اهتز العراق، أمس الجمعة، على وقع انقسامه المتفاقم بين شارعين علا ضجيجهما في العاصمة بغداد، مع ذهاب زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بعيداً فيما يعده مشروعاً للإصلاح بات يتولى تطبيقه عبر استعراض قوته الجماهيرية تحت شعارات حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ومكافحة الفساد، وصولاً إلى القدح بشرعية الحكم في العراق بعد 19 عاماً على إسقاط صدام.
وفي موازاة المتظاهرات التي يقوم بها أنصاره منذ نحو أسبوعين في المنطقة الخضراء التي كانت شديدة التحصين وفي المحافظات العراقية الأخرى، فإن قوى «الإطار التنسيقي» أطلقت مظاهرات مماثلة في بغداد وعدد من المحافظات تحت شعار «الحفاظ على هيبة الدولة ودعم الشرعية».
لكن الصدر، وفي تغريدة له، دعا أنصار «الإطار التنسيقي» إلى دعم اعتصام ومظاهرة أتباع «التيار» والداعية إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ومكافحة الفساد.
وقال الصدر حسب بيان لمكتبه أمس الجمعة إنه «حسب فهمي، فإننا وجماهير الإطار لا نختلف على وجود الفساد، واستشرائه في البلاد وإن اختلفنا مع قياداته في ذلك، فإن فسطاط الإصلاح في تظاهراته إنما يتظاهر من أجلكم أيضاً يا جماهير الإطار، فالعجب كل العجب من عدم مناصرتكم لنا من أجل إنقاذ الوطن، الذي وقع أسير الاحتلال والإرهاب والفساد».
أضاف: «إذن، فلتكن مظاهراتكم نصرة للإصلاح لا نصرة لهيبة الدولة والحكومات التي توالت على العراق بلا أي فائدة ترتجى». وخاطبهم قائلاً: «ألا تريدون كرامتكم وحريتكم وأمنكم ولقمتكم وسلامتكم وصلاحكم، كما نحن نطالب؟! فإن رفضتم ذلك فاعلموا أنكم حينما تظاهرتم واعتصمتم على ما أسميتموه تزوير الانتخابات. لم نحاول التظاهر والاعتصام تزامناً معكم رغم قدرتنا على ذلك. فإن قررتم التظاهر تزامناً مع مظاهرات الإصلاح… فلتكن مظاهراتكم سلمية ولتحافظوا على السلم الأهلي… فالعراق أهم من كل المسميات».
وتابع الصدر: «عموماً. فإن أيدينا ممدودة لكم يا جماهير الإطار دون قياداته، لنحاول إصلاح ما فسد».
وحذر خطيب وإمام جمعة المنطقة الخضراء لـ«التيار الصدري» مهند الموسوي، السياسيين المناوئين لـ«التيار» من محاولة الاستمرار بتقاسم السلطة في العراق. وقال إن «المعتصمين خرجوا لكي يرسموا ملامح المرحلة المقبلة للعراق من خلال عملية ديمقراطية ثورية سلمية ثم عملية ديمقراطية انتخابية مبكرة كما قال زعيم التيار الصدري». وأضاف أنه «لا يوجد في قاموس هذه الثورة شيء اسمه تراجع، ومن أجل تحقيق أهداف هذه الثورة لا بد من الثبات»، لافتاً إلى أن الفرصة مؤاتية للتغيير في ظل استمرار الاعتصامات». وأوضح الموسوي أن «تاريخ العراق المعاصر مر بمرحلتين هما من أقسى المراحل، الأولى، وهي من أعتاها، مارس فيها حزب البعث سلطة دموية وشهد في خلالها العراق الجوع والحرمان وقمع الحريات وليس الزمان ببعيد عن المعاصرين لتلك الحقبة المشؤومة. أما المرحلة الثانية فمتمثلة بالاحتلال وتقاسم السلطة وانتشار الفوضى والفساد والإرهاب».
وأكد الموسوي أن «سياسيي الصدفة يعلمون من هم جيش المهدي عندما كانوا خدماً للقوات الصديقة لهم، ولكن هذه القوات والإعلام الكاذب المزيف لأولئك السياسيين لم ينفعهم، ولم يرهبنا الفكر الداعشي».
ورد خصوم الصدر في الإطار التنسيقي بإعلان الاعتصام المفتوح على طريق مؤدٍ إلى أحد أبواب المنطقة الخضراء، بعد تظاهرة ضمت الآلاف.
وختم مناصرو الإطار تظاهرتهم «بإعلان الاعتصام المفتوح من أجل تحقيق مطالبنا العادلة»، وفق بيان ختامي، وهي ثمانية مطالب أبرزها «الإسراع بتشكيل حكومة خدمية وطنية كاملة الصلاحيات وفق السياقات الدستورية». كذلك طالب البيان «رئيس مجلس النواب بإنهاء تعليق العمل، والتحرك الفاعل من أجل إخلاء المجلس وتفعيل عمله التشريعي والرقابي».
وفي سياق الصدام السلمي حتى الآن بين القوتين الشيعيتين الأبرز في العراق (التيار الصدري والإطار التنسيقي)، تقف العملية السياسية في البلاد على مفترق طرق بعد 19 عاماً على تغيير نظام صدام حسين على يد القوات الأميركية، وإجراء خمسة انتخابات آخرها ما سميت بالانتخابات المبكرة أواخر العام الماضي. ورغم النتائج المتباينة لتلك الانتخابات، لكن فوز «التيار الصدري» بالمرتبة الأولى بحصوله على 73 معقداً عقّد المشهد السياسي بعد أن طُرح مشروع الأغلبية الوطنية عبر تحالف جمعه مع السنة عبر «تحالف السيادة» ومع الكرد عبر الحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن قوى «الإطار التنسيقي» التي هي الأقرب إلى إيران، رفضت مشروع الصدر وتمكنت مع قوى كردية (الاتحاد الوطني الكردستاني) وسنية (تحالف عزم) من تعطيل تشكيل حكومة الأغلبية عبر «الثلث المعطل».
وفي سياق الخلاف الذي بدا جذرياً هذه المرة بين الطرفين، فإن انسحاب الصدر من البرلمان واستخدامه ورقة الشارع لتعطيل مشروع خصومه في تشكيل حكومة توافقية أربك المشهد السياسي العراقي إلى الحد الذي بدأت تظهر العديد من السيناريوهات بإمكانية تدخل المجتمع الدولي في إحداث تغيير طالما أن العراق لم يخرج كلياً من بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وفي إطار الصدام الأسبوعي بين «التيار» و«الإطار» والنزول إلى الشارع كل جمعة بهدف اختبار القوة تستمر حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها مصطفى الكاظمي، وهي حكومة ناقصة الصلاحيات فيما تزداد معاناة العراقيين على كل المستويات. وكان الكاظمي قد عبّر أول من أمس عن انزعاجه من استمرار حكومة تصريف الأعمال التي لا تستطيع تقديم الكثير للناس برغم وجود وفرة مالية بسبب ارتفاع أسعار النفط.
الشرق الأوسط