مر الوقت على تحقيق الهدف من “الاتفاق النووي” بين إيران ومجموعة (5+1). وما كان عام 2015 تجاوزه الواقع في عام 2022 بعد أن خرجت أميركا من الاتفاق، وخرجت إيران عليه، وتصرف الشركاء الآخرون كأنهم ديكور.
قبل أشهر، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه “إذا استمرت إيران في خرق الالتزامات، فسنصل إلى نقطة لا يمكن فيها الإفادة من مزايا الاتفاق”، لكن طهران قادت الجميع إلى هذه النقطة من دون أن يتبدل موقف الشركاء. فحين خرجت واشنطن من الاتفاق بقرار من الرئيس دونالد ترمب، بدأت جمهورية الملالي خرق التزاماتها كأن الاتفاق ثنائي بينها وبين أميركا، ولا دور للشركاء الآخرين: فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا. وهم راقبوا خرقها للالتزامات من دون التعبير حتى عن الغضب من سخرية طهران بهم: رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم وشغلت أجهزة طرد مركزي متطورة. ولم ترد على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول اكتشاف آثار يورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع غير معلنة، وأغلقت كاميرات المراقبة. وظلوا هم يطالبون أميركا وإيران بالمسارعة للعودة إلى الاتفاق مع وعد إيراني بالعودة عن خرق الالتزامات. ولم تعُد طهران تتكتم على ما حدث من تطور. ففي وقت متقارب، أعلن كل من كمال خرازي، كبير المستشارين الاستراتيجيين للمرشد الأعلى، والجنرال رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين لخامنئي، ومحمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران ما كان داخل صندوق مغلق: “إيران صارت تستطيع صنع قنبلة نووية متى تريد، وإذا أرادت فلا أحد يمكن منعها، لكن هذا ليس الآن على جدول الأعمال”.
والترجمة البسيطة لذلك هي أن إيران صارت “دولة عتبة نووية”. وما دام قلق الغرب حيال إيران نووية هو الذي دفع إلى الاتفاق، فما الفائدة من العودة إليه بعد أن صارت كذلك؟ وما سر التهافت الأميركي في إدارة الرئيس جو بايدن على العودة إلى الاتفاق، وسط تصلب الموقف الإيراني؟ في البدء، تحدثت الإدارة الأميركية عن التفاوض على اتفاق “أقوى وأبعد”، كان من مطالبها إطالة ما سمي “بند الغروب” أي بند السماح لطهران بالتخصيب كما تريد بعد عدد من السنوات، والحد من برنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي لإيران والسلوك المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، لكن المرشد الأعلى علي خامنئي قال بحزم: “كلا. لن نساوم على عناصر القوة الوطنية، أي التقدم النووي والنفوذ الإقليمي والدفاع الصاروخي”. وسأل: “كيف نتخلى عن الحضور الإقليمي الذي يمنحنا عمقاً استراتيجياً وقدرة وطنية أكبر؟”.
ما حدث هو تراجع واشنطن عن مطلبها والاكتفاء بالعودة إلى الاتفاق كما هو. بل قبلت التفاوض غير المباشر الذي بدا نوعاً من إذلال قوة عظمى. أما إيران، فإنها عملت على توظيف القلق الغربي في الابتزاز، وبدأت تطلب من إدارة بايدن ما يصعب فعله: رفع العقوبات دفعة واحدة، ورفع الحرس الثوري عن لائحة المنظمات الإرهابية، ودفع تعويض لإيران عما سببته لها إعادة العقوبات بعد الخروج من الاتفاق، وتقديم ضمانات لا يستطيع أي رئيس تقديمها وتتعلق بما يمكن أن يقرره رئيس آخر بالنسبة إلى اتفاق ليس معاهدة وافق عليها الكونغرس، لأن الرئيس أوباما تخوف من عرضه على الكونغرس وكان يعرف أنه سيرفضه.
والمعادلة واضحة أمام المتفاوضين على “تسوية” عرضها المسؤول الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: إما إيران نووية بلا اتفاق ومع عقوبات، وإما إيران نووية بلا عقوبات ولا قيود على نفوذها الإقليمي وسلوكها المزعزع للاستقرار.
وإذا كانت مشكلة إسرائيل والغرب هي امتلاك الملالي السلاح النووي، فإن مشكلة العرب إلى جانب القنبلة هي التغلغل الإيراني في المجتمعات وتغيير الديموغرافيا والهيمنة السياسية والعسكرية مباشرة وعبر وكلائها من الميليشيات على العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، لكن حسابات أميركا الواسعة تبدو في معظم الأحيان ضيقة ومحلية وإسرائيلية جداً. والمحترفون والهواة في الإدارة يتصرفون كأن لدى بلادهم القدرة على ارتكاب الأخطاء في الخيارات والخروج بأقل ثمن.
الشرق الأوسط