تسببت درجات الحرارة التي بلغت مستويات قياسية في إصابة العراق بالشلل، وقد اضطرت السلطة المركزية في بغداد إلى إغلاق شبكة الكهرباء المنهكة، وتمديد العطل الرسمية بالنسبة للموظفين.
ويحتل العراق المرتبة الخامسة في قائمة البلدان الأكثر تأثرا بتغير المناخ، وهو من أكثر الدول عرضة لموجات الحرارة، في الوقت الذي يعاني فيه من عجز في التعاطي مع هذا الوضع في غياب بنية تحتية تمتص هذه الصدمات المناخية، وهذا نتاج سنوات طويلة من الفساد، وانشغال القوى المهيمنة بصراعاتها على النفوذ والسلطة.
ويشهد العراق منذ أشهر أزمة سياسية مستفحلة بين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وخصومه في الإطار التنسيقي، ما تسبب في ترك البلاد من دون حكومة لفترة قياسية في حقبة ما بعد الرئيس الراحل صدام حسين.
ويخوض أنصار التيار الصدري منذ أكثر من أسبوع اعتصاما مفتوحا تحت أشعة الشمس الحارقة، ولسان حالهم يردد “لأجل السيد”، في إشارة إلى الصدر، الذي يتخذون منه عنوانا لمحاربة الفساد، رغم أن تياره كان حاضرا وبقوة في منظومة الحكم طيلة السنوات الماضية.
وتلتقط عدسات المصورين صورا لأعضاء لجان التنسيق وهم يوزعون قوارير المياه على المعتصمين، الذين قرر بعضهم الاغتسال في مكان الاعتصام، لتخفيف وطأة الحرارة.
وتثير تلك المشاهد غضب نشطاء سابقين في حراك أكتوبر 2019، لجهة حجم هذا الاندفاع في الدفاع عن زعيم هو جزء من الأزمة في العراق، حيث إنه ساهم كما خصومه من الإطار في الوضع الذي يرزح تحته العراق اليوم.
وسلط تقرير مطول لـ”واشنطن بوست” الضوء على معاناة العراقيين نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، التي باتت لا تحتمل، لاسيما في مناطق الجنوب، مع انقطاع متواصل للتيار الكهربائي.
وفي محافظات البصرة وذي قار وميسان الجنوبية، قالت السلطات المحلية السبت الماضي، إن شبكة الكهرباء انقطعت لليوم الثاني على التوالي، مما أدى إلى إغراق الملايين من المنازل في الظلام خلال الليل.
واضطر العديد من الآباء إلى اصطحاب أبنائهم لساعات في السيارات، التي كان التكييف فيها السبيل الوحيد للحصول على الهواء البارد.
وقال محافظ ذي قار، وهي إحدى أفقر المناطق في العراق، إن العطلة الرسمية لموظفي الدولة سيتم تمديدها إلى يوم الثلاثاء، بسبب الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن الأزمة السياسية لعبت دورا رئيسيا في استفحال المعاناة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ذلك أنه إلى اليوم لم يجر إقرار أي ميزانية، كما تم تعليق “قرارات الإنفاق الرئيسية”، الأمر الذي يحول دون إنعاش شبكة الكهرباء المتهالكة.
وتعاني “المستشفيات المنهكة” لعلاج حالات الإصابة بضربة شمس أو صعوبات التنفس، التي فاقمتها الحرارة والعواصف الترابية والرملية، بالإضافة إلى الدخان السام المتصاعد من المولدات الكهربائية التي تعمل بالديزل، والتي يعتمد عليها العراقيون في بعض المناطق كحل بديل لانقطاع الكهرباء.
وفي حي الزعفرانية جنوب شرق بغداد، بالكاد يمكن لحبيب عبدالخادم البالغ من العمر 49 عاما، أن يسمع صوته فوق هدير مولده المرتعش، قائلا “نحن نذوب هنا”، وردد وهو يصرخ “أنا وأربعون مليون عراقي آخر نذوب”.
وتكاد الحرارة تخنقه في مكتبه الصغير، وقال إن الأبخرة بدت وكأنها تخلق نوعا من الفيلم أمام عينيه، مضيفا وهو منهك القوى “كل عام نعتقد أن الأمور لا يمكن أن تزداد سوءا، ولكن بعد ذلك يفاجئنا الصيف”.
صحيفة العرب