ما حدود القوة العظمى للولايات المتحدة؟

ما حدود القوة العظمى للولايات المتحدة؟

يرى الأكاديمي الأميركي أندرو لاثام أن مصطلح “التنافس بين القوى العظمى” برز مجددا إلى السطح خلال العقد الماضي بعد أن كان عبارة ميتة خرجت من قاموس الاستعارات الجيوسياسية المتداولة، لكنه عاد ليطارد صناع القرار في واشنطن.

ويشير لاثام في مقال له بصحيفة “ذا هيل” (the Hill) الأميركية إلى أن هناك اعتقادا ساد بعد نهاية الحرب الباردة وما شهدته من تنافس أيديولوجي ثنائي القطب انتهى بسيادة الولايات المتحدة أحادية القطب على العالم، يقضي بأن مفهوم التنافس بين القوى العظمى قد أصبح من الماضي.

لكن المفهوم عاد إلى الصدارة بعد تراجع الليبرالية الجديدة، وبات العلماء والسياسيون يستخدمونه في محاولاتهم لفهم النظام العالمي المعاصر وفق المقال.

ورغم تباين وجهات النظر حول تأثير عودة التنافس على سيادة العالم على السياسة الخارجية الأميركية، فإن لاثام -الذي يعمل أستاذا للعلاقات الدولية في كلية ماكاليستر (Macalester College) بولاية مينيسوتا الأميركية- يرى أن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن هذا التنافس قد أصبح “الحكمة المتواضع عليها” في العصر الحديث، والتي تشكل وتحكم الخطاب الجيوسياسي الرسمي والشعبي في الولايات المتحدة وخارجها.

مخاوف تهدد مكانة أميركا

وفي كتاب صدر مؤخرا للأكاديمي والمؤلف الأميركي علي وين بعنوان “فرصة أميركا للقوة العظمى: تنشيط السياسة الخارجية للولايات المتحدة لمواجهة تحديات المنافسة الإستراتيجية” (“America’s Great Power Opportunity: Revitalizing U.S. Foreign Policy to Meet the Challenges of Strategic Competition,”)، يحذر وين من مخاطر ما يسميه المنافسة غير المحدودة” بين القوى العظمى، ويرى أن من الخطأ المقارنة بين الإطار الذي يحكم تنافس القوى العظمى الآن وذاك الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة.

كما يرى أن المقارنة بين الصراع الآن وما حدث خلال الحرب الباردة بات يكتسب زخما متزايدا في أروقة المؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية الأميركية.

ويمضي للقول إن التعاطي مع اللحظة الراهنة على أنها مشابهة لحقبة الحرب الباردة يغذي مخاوف أميركا الجيوسياسية، ويدفع واشنطن إلى تبني إستراتيجية كبرى غير مستدامة بهدف تهدئة تلك المخاوف، مما يثير ردود فعل من قبل الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ويهدد مكانة الولايات المتحدة في العالم.

ويخلص وين في كتابه إلى أن المصلحة تقتضي أن تتبنى الولايات المتحدة موقفا دوليا أكثر انضباطا، وأن تتجنب النزعة الانفرادية، وأن تستعيض عن ذلك بالاعتماد على حلفائها وشركائها للحفاظ على التوازنات الإقليمية، ولكي تتمكن علاوة على ذلك من تهيئة الظروف للإصلاح الداخلي.

تحديات

ويعلق كاتب المقال أندرو لاثام، بأن وين وقع في الخطأ نفسه الذي كان ينتقده، حين استنتج في نهاية كتابه أن “دخول عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى يشكل فرصة للولايات المتحدة، ليس من أجل تجديد نفسها فحسب، بل لبناء نظام عالمي جديد قادر على معالجة العديد من التحديات الراهنة”.

ويرى أن ما ذهب إليه وين استنتاج غريب ومناقض لما ركز عليه في كتابه من إبراز لخطأ المقارنة التاريخية بين حقبة الحرب الباردة واللحظة الحالية.

ويختم الكاتب مقاله بتسليط الضوء على ما يراه فرقا شاسعا بين الوضع الفريد الذي مكّن الولايات المتحدة عام 1945 من تجديد النظام العالمي على نحو يعكس قيمها ويخدم مصالحها، ووضعها الحالي حيث تواجه تحديات عديدة داخلية وخارجية من ضمنها “الانهيار المحلي الذي يقوض جاذبية المثال الأميركي”، والإستراتيجية الكبرى التي وضعتها بناء على التنافس مع القوى العظمى الأخرى، والتي تتسم بالطموح الشديد وتحكمها ردود الفعل على الأحداث للحد الذي لا تصلح معه لتوجيه أي مشروع إيجابي يرمي للتجديد.

الجزيرة