الباحثة شذى خليل*
من أكبر ملفات الفساد التي يعاني منها الاقتصاد العراقي بعد عام 2003، هو فساد المنافذ الحدودية نتيجة سيطرة العصابات والمتنفذين والأحزاب عليها، والتي ترتبط بالفساد المالي والإداري وضعف الدولة.
ويمثل الفساد المالي والإداري أحد أهم التحديات الكبيرة التي يواجهها عراق ما بعد 2003، والتي انعكست تداعياتها على الكثير من سوء المرافق الحيوية والبنى التحتية رغم الموازنات الضخمة والأموال الكبيرة التي صرفت من أجل ذلك.
يملك العراق مع الدول المحيطة به وهي ست دول، منافذ حدودية على امتداد تلك الحدود، حيث يبلغ عدد هذه المنافذ (22) منفذا بريا وبحريا، هذا عدا عن المنافذ الجوية المتمثلة بالمطارات المرخصة وغير المرخصة، مما جعلها بوابة فساد وتزوير للبضائع الداخلة والمهربة للبلد التي تفتقر الى التدقيق مع المنشأ الأصلي وضياع إيرادات البلد .
إن قطاع الصناعة العملية الإنتاجية، شبة متوقف ، لذا فالعراق مستورد بامتياز لأردأ البضائع الاستهلاكية ، إذ تقدر البضائع التي تدخل إليه بملايين الدولارات ، وبهذا يخسر العراق مليارات الدنانير شهريا .
وتستمر تصريحات بعض المسؤولين في الدولة العراقية، عن ضرورة السيطرة على المنافذ الحدودية وضبطها لرفد الاقتصاد من جهة وتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، حيث قال رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية كاظم العقابي، في وقت سابق إن “العراق يخسر المليارات شهرياً بسبب فساد تلك المنافذ ، وبالأخص ميناء أم قصر”، مبينا أنه “منذ أن تسلمت هيئة المنافذ مهامها في منتصف العام المنصرم ، تضاعفت إيرادات المنافذ قياساً بالأعوام التي سبقت تشكيل الهيئة”.
وفي التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية نشر في نهاية العام الماضي ، جاء العراق في المرتبة السادسة عربيًا والـ13 عالميًا بـ168 نقطة في أكثر دول العالم فسادًا متقدمًا على فنزويلا وبورندي، في حين جاءت الصومال وسوريا وجنوب السودان واليمن وكوريا الشمالية والسودان بالمراتب الأعلى بالفساد.
ان إعلان الدول وبشكل رسمي عن حجم صادراتها الى العراق هو تأكيد لحجم الفساد المستشري في مفاصل الدولة ، وهو آفة لتدمير الاقتصاد ، حيث أكدت تلك الدول الست ان حجم صادراتها الى العراق في ٢٠٢١ بلغت أكثر من مليار دولار حسب التقارير الرسمية الصادرة من هيئات الجمارك في تلك الدول” المصدرة للعراق”، لكن هيئة الجمارك العراقية نشرت من خلال الجهاز المركزي للإحصاء بياناتها ، والتي ذكرت فيها بأن حجم استيراد العراق الكلية بلغت ١٦ مليار دولار وان حجم استيراد العراق من هذه الدول الست بلغت ٧ مليارات دولار فقط بفارق ٣٠ مليار دولار.
وهذا الشكل يبين فقط حجم الاستيراد من الدول الست واحتساب الفرق لتلك الدول وبين المسجل لدى هيئة الجمارك العراقية.
واكد الخبراء الاقتصاديون، أن هذا الاختلاف في الأرقام دليل على كبر حجم الفساد بعدم تسجيل معظم البضائع الداخلة للبلد عبر المنافذ غير الرسمية او بطرق غير رسمية أدت الى خسارة العراق لأكثر من ٣ تريليونات دينار كحد أدنى نتيجة عدم استحصال الجمارك على المواد الداخلة مما يعكس حجم الهدر الحاصل في مجال المنافذ الحدودية والتي طال الحديث عنها كثيرا إلا أنها لا تزال وبشكل واضح بعيدة عن الكفاءة المطلوبة.
يذكر ان البنك المركزي العراقي قام ببيع أكثر من ٣٧ مليار دولار في ٢٠٢١ أغلبها كان لتغطية استيراد العراق حسب بيانات البنك.
المنافذ الحدودية في الظروف الطبيعية من المفترض أن تدر ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنويا، لكن ما يصل إلى ميزانية الدولة لا يتجاوز المليار دولار، بينما تذهب المليارات الأخرى إلى جيوب الفاسدين المسيطرين على هذه المنافذ.
وتشير بعض المصادر المطلعة إلى أن ما بين 5 و6 منافذ حدودية مع إيران تفقد الدولة السيطرة عليها بعد السادسة مساء وتكون تحت سيطرة الجماعات المسلحة ناهيك عن عمليات التهريب عبر المنافذ غير الرسمية، مضافا إليها الإعفاءات الجمركية لسلع كثيرة لجهات حكومية وغير حكومية مثل عمليات الاستيراد التابعة للوزارات ومجالس المحافظات وإعفاءات أخرى تحت عناوين كثيرة.
خلاصة القول: الهدر كبير جدا ويقدر بمليارات الدولارات، نتيجة عدم سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية، جراء وجود جماعات خارجة عن القانون تسيطر على جباية الأموال، ويجب وضع خطة للسيطرة على جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية، لترفد الدولة بمليارات الدولارات.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية