وصلت مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين إلى عنق الزجاجة الأخير.
اكتسب الأمر بعض الإثارة مع مطالبة طهران لواشنطن بالاستعجال في الرد على اقتراحاتها على المسودة الأوروبية، وعودة الردود الأمريكية إلى طهران، وكثير من التهديد والوعيد الإسرائيلي لطهران، واتهام واشنطن بخذلان نفسها، وبختام ذلك سنشهد، على الأغلب، الفصل الأخير لهذه الدراما الدولية المثيرة، الذي يعيد تطبيع علاقات إيران مع المنظومة الدولية، ويوقف سيل العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية ضدها.
لكن في هذا الوقت الحاسم، شهدت منطقة الحدود العراقية ـ الأردنية مع سوريا، تصعيدا عسكريا كبيرا وسريعا، على عدة أيام، ففي 15 آب/ أغسطس الحالي جرى هجومان بصواريخ وطائرة مسيّرة على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين، تبعته ضربة أمريكية في 23 الشهر الجاري على مخازن أسلحة ودعم لوجستي لميليشيات شيعية تضم عراقيين ولبنانيين وأفغان وباكستانيين.
في اليوم التالي ردّت الميليشيات بقصف قاعدتين في القرية الخضراء وكونوكو فجرحت ثلاثة جنود أمريكيين، وتبعتها ضربات انتقامية أمريكية بالمروحيات والطائرات الحربية ومدافع الهاوتزر، وأعلن الأمريكيون قتل ثلاثة إلى أربعة عناصر وتدمير قاذفات صواريخ ومركبات.
تتمركز القواعد العسكرية الأمريكية في مواقع ذات أهمية استراتيجية اقتصاديا وعسكريا، حيث تتوزع بشكل يشبه الطوق حول منابع النفط (حقول العمر والرميلان والتنك) والغاز (كونيكو)، وهي تشكل غالبية الثروة الباطنية السورية، كما أنها تتمركز قرب طرق استراتيجية.
تتزاحم هذه القواعد على جغرافيا ينتشر فيها قرابة 15 ألف مقاتل، وتشكل طريق اتصال شاسعة تمتد من أفغانستان وباكستان مرورا بإيران والعراق وسوريا ولبنان، وتضم داخلها ميليشيات منها «كتائب حزب الله» العراقية، و«حزب الله» اللبناني، ولواء فاطميون الأفغاني، ولواء زينبيون الباكستاني، والحفاظ على خطوط الاتصال هذه أمر حيوي لإيران وحلفائها.
تدفع هذه الأحداث المتوترة الأخيرة، بالتزامن مع التوتر الكبير المتعلق بمفاوضات الاتفاق النووي، للتساؤل إن كان التصعيد الذي شهد كل تلك الضربات الانتقامية المتبادلة على الأراضي السورية هو الجزء العسكري من المفاوضات الكبرى الجارية بين القوى العظمى وإيران، أم أن المسارين منفصلان؟
يشير إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أن الهجمات كان هدفها الأفراد الأمريكيين والدفاع عنهم، إلى تقليص المسألة إلى قضية عسكرية، وقد قابله موقف مشابه من الخارجية الإيرانية التي أعلنت أن لا علاقة لها بالمواقف التي استهدفها الأمريكيون.
الخلاصة المستفادة أنه وبغض النظر عن الإعلانات الأمريكية والإيرانية الأخيرة فإن اشتعال النيران على الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية يعكس ارتفاع حرارة ميزان التوترات الإقليمية والعالمية، لكنّه يشتبك أيضا مع أسباب توتّر وصراع محلّية عديدة مما يجعل استمرار المواجهات هذه متوقعا، سواء تم توقيع الاتفاق النووي أم لا.
القدس العربي