منذ العام 2017، أي بعد سنتين على تدخل موسكو العسكري المباشر في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن مطار حميميم وميناء طرطوس «قلعتان مهمتان لحماية روسيا». وفي ربيع 2019 أعلنت موسكو أنها استأجرت ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، لأغراض اقتصادية وتجارية ولوجستية، وسرعان ما تحوّل الميناء إلى بؤرة الوجود الروسي الوحيدة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. ومؤخراً أعلنت وكالة أنباء النظام السوري الرسمية عن مقتل ثلاثة عسكريين وجرح آخرين في ضربات صاروخية طالت أهدافاً في جنوب مدينة طرطوس، لكنها أغفلت عن سابق قصد المعلومة أن العدوان وقع على مبعدة ثمانية كيلومترات فقط من القاعدة العسكرية الروسية، وأن رادارات موسكو لم تحرك ساكناً.
بعيداً عن الساحل السوري في منطقة التنف الواقعة على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، أعلن الجيش الأمريكي أن قاعدته العسكرية هناك تعرضت لهجمة بطائرات مسيرة. ومن المعروف أن القاعدة تأوي نحو 200 من قرابة 900 عسكري أمريكي ينتشرون في شمال شرق سوريا بصفة خاصة، كما يتمركز في التنف نحو 300 من عناصر الفصيل المسمى «مغاوير الثورة» المرتبط بالبنتاغون والتحالف الدولي.
وإذا كانت الصواريخ التي انهمرت جنوب القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، مثل المسيرات التي هاجمت القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف، مجهولة الهوية من حيث الإعلان الرسمي عن المسؤولية، فليس خافياً على أحد أن الصواريخ إسرائيلية المصدر والمسيرات إيرانية التوجيه. كذلك لم يعد أحد يجهل ما انتهى إليه النظام السوري من تحويل البلد إلى ساحة لقواعد عسكرية روسية وأمريكية وإيرانية وتركية، وذلك بعد استشهاد مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين وتخريب العمران وتفتيت المكونات الوطنية.
دولة الاحتلال شنت مئات الغارات في طول سوريا وعرضها، وإذا كانت قاذفاتها وصواريخها قد استهدفت القليل من مواقع جيش النظام بسبب من انعدام أخطار كتائبه وألويته وفرقه على الأمن الإسرائيلي، فإنها في المقابل طالت الكثير من الأهداف الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها وعلى رأسها مفارز حزب الله اللبناني، ولم تجد ردعاً في مستوى الحد الأدنى من جانب طهران التي لم تعد تطلق ضد الاعتداءات الإسرائيلية سوى التصريحات.
وأما المسيرات التي استهدفت قاعدة التنف الأمريكية فإنها أقرب إلى رسائل رمزية تتطلع إلى إسماع الصوت في مباحثات فيينا حول إحياء اتفاق 2015 بصدد البرنامج النووي الإيراني، وتلك كانت حال مسيرات تشرين الأول/ أكتوبر الماضي التي حلقت أيضاً في أجواء التنف وأحاطها الإعلام الإيراني بآيات التبريك والتمجيد. وكل هذا رغم أن المنطقة جديرة بدفع طهران إلى اعتماد حال من التسخين المنهجي، بالنظر إلى أنها تقع على تقاطع طرق حساس واستراتيجي كان يتيح تهريب السلاح من داخل العراق إلى حزب الله والميليشيات الموالية.
وفي كل هذا لا يقف النظام السوري متفرجاً مكتوف الأيدي فقط، بل يوغل أكثر فأكثر في سياسات التبعية وتسليم المقدرات والتنكيل بالشعب السوري وإفقاره وتجويعه.
القدس العربي