توقعات بانقطاع الكهرباء والتدفئة عن المنازل.. هل تنجو أوروبا من البرد بغياب الغاز الروسي؟

توقعات بانقطاع الكهرباء والتدفئة عن المنازل.. هل تنجو أوروبا من البرد بغياب الغاز الروسي؟

لندن- لا يكاد يخلو يوم المواطن الأوروبي الآن من الحملات التوعوية التي تطالبه بالاقتصاد في استهلاك الطاقة، وتحضّره لما هو أسوأ خلال الشتاء المقبل بسبب أزمة الطاقة التي تضرب القارة العجوز، وهي “الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية” حسب ماكسيميليان هيس الخبير بمعهد أبحاث السياسة الخارجية في لندن.

ووجد المواطن الأوروبي نفسه بين فكيْ كماشة، فمن جهة ارتفاع صاروخي في فواتير الطاقة، ومن جهة أخرى المخاوف من برد قاس وندرة الطاقة خلال الشتاء المقبل.

وأعلنت جُل الدول الأوروبية عن مخططات للطوارئ لمواجهة هذه الأزمة التي باتت واقعا لن ينزاح على الأقل خلال الشتاء المقبل، فبريطانيا على سبيل المثال وضعت مخططا تتوقع فيه أن يتم قطع الكهرباء في الكثير من المنازل لمدة 4 أيام خلال يناير/كانون الثاني، وكذلك قالت ألمانيا إنها ستحمي المواطنين لكنها ستجبر الشركات والمصانع على تخفيض الاستهلاك أو توقيف الإنتاج لو تطلب الأمر، وهو ما يشكل كارثة اقتصادية.

أما باريس عاصمة الأنوار، فقد تتحول بسبب هذه الأزمة إلى عاصمة الظلام، في حال صدقت التوقعات المتشائمة التي تقول إن العاصمة قد تعاني من انقطاع متكرر للكهرباء عن بعض أحيائها. وإذا كان هذا حال الاقتصادات الثلاثة الأكبر في أوروبا فالوضع أسوأ في بقية دول القارة.

يكاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوقف إمدادات الغاز نهائيا عن أوروبا، بعد أن وصل معدل الضخ في خط نورد ستريم إلى 20% فقط، وهو ما زاد من بعثرة أوراق الحكومات الأوروبية التي كانت تمنّي النفس بالوصول إلى 80% من قدرتها على تخزين الغاز بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وقبل بداية يناير/كانون الثاني حيث يصبح استهلاك الغاز للتدفئة في أعلى مستوياته.

وحسب المعطيات المتوفرة حتى الآن فإن نسبة تخزين الدول الأوروبية للغاز بلغت 66% فقط، ومن الصعب الوصول لنسبة 80% في الأشهر المقبل مع معدل الضخ الروسي الحالي.

وتبعا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن الوقف التام لضخ الغاز القادم من روسيا، سيجعل من دول مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا تعاني من نقص في الطاقة بنسبة 15%. في المقابل ستعاني دول أوروبا الشرقية مثل التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا من نقص في الغاز تصل نسبته إلى 40%.

ويزيد من تفاقم الوضع ارتفاع أسعار الغاز مما سيؤثر على فاتورة الطاقة في كل الدول الأوروبية، ذلك أن سعر الغاز بلغ 220 دولارا للميغاوات في أوروبا، مقارنة مع 30 دولارا قبل بداية الحرب في أوكرانيا، أي بزيادة 8 أضعاف.

هذا السؤال يتردد حاليا في الأروقة السياسية الأوروبية، فكل حكومة باتت تخشى من اهتزاز استقرارها السياسي بسبب أزمة الطاقة، خصوصا وأن استطلاعات الرأي تظهر تراجعا نسبيا في حجم الدعم الغربي للعقوبات على روسيا إن كانت ستؤدي إلى ارتفاع في أسعار الطاقة وأزمة خلال الشتاء.

وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 58% فقط من الألمان باتوا يؤيدون العقوبات ضد روسيا. علما بأن هذه النسبة كانت تفوق 65% مع بداية الحرب. وفي اليونان، يعارض 40% من المواطنين العقوبات على روسيا، حسب استطلاع “يورو بارومتر”.

وهذا المزاج الشعبي المتردد في الموازنة بين التضامن مع أوكرانيا وبين الاحتياجات الحيوية، هو ما حذر منه كريس جيلس المحرر الاقتصادي لجريدة “فايننشال تايمز” في مقال نبّه فيه إلى أهمية الوحدة الأوروبية.

وعبر الخبير الاقتصادي البريطاني عن خوفه من النزعة الوطنية والقومية الأوروبية، حيث كل بلد ستسعى لتأمين حاجياتها من الطاقة بمعزل عن بقية الدول. و”هذا الأمر سيكون بمثابة كابوس حقيقي” مضيفا أن انتصار أوكرانيا يجب ألا يكون أيضا على حساب تجمد المنازل في فيينا أو برلين أو براغ “والحل الوحيد هو التعاون والتضامن بين الدول الأوروبية”.

غير أن تجربة قريبة تظهر أن التضامن الأوروبي لا يكون في أفضل حالاته فترة الأزمات مثلما حدث خلال وباء كورونا، حيث بدأت كل حكومة تتصرف وفق مصالحها الخاصة، واندلعت حروب الكمامات وبعدها حروب اللقاحات، فما الذي سيضمن ألا تتكرر نفس الأجواء مع وصول الشتاء؟ حتى الآن لا شيء.

ومع ذلك فإن توقعات صندوق النقد الدولي تقول إنه في حال نجحت الدول الأوروبية في التعاون فيما بينها ونقل الطاقة عبر حدودها للدول الأكثر حاجة، فإن هذا سيؤثر على الاقتصاد الأوروبي بنسبة 1.2% عوضا عن 6%.

ا دفع الثمن خلال هذا الشتاء، قبل بداية التحرر من الغاز الروسي، مع بداية أولى الخطوات في هذا الباب خصوصا من طرف ألمانيا، التي قامت بتعويض جزء كبير من الغاز الروسي عبر الغاز المسال القادم بواسطة الناقلات التي تصل إلى هولندا وبريطانيا.

وفي ديسمبر/كانون الأول القادم ستقوم ألمانيا بتشغيل أول محطة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال، وهي واحدة من بين 4 محطات تخطط لتشغيلها.

أما التطور الأكبر في ألمانيا فهو إعلان الحكومة إعادة النظر في سياسة إغلاق المفاعلات النووية، رغم المعارضة الكبيرة من حزب الخضر المشارك بالائتلاف الحكومي، إضافة لتوقّع ارتفاع إنتاج الطاقة القادمة من المصادر النظيفة بنسبة 15%.

وهناك ضغوط على هولندا أيضا التي لها القدرة على ضخ الملايين من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي الإضافي عن طريق زيادة الإنتاج في حقل الغاز “خرونيجن” إلا أن الحكومة تخطط لإيقاف العمل فيه خشية حدوث زلازل طفيفة في المناطق المحيطة بالحقل.

المصدر : الجزيرة