العرب وقمة الـ20

العرب وقمة الـ20

17

شكلت ولادة «قمة العشرين» قبل سبع سنوات، وفي أعقاب أزمة مالية حادة، اعترافاً صريحاً بصعوبة الاستمرار في إدارة شؤون العالم بالطريقة السابقة. تغيَّر الاقتصاد العالمي، وتغير العالم. لم يعد ممكناً الاكتفاء بالقمم الأميركية- الروسية وريثة القمم الأميركية -السوفياتية. ولم يعد ممكناً الاكتفاء بمجموعة الدول الثماني. كان لا بد من إشراك الدول الصاعدة والاقتصادات المؤثرة في حسابات الاستقرار والازدهار.

هكذا وُلِد هذا الإطار الذي يمثل نحو ثلثي سكان العالم وثلثي التجارة الدولية وأكثر من تسعين في المئة من الناتج العالمي الخام. كان لا بد من إشراك قوى جديدة في ضمان استقرار الوضع الاقتصادي وتوزيع الأعباء والمسؤوليات. وشكل منح العضوية في هذا النادي اعترافاً بنجاح من قُبِلَت عضويتهم في دفع اقتصادات بلادهم إلى الأمام، أي تحسين ظروف معيشة مئات الملايين من الناس أو أكثر من ذلك.

كل اجتماع لـ «قمة العشرين» يعني العالم بأسره. فهو يؤثر في النمو وحركة التجارة والاستقرار النقدي وفرص التنمية وإيجاد الوظائف. وهو مهم أيضاً لأنه يوفر فرصة للتشاور السياسي بين اللاعبين الحاضرين، إذ لا يمكن عزل البرامج الاقتصادية عن شروط الاستقرار وغياب النزاعات المكلفة أو المدمّرة.

تنعقد القمة الحالية في أنطاليا في تركيا، أي في مكان غير بعيد عن النزاعات الأكثر سخونة في العالم والتي تدور للأسف على أرض عربية. تعقد القمة في بلد مجاور للعراق الذي يعيش منذ عقود على وقع الحروب والتمزقات. بلد مجاور أيضاً لسورية التي تحولت بلداً مريضاً تحاول لجنة الأطباء التي عقدت اجتماعها الثاني في فيينا إقناعه بتناول العلاج ولو كان مُرّاً.

المؤلم أيضاً أن المواضيع التي اقتحمت جدول أعمال القمة أو المشاورات الدائرة على هامشها، جاءت من العالم العربي. انعقدت القمة في ظل أجواء حزن وغضب وقلق أشاعتها مذبحة باريس التي سارع تنظيم «داعش» إلى إعلان مسؤوليته عن ارتكابها. وانعقدت أيضاً في ظل الارتباك الأوروبي أمام أمواج اللاجئين المتدفقين من سورية وبلدان أخرى عربية.

كم يبدو المشهد مؤلماً. يستطيع الرئيس الصيني المشارك في القمة القول إن بلاده غيّرت في العقود الأخيرة حياة مئات الملايين من الصينيين. وفرت لهم ظروفاً أفضل في العمل والتعليم والرفاهية. يستطيع رئيس الوزراء الهندي التحدث بلغة مشابهة عن مكافحة الفقر وتحسين ظروف الالتحاق بالعصر. يمكن أيضاً الإشارة إلى كوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا. تستطيع السعودية وهي الدولة العربية الوحيدة في «مجموعة العشرين»، التحدث عن إنجازات اقتصادية وتحسين ظروف معيشة مواطنيها. لكن العربي المتابع للقمة يسأل وبألم عن أوضاع دولة غنية كان يفترض أن تحقّق قفزة في حياة شعبها، وهي العراق. يسأل العربي أيضاً عن مصر والجزائر وسورية والمغرب ودول أخرى.

لا مبالغة في القول إننا أضعنا عقوداً كاملة من حياة شعوبنا. أضعناها في ظل سياسات الاستبداد وأحياناً في عهدة رجال يسعون إلى تطويع مجتمعاتهم بدلاً من مواكبتها، ولا يملكون معرفة حقيقية بالعالم وهاجس التقدم وأهمية الازدهار لحراسة أي استقرار. عشنا في ظل القاموس القديم. تضخيم الجيوش وشراء سكوت الناس بتوظيفهم وتحويلهم عبئاً إضافياً على أي محاولة جدية للنهوض الاقتصادي. عشنا نهمل التعليم، وهو مفتاح لجأت إليه الدول التي خططت للخروج من التخلُّف والفقر.

المفارقات صارخة فعلاً. يمكن العربي ألاّ يُعجَب بسياسات رجب طيب أردوغان الإقليمية. ويحلو لبعضهم أن يهاجم «السلطان» وتعثُّر سياساته في الملف السوري وملفات أخرى. لكن الحقيقة هي أن أردوغان يستطيع القول إن بلاده حققت في ظل حكم حزبه قفزة اقتصادية، أهّلتها للفوز بعضوية «مجموعة العشرين».

من حسن حظ العرب أن السعودية حاضرة في هذه المجموعة. وهي تملك إضافة إلى ثقلها الاقتصادي، ترسانة من العلاقات الدولية تضاف إلى ثقلها العربي والإسلامي. هذا يؤهلها للدفاع عن وجهة النظر العربية في نادي الكبار. لكن المؤسف هو أن غالبية العالم العربي تبدو كأنها تقيم في عصر آخر، ما ينذر بتدهور بلداننا وعواصمنا وتزايد الفقر والبطالة والتطرف، واحتفاظنا بصورة مَنْ يصدّر إلى العالم الإرهاب واللاجئين، كما فعلنا عشية قمة أنطاليا.

غسان شربل

نقلا عن صحيفة الحياة