اعتبرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أنه في سياق التوتر المتجدد في عدة مناطق من العالم، أصبح التهديد النووي أمرا عاديا.
وقالت الصحيفة الفرنسية، إنه منذ 24 فبراير، فإن ظِلّ النووي يهدد الحرب في أوكرانيا، حيث أكدت موسكو أنها قادرة على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في ساحة المعركة. وغيّرت بيلاروسيا دستورها لتكون قادرة على استيعاب الرؤوس النووية الروسية على أراضيها. وتجري عمليات عسكرية حول محطات الطاقة النووية في أوكرانيا. وعليه، يحذر الأمين العام للأمم المتحدة؛ أنطونيو غوتيريش، من مغبة أن “مثل هذا الخطر لم يُعرف منذ ذروة الحرب الباردة”.
وأضافت “لوفيغارو” أن القوى الغربية تبذل قصارى جهدها لتهدئة الأمور، والامتناع عن التدخل المباشر في الصراع وتجنب الرد على الاستفزازات اللفظية من روسيا. أما بالنسبة للكرملين، فلم يجرِ تعديلا عميقا على عقيدته النووية، وقبل كل شيء، يبدو أنه يريد استخدام التهديد النووي لإخافة الغربيين وثنيهم عن الانخراط أكثر.
في موسكو -تتابع الصحيفة- يرتبط الابتزاز النووي بفكرة “التهديد الوجودي” لروسيا. هذا “الخط الأحمر” في الكرملين لم يتم تجاوزه بعد. ولكن ماذا لو حاول الأوكرانيون استعادة شبه جزيرة القرم التي تم ضمها، في الوقت الذي حذرت فيه موسكو من أن هجوما على أراضيها يمكن أن يشكل “تهديدا وجوديا”؟
ردا على هذا السؤال، تشير الصحيفة إلى التحذير الصادر عن غوستافو زلانفينين، الرئيس الأرجنتيني لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، من مغبة أن “وباء كوفيد-19 علّمنا أن الأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة يمكن أن تحدث، دون سابق إنذار، مع عواقب وخيمة على العالم. إنه نفس الشيء بالنسبة للأسلحة النووية”.
واعتبرت “لوفيغارو” أنه علاوة على التهديد النووي المباشر من موسكو، فإن الحرب في أوكرانيا لها بالفعل تأثيرات دائمة على الردع وانتشار الأسلحة النووية. ضعف ردع الدول الغربية، التي اضطرت إلى تقييد التزامها إلى جانب أوكرانيا من خلال التحذيرات الروسية منذ 24 فبراير. ففي عام 1999، لم يترددوا في التدخل عسكريا لصد القوات الصربية في كوسوفو ووضع حد لعمليات ابتزازهم… لم تكن صربيا قوة نووية.
كما أن مماطلة إدارة بايدن -تقول الصحيفة- ألقت بظلال من الشك على تصميم الرئيس الأمريكي على الرد على هجوم نووي تكتيكي روسي محتمل في أوروبا بشيء آخر غير الأسلحة التقليدية. ومن ناحية أخرى، اكتسب الردع الروسي قوة ومصداقية منذ أن تمكن الكرملين بفضل مظلته النووية من مهاجمة أوكرانيا مرتين، وكذلك جورجيا والشيشان.
ورأت ”لوفيغارو” أنه بصرف النظر عن التقليل من أهمية الخطاب النووي من قبل القادة الروس، والذي يخالف قواعد ضبط النفس من حيث الردع، فقد تعلم العالم كله الدرس من بروتوكول بودابست لعام 1994، والذي كان لضمان سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، بعد أن وافقت على التخلص من رؤوسها الحربية النووية عندما حصلت على استقلالها في عام 1991.
ويبدو أن الرسالة التي يبعث بها هذا إلى البلدان حول العالم يمكن تلخيصها في جملة واحدة: “عندما تتخلى دولة ما عن أسلحتها النووية، تتعرض للهجوم. فقبل أوكرانيا كان العراق قد دفع الثمن بالفعل”.
وعليه، فإن الانتشار النووي أمامه بلا شك مستقبل مشرق، تقول “لوفيغارو”، مشيرة إلى أن كوريا الشمالية تستعد لإجراء تجربتها النووية السابعة، بينما زعمت إيران مؤخرا أن لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية، يمكن للعديد من القوى، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، حذو حذوها.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة قد دعت روسيا إلى إنهاء “خطابها النووي وموقفها غير المسؤول والخطير”، وأكد بيان مشترك للدول الثلاث أن “حربا نووية يجب ألا تحدث أبداً”.
وإذا كانت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تهدف إلى منع انتشار تلك الأسلحة وتعزيز النزع الكامل لها، قد “جعلت العالم أكثر أمانا” منذ فترة طويلة، على حد تعبير وزيرة الخارجية الأمريكية، فهي اليوم هشة للغاية. وتأمل القوى الغربية أن يكون اجتماع نيويورك فرصة لتعزيز معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. لكن الفجوة بين آمال مكافحة الانتشار والواقع الاستراتيجي لم تبدُ أبدا أوسع.
القدس العربي