إيران تحشد الدعم الداخلي للتوصل إلى اتفاق نووي محتمل

إيران تحشد الدعم الداخلي للتوصل إلى اتفاق نووي محتمل

على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المرشد الأعلى سيوافق على قبول حلول توافقية ضرورية للتوصل إلى اتفاق نووي، إلا أن مسؤولي النظام الإيراني يزيدون إلى الحد الأقصى من مساحة المناورة المتوفرة لديهم، من خلال إعداد البلاد لكلتا الحالتين – على افتراض أن الاقتصاد لا يجبرهم على ذلك.

منذ أن تولى الرئيس إبراهيم رئيسي منصبه العام الماضي، دأبت إيران على عدم إعطاء الأولوية بشكل مطرد لأهمية العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ومع ذلك فقد تغير خطابها بشأن هذه المسألة بعدة طرق ملحوظة خلال الأسبوع الماضي. فمع اقتراب المفاوضين من مفترق طرق آخر في المحادثات النووية، وسط تقارير عن “مسودة نهائية” وزعها المسؤولون الأوروبيون، يبدو أن النظام الإيراني يُعِدّ كوادره والجمهور الأوسع نطاقاً لقبول حل توافقي إذا أصبحت ضرورية من الناحية السياسية أو الاقتصادية، سواء بشكل وشيك أو في المستقبل.

النشاط الأخير يشير إلى البناء المألوف على التوافق في الآراء

يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يتبعون قواعد اللعبة التي وُضعت في عام 1988، عندما تعيّنَ على النظام أن يجد طريقة للخروج من حرب طويلة ومدمرة مع العراق على الرغم من إعلانه مراراً وتكراراً أنه سيقاتل حتى النهاية المريرة. ففي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، تمثّلَ الهدف في بناء إجماع داخلي، استناداً إلى الاعتقاد بأنه حتى النظام الاستبدادي مثل الجمهورية الإسلامية يحتاج إلى استثمار درجة معينة من الوقت والموارد في تبرير سياساته محلياً. وعلى الرغم من أن المفاوضات النووية الحالية لا تتسم بالدراماتيكية نفسها مثل ذلك الوقت المحوري، إلّا أنه يمكن ملاحظة الكثير من الآليات نفسها.

على سبيل المثال، خلال مؤتمر صحفي عُقد في 15 آب/أغسطس، صرّح وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان أنه إذا أبدت الولايات المتحدة مرونة كافية فيما يخص تعليقات إيران على مسودة الاتفاقية التي طرحها “الاتحاد الأوروبي”، فسيتم التوصل إلى اتفاق في غضون أيام قليلة. وردّ أيضاً على الانتقادات المحلية للمسودة، موضحاً أنه بينما كان ممثلو “مجلس الشورى الإسلامي” على حق في الإشارة إلى شوائبها المفترَضة، كان عليهم التذكُّر أن المفاوضات تستلزم أخذ اعتبارات الطرف الآخر ومطالبه في الاعتبار. وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، ترأّسَ الرئيس رئيسي اجتماعاً خاصاً عقدَه “المجلس الأعلى للأمن القومي” لمناقشة رد إيران الرسمي على المسودة، والذي تم إرساله بعد ساعات قليلة.

وفي 16 آب/أغسطس، استمع أعضاء “لجنة الأمن القومي” في “مجلس الشورى الإسلامي” إلى إحاطة قدّمها أمير عبد اللهيان، وأمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” علي شمخاني، وكبير المفاوضين النوويين علي باقري كني، ورئيس “منظمة الطاقة الذرية” محمد إسلامي. ووفقاً لوكالة “نور نيوز” الإعلامية التابعة لـ”المجلس الأعلى للأمن القومي”، قال شمخاني للممثلين إن النظام لن يتراجع عن خطوطه الحمراء النووية. واستمرت الحملة لحشد الدعم البرلماني في اليوم التالي عندما حضر مسؤولو النظام الأربعة نفسهم اجتماعاً مغلقاً عقده “مجلس الشورى الإسلامي”. وعلى الرغم من تقديم إحاطات مماثلة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام عندما أفادت بعض التقارير أن الاتفاق كان وشيكاً، إلّا أنوجود جميع المسؤولين الأربعة على أرض “المجلس” كان أمراً غير معتاد. وفي موازاة ذلك، استخدم كبار المسؤولين وسائل الإعلام لبناء توافُق داخلي أيضاً، حيث أفادت بعض التقارير أن باقري كني كان يطلع الصحفيين البارزين على شروط الاتفاق الناشئ.

وتعكس جميع هذه الجهود النشاط الموثق في مذكرات الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي ساعد في قيادة المجهود الحربي في عام 1988، بينما كان يبذل في الوقت نفسه كل ما في وسعه لإنهائه. فوفقاً لما دوّنه في مذكراته اليومية، سعى إلى إقناع بقية القيادة بأن إيران كانت في حالة يُرثى لها ولم يَعُد بإمكانها تحمُّل استمرار النزاع، وذلك بالتعاون مع الرئيس آنذاك (الذي كان سيصبح المرشد الأعلى في موعد قريب) علي خامنئي لإحاطة “مجلس الشورى الإسلامي” والقوات المسلحة ومختلف مجالس النظام وجمعياته بشكل مكثف. وقد عمما الرسالة نفسها على مسؤولي النظام من الرتبة المتوسطة والجمهور الأوسع نطاقاً، من خلال إصدارهما تعليمات للأئمة بنشر السردية الجديدة في خُطَب صلاة الجمعة، وعَقدهما مؤتمرات صحفية لشرح المنطق الذي يكمن خلف اتباع هذه السياسة، وتنسيقهما الجهود الإعلامية لتصوير نتيجة الحرب على أنها انتصار إيراني.

وفي النهاية، وعلى الرغم من خطر رد الفعل العنيف من قبل أنصار النظام الأكثر تشدداً، قرر المرشد الأعلى روح الله الخميني تجرُّع ما يسمى بـ”الكأس المُرّة” من خلال تأييد التسوية من أجل بقاء النظام، بينما تمكّنَ رفسنجاني وخامنئي من تشتيت الاعتراض المحلي على القرار. واستخدمت طهران أسلوب العمل نفسه عندما برزت حاجة للتوصل إلى حلول وسط خلال المفاوضات النووية التي جرت في عامَي 2003 و2015.

ما الذي يقوله النظام للإيرانيين حالياً؟

تُركّز رسائل طهران الأخيرة على ثلاث نقاط رئيسية. أولاً، تُشدد على أنه في حين أن الصفقة هي في متناول اليد، إلّا أن الكرة الآن في الساحة الأمريكية، وعلى واشنطن تقديم المزيد من التنازلات. وفي 15 آب/أغسطس، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن مسودة الاتفاقية الأوروبية لا تلبي مطالب إيران حتى الآن، على الرغم من التقدم النسبي الذي أحرزه الطرفان، كما أكدت “وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية” (“إيرنا”) مراراً أن على واشنطن اتخاذ القرارات السياسية اللازمة. وكرر أمير عبد اللهيان هذه الرسالة، مشيراً إلى أنه على الولايات المتحدة أن تتنازل وتُقدّم ضمانات بأن الصفقة ستستمر. وقدّمت الصحف المتشددة حججاً مماثلة. وأكّد مقالٌ نُشر في 17 آب/أغسطس في صحيفة “جافان” أن طهران جعلت من الصعب على واشنطن رفض الاتفاق. وشددت صحيفة “كيهان” مراراً وتكراراً على أن اتفاقاً دون تخفيف حقيقي للعقوبات الأمريكية وضمانات تقدّمها الولايات المتحدة من شأنه أن يُلحق الضرر مجدداً بإيران، وحثّت الحكومة على تذكُّر أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من وجود اتفاق سيئ. وربما تُشكّل هذه الرسائل طريقة يعتمدها النظام للاحتراز من الانتقادات المستقبلية المحتملة من العناصر المحلية التي دفعت باتجاه اتباع استراتيجية أكثر واقعية للتفاوُض. وفي الواقع، أكد الرئيس السابق حسن روحاني الشهر الماضي أنه كان من الممكن إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» خلال فترة ولايته لو لم يوافق “مجلس الشورى الإسلامي” على قانون في كانون الأول/ديسمبر 2020 الذي طالبَ الحكومة بتقليص التزاماتها بموجب الاتفاقية.

ثانياً، يشيد المسؤولون المحافظون ووسائل الإعلام المحافظة بالمفاوضين (وبالتالي بحكومة رئيسي)، في محاولة واضحة لتفادي توجيه أي انتقادات متشددة في المستقبل لدوافع الفريق أو أدائه – وهو اختلاف صارخ عن المعاملة التي تلقتها دائرة روحاني. ففي 12 آب/أغسطس، وصف الإمام الذي أقامَ صلاة الجمعة في طهران المفاوضين بأنهم “فريق متمرس وثوري ومحفَّز“. وعلى نحو مماثل، أشار الرئيس رئيسي في 21 آب/أغسطس إلى أن إيران حصلت على “جزء كبير من مطالبها” من خلال “نهجها المشرّف”. وحتى أن صحيفة “كيهان” – التي غالباً ما تنتقد المحادثات النووية – أشارت في 15 آب/أغسطس إلى أن المفاوضين حرصوا على الإصرار على مبادئ إيران ومصالحها، مضيفةً أن الصفقة الحالية أقوى بكثير من تلك التي تساومت عليها حكومة روحاني. ومن المؤكد أن الصحيفة أوضحت أيضاً أن المسودة الأخيرة لا تزال غير مقبولة. ومع ذلك، ربما كان تأييدها للفريق المفاوض بمثابة إشارة موجهة إلى القراء المحافظين والمتشددين، وذلك لدعم مواصلة المفاوضات حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة.

ثالثاً، كما في الماضي، يقول مسؤولو النظام إن الاتفاق ليس أمراً إلزامياً بالنسبة لإيران وأن البلاد لديها “خطة بديلة”، كما أشار حسين عبد اللهيان في 15 آب/أغسطس. وبالمثل، قام نائبه مهدي سفاري – المسؤول عن الدبلوماسية الاقتصادية في وزارة الخارجية الإيرانية وشغل سابقاً منصب سفير لدى روسيا والصين – بإخبار صحيفة “اعتماد” الإصلاحية أن “العقوبات لا تعادل الموت”. وفي 18 آب/أغسطس، روّجت الصفحة الأولى من صحيفة “جام إي جام” المحافِظة التي يملكها النظام للحجة المتمثلة في أن دبلوماسية رئيسي النشطة قد تلافت العقوبات بنجاح. وبعد ثلاثة أيام، أشادت صحيفة “إيران” التابعة للنظام بـ “دبلوماسية الطاقة النشطة” التي تنتهجها الحكومة. وفي 22 آب/أغسطس، قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن الغرب يحتاج إلى التوصل إلى اتفاق أكثر من إيران، ثم أعلن أن النظام سيتابع مسار سياسته الخارجية الحالية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. وأثنت صحيفة “كيهان” على هذه الحجة، فزعمت أن إيران هي في “موقع متفوق” لأن واشنطن وأوروبا هما في أمس الحاجة إلى نفطها.

وفيما يتعلق بما قد تنطوي عليه “الخطة البديلة” على وجه التحديد من الناحية العملية، حذّر الممثل البارز لـ”مجلس الشورى الإسلامي” إسماعيل كوثري في 16 آب/أغسطس من أن إيران ستزيد قدرتها على تخصيب اليورانيوم إلى 190 ألف وحدة عمل فصل إذا لزم الأمر. (للحصول على شرح لهذه النقطة والمفاهيم التقنية الأخرى، من بينها الزمن المحتمل لطهران لتجاوز العتبة النووية، راجع المقالين تفسير التطور النووي الإيراني وإيران النووية – قائمة مصطلحات المنشورين من قبل معهد واشنطن).

الطريق إلى المستقبل

على الرغم من أن المرشد الأعلى خامنئي لم يتحدث عن المفاوضات النووية منذ أسابيع، إلّا أنه يُفترض أن هذا ليس إلا التكتيك الذي يتبعه عادةً لعزل نفسه عن التعرض للّوم إذا نشأ خلاف – سواء من خلال تقديم تنازلات أو تجنب عقد اتفاق سريع. وفي جميع الاحتمالات، فإنه [الزعيم] الذي يتولى تنسيق كافة القرارات والتوجيهات النووية الصادرة عن “المجلس الأعلى للأمن القومي” ويوافق عليها. وفي الوقت الحالي، لم يتضح بعد ما إذا كان مستعداً لتقديم المزيد من التنازلات، أو يفضّل الاستمرار في التخلي عن مزايا «خطة العمل الشاملة المشتركة» على المدى القريب.

ومن خلال تهيئة الجمهور لمجموعة واسعة من البدائل، فإن رسائل طهران الحالية قد تُمكّن خامنئي من تأجيل القرار إذا رغب في ذلك. إلا أن هذه الاستراتيجية قد تُسبب نتائج عكسية أيضاً، نظراً إلى الوضع العسير الذي يعاني منه أساساً الاقتصاد الإيراني. وقد أدى التفاؤل الأخير بشأن مصير «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى تحسين سعر صرف الريال مقابل الدولار، لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق (أو على الأقل الحفاظ على المحادثات) قد يُقحم الأسواق الإيرانية في حلقة مفرغة أخرى.

معهد واشنطن