحرك منذ نوفمبر الماضي كما لو أنها مبعوثة أممية، دون أن تنجح في تغيير شيء على أرض الواقع.
وبدد الفشل في إجراء الانتخابات في موعدها، الذي كان مقررا في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، الهالة التي أحيطت بويليامز فور عودتها، حيث راهن مراقبون على قدرتها على الضغط، بالإضافة إلى إلمامها بالملف الليبي وتفاصيله، باعتبار أنها شغلت منصب القائم بالأعمال في السفارة الأميركية بليبيا لسنوات، قبل أن يتم تعيينها نائبا للمبعوث الأممي الأسبق غسان سلامة.
وأخيرا، وبعد أربعة أعوام ونصف العام، اقتنعت ويليامز بأنها وصلت إلى نهاية نفق مسدود، بسبب تعنت الطبقة السياسية ورغبتها في استمرار حكومات مؤقتة، والتي وصفتها في حوارها الأخير مع قناة “العربية” السعودية بأنها تلعب لعبة الكراسي الموسيقية.
أي إن السياسيين الليبيين يدورون حول كراس شاغرة ولا تكفيهم جميعا، وبمجرد أن تعطى لهم إشارة يتسابقون إلى الجلوس عليها، ومن لم يجد كرسيا شاغرا يخرج من اللعبة.
وكان لقاء القاهرة، الذي جمع وفدين من مجلسي النواب في طبرق والأعلى للدولة نهاية يونيو الماضي، الفرصة الأخيرة، ليس للطبقة السياسية بقدر ما هو لويليامز. فالوفدان، اللذان كانت مهمتهما الاتفاق على مسار دستوري، فشلا في تحقيق هذا الهدف، وحاولت ويليامز إنقاذ الموقف بعد اجتماع بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، في جنيف، لكنهما لم يحققا أي تقدم.
ويليامز اختارت نفس الطريق السياسي الذي أنتج الاتفاق السياسي في 2015، بالاعتماد على آخر جسمين منتخبين، يمثلان ما تبقى من الشرعية
حيث أصرّ عقيلة صالح على ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، بينما رفض المشري ذلك.
ولم يكن بالإمكان التقدم أي خطوة إلى الأمام بنفس الوجوه والأطراف، التي قالت عنها ويليامز إن “بعض الأشخاص اختطفوا المستقبل السياسي للبلاد”، لكنها فضلت المضي في نفس الطريق الذي أثبت فشله أكثر من مرة، ورغم أن ويليامز تمكنت في 2020، عندما كانت رئيسة البعثة الأممية بالنيابة، من إيجاد مخرج غير تقليدي لاحتكار مجلسي النواب والدولة للقرار، عبر تشكيل لجنة الـ75، التي ضمت أيضا 26 عضوا من المجلسين مناصفة، لاحتوائهما وتفادي عرقلة عمل هذه اللجنة.
وتمكنت اللجنة في عهد المبعوث الأممي الجديد يان كوبيتش من اختيار سلطة تنفيذية جديدة وتوحيد الحكومة ومجلس النواب، إلا أنها أخفقت في إعداد قاعدة دستورية.
وبعد استقالة يان كوبيتش، وعودة ويليامز في ثوب المستشارة الأممية، لم تحاول إحياء اللجنة، خاصة أن عددا من أعضائها تولوا مناصب جديدة، وثارت حول بعضهم شبهات فساد.
واختارت ويليامز نفس الطريق السياسي الذي أنتج الاتفاق السياسي في 2015، بالاعتماد على آخر جسمين منتخبين، يمثلان ما تبقى من الشرعية، لكنهما لم يصلا بها إلى أي اتفاق جديد قابل للتنفيذ، فرمت المنشفة ورحلت بعدما ملت من “لعبة الكراسي الموسيقية”.
لا شك أن رحيل ويليامز قبل تعيين مبعوث أممي جديد، من شأنه أن يخلق فراغا في ليبيا، يصعب على الزيمبابوي ريزدون زينينغا، منسق بعثة الأمم المتحدة، القائم بأعمال رئيس البعثة، أن يملأه في ظل هذه المرحلة الحساسة والحرجة، التي شهدت اشتباكات بين الحين والآخر، وتلويحا باستخدام القوة لدخول طرابلس.
ومنذ تعيينه في العاشر من ديسمبر الماضي، لم يلعب زينينغا أي دور بارز في حل الأزمة الليبية، رغم بعض لقاءاته البروتوكولية الخجولة مع مسؤولين محليين.
وهذا ما يفسر تأكيد متحدث أممي بأنهم يحاولون “في أسرع وقت ممكن تسمية شخص مؤقت للقيام بالمهمات التي تقوم بها ويليامز، ولكن ليس لدينا الآن أحد لتسميته”.
والحديث عن شخص مؤقت مكان ويليامز، يعني أن الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش من المرجح أن يعين مستشارا له في ليبيا، بدل اقتراح مبعوث أممي يحتاج موافقة مجلس الأمن الدولي المنقسم على نفسه.
فعندما استقال المبعوث الأممي اللبناني غسان سلامة في مارس 2020، لم يتمكن مجلس الأمن من تعيين خليفة له إلا في يناير 2021، أي بعد مرور أكثر من عشرة أشهر.
يتم تداول عدة أسماء لتولي منصب مبعوث أممي إلى ليبيا، أبرزها الجزائري صبري بوقادوم، والألماني كريستيان بوك
ومنذ استقالة يان كوبيتش في نوفمبر 2021، لم يتم تعيين بديل له رغم مرور نحو ثمانية أشهر، ما يعكس صعوبة اختيار مبعوث أممي جديد يلقى إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، المنقسمين بين كتلتين رئيسيتين: كتلة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والكتلة الأفريقية المدعومة بروسيا والصين.
ويتم تداول عدة أسماء لتولي منصب مبعوث أممي إلى ليبيا، أبرزها الجزائري صبري بوقادوم، والألماني كريستيان بوك. فبوقادوم سبق له وأن شغل منصب وزير خارجية، ومندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة، وسبق له زيارة ليبيا، ومطلع على أوضاعها.
واقترح غوتيريش على مجلس الأمن تعيين بوقادوم مبعوثا له إلى ليبيا، خاصة وأنه مدعوم من الجزائر وإيطاليا، لكن وسائل إعلام غربية ذكرت أن الإمارات، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، رفضت وحدها هذا التعيين. أما بوك، المدعوم من الكتلة الأوروبية، فمن المستبعد أن يحظى بتأييد روسيا والكتلة الأفريقية، التي تطالب أن يكون المبعوث المقبل أفريقيا.
ورغم أن ليبيا دولة أفريقية، إلا أن من بين عدة أسماء تداولت على رئاسة البعثة لم تكن بينها أي شخصية أفريقية، ما يعكس تهميشا للقارة السمراء حتى في الملفات التي تخصها، لذلك تصر دول القارة هذه المرة على أن يكون المبعوث الأممي إلى ليبيا أفريقيا.
وما يهم الليبيين في هذه المرحلة ألاّ يزيد الانقسام الدولي حول تسمية مبعوث أممي جديد من تأزيم الوضع الداخلي، فكلما سارعت الأمم المتحدة إلى تعيين ممثل لها في البلاد كلما ساهم ذلك في تقليص الاحتقان الداخلي وتجنب انزلاق البلاد إلى مواجهات شاملة.
العرب