في أكبر تحشيد من نوعه تشهده بغداد ومدن جنوب ووسط العراق، تواصل قيادات التيار الصدري التحضير لتظاهرة “مليونية”، في العاصمة، دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أول من أمس السبت، ضمن ما سماه “الفرصة الأخيرة”، في وقت استعجل مجلس القضاء الأعلى الرد على طلب الصدر بحل البرلمان بأن ذلك ليس من صلاحيته، رغم وجود جلسة مخصصة للمحكمة الاتحادية العليا لهذا الغرض تعقد الأربعاء المقبل.
وأوضح مجلس القضاء الأعلى، في بيان أمس الأحد، أنه يتفق مع الصدر في “تشخيص سلبية الواقع السياسي والمخالفات الدستورية المستمرة، المتمثلة بعدم اكتمال تشكيل السلطات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة ضمن المدد الدستورية، وهي حالة غير مقبولة، ويجب معالجتها وعدم تكرارها، وهذا ما شخّصه رئيس المجلس (القاضي فائق زيدان)، في أكثر من مناسبة، ووضع الحلول اللازمة لتجنب تكرارها مستقبلاً، باقتراح تعديل بعض مواد الدستور ذات الصلة”.
وأوضح أن “مجلس القضاء الأعلى لا يملك الصلاحية لحل مجلس النواب، ذلك أن مهام مجلس القضاء محددة بموجب المادة 3 من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017، والتي بمجملها تتعلق بإدارة القضاء فقط، وليس من بينها أي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بأمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية”. ودعا “الجهات السياسية والإعلامية إلى عدم زج القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية”.
استعراض قوة الشارع
ومن المقرر أن يبدأ التيار الصدري بتسيير شاحنات كبيرة من البصرة وميسان والنجف وكربلاء والقادسية والمثنى وذي قار وبابل وواسط إلى العاصمة بغداد، وتحديداً ساحة التحرير، التي بدأت لجان من التيار الصدري بالانتشار فيها أمس الأحد، تمهيداً للتظاهرة التي قد تنتقل إلى المنطقة الخضراء.
وقد أجبر هذا الأمر، الذي يقلق قوات الأمن والقوى السياسية على حد سواء، بعض الدوائر والوزارات المهمة للانتقال إلى ما يعرف بـ”المقرات البديلة” خارج المنطقة الخضراء تحسباً من أن تسوء الأوضاع أكثر في المنطقة المحصنة التي يتواجد فيها الآلاف من أنصار الصدر منذ ثلاثة أسابيع.
التظاهرات “المليونية”، التي يتوقع انطلاقها يوم السبت المقبل تأتي مع استمرار اعتصام المئات من أنصار “الإطار التنسيقي”، من الجهة الثانية للمنطقة الخضراء مقابل الجسر المعلق.
التيار الصدري يستعد لـ”مليونية” ببغداد
وبحسب عضو بارز في التيار الصدري، تحدث عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، فإن “عملية التحشيد للتوجه إلى بغداد انطلقت فعلاً، والهدف جمع مليون عراقي في التظاهرة التي دعا إليها الصدر”. وأضاف أن “ساحة التحرير ستشهد أوسع حشد من نوعه منذ إنشائها بشكلها الحالي في ستينيات القرن الماضي”.
وأشار إلى أن “عمليات تحضير الحافلات والشاحنات التي ستنقل المتظاهرين من جنوب ووسط العراق متواصلة، كما يجري توفير الماء والطعام وأماكن المبيت لهم”، مؤكداً “مشاركة عدد كبير من العشائر في دعم تظاهرات الصدر، بينها عشائر ستصل من مناطق في شمال وغرب العراق”، في إشارة إلى دعم أطياف من العرب السنة للصدريين.
وحول الموعد المقرر للتظاهرة، بين العضو في التيار الصدري أنه “حتى الآن لا يوجد موعد رسمي لانطلاق التظاهرة التي ستحمل اسم الفرصة الأخيرة”.
وألمح إلى إمكانية أن تتحول وجهة التظاهرة إلى المنطقة الخضراء للالتحاق بباقي المعتصمين حول البرلمان، بالقول إن “التيار يدرس خيارات جديدة للتصعيد بعد التظاهرة المليونية، منها الاعتصام الواسع في بغداد، والدعوة للعصيان المدني، ورفع قائمة مطالب جديدة، سيكون على رأسها اشتراط حظر مشاركة الفصائل المسلحة في أي انتخابات مقبلة”.
في المقابل، تشير معلومات من داخل قوى “الإطار التنسيقي”، إلى أن الأخير سيدعو إلى تظاهرة جديدة يوم الجمعة المقبل في نفس مكان تنظيم اعتصامهم الحالي أمام المنطقة الخضراء، وبشكل أكبر من التظاهرة الأخيرة التي نظمت الجمعة الماضي.
حل البرلمان بيد المحكمة الاتحادية
وحول بيان مجلس القضاء الأعلى الذي أشار إلى أنه لا يملك صلاحية لحل البرلمان رداً على دعوة الصدر له، قال الخبير القانوني جمال الأسدي، لـ”العربي الجديد”، إن “المحكمة الاتحادية هي الجهة المعنية في حسم الموضوع، ولهذا فإن قضية حل البرلمان من صلاحيات المحكمة الاتحادية وليس مجلس القضاء الأعلى”.
عائد الهلالي: أي تصعيد من قبل التيار الصدري سيعمق الأزمة
وبين الأسدي أن “هناك دعوى مقامة من 7 شخصيات، وأنا ضمن هذه الشخصيات، وموجهة للمحكمة الاتحادية تطلب فيها حل البرلمان. وكان موعد الجلسة يوم 24 يوليو/تموز الماضي، لكن أُجلت إلى 17 الشهر الحالي، وهناك أمل بقبول دعوى حل البرلمان من خلال هذه الجلسة”. وأضاف أن “الدعوة ذهبت في اتجاه إخفاق البرلمان بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء، وهو ما يوجب حله”.
مخاوف من صدام بين الطرفين
وفي السياق حذر القيادي في “الإطار التنسيقي” عائد الهلالي من أن أي تصعيد من قبل التيار الصدري “سيعمق الأزمة، وربما يدفع هذا التصعيد الى الاحتكاك أو الصدام ما بين جمهور التيار والإطار”.
وبين الهلالي، لـ”العربي الجديد”، أن “التيار الصدري مطالب بالذهاب نحو الحوار والتفاوض بدل التصعيد في الشارع العراقي. فالتيار يدرك جيداً أن الأزمة لا يمكن أن تحل دون الحوار والتفاوض، لكن رغم ذلك هو رافض لأي حوار رغم مساعي الإطار لفتح قنوات تواصل معه، وهذه المساعي ما زالت مستمرة”.
وأضاف أن “موقف القضاء العراقي واضح من حل مجلس النواب، فهذا ليس من صلاحياته، ولهذا حل البرلمان يجب أن يكون عبر الحوار والتفاوض بين الكتل السياسية كافة، وعبر البرلمان نفسه بعد تشكيل حكومة جديدة، تكون هي المشرفة على العملية الانتخابية المقبلة. وبخلاف ذلك لا حل للبرلمان”.
أستاذ الإعلام في جامعة “أهل البيت”، غالب الدعمي توقع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يلجأ التيار الصدري لتصعيد احتجاجاته الشعبية خلال المرحلة المقبلة.
وبين أن “تصعيد الصدريين من تظاهراتهم ربما سيجبر القوى السياسية، خصوصاً الإطار التنسيقي، على الذهاب لاتفاق على تشكيل حكومة جديدة ومؤقتة عبر شخصيات خارج الإطار التنسيقي لتكون هي المشرفة على إجراء انتخابات جديدة”.
وقال إنه “وفق المعطيات الحالية، لا حلول قريبة للأزمة والتصعيد في الشارع سيكون حاضراً وبقوة، وربما سيكون هناك تصعيد من قبل قوى الإطار التنسيقي في الشارع رداً على أي تصعيد صدري مرتقب للضغط نحو حل مجلس النواب”.
العربي الجديد