الرياض- تواصل السعودية جني الأرباح من قطاع النفط القوي. ولكن وبدلا من إنفاق هذه الأموال على القطاع العام والسير في سياسة الرفاه القديمة، فإن المملكة غيّرت سياستها تماما، حيث باتت تركز على استخدام هذه العائدات في صناعات أخرى متنوعة ما يحقق هدفها القائم على تنويع ذكي للاقتصاد يضمن لها البقاء في القمة، مع انتقال العالم إلى الطاقة النظيفة.
وأعلنت أرامكو عن تحقيق أرباح قياسية بلغت 48.8 مليار دولار للربع الثاني من سنة 2022، أي بزيادة قدرها 90 في المئة على أساس سنوي. ويعتبر هذا أكبر ربح ربع سنوي معدل لأيّ شركة مدرجة، وفقا لوكالة بلومبيرغ. ويرجع جلّ نمو الأرباح إلى ارتفاع أسعار النفط وتحول الطلب العالمي بعيدا عن روسيا بسبب العقوبات المفروضة على طاقتها.
فيليسيتي برادستوك: السعودية تضخ أموال النفط في صناعات أخرى لتعزيز اقتصادها
وصرح أمين بن حسن الناصر، رئيس شركة أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين، أنه “في حين أن تقلبات السوق العالمية وعدم اليقين الاقتصادي لا تزال قائمة، تدعم الأحداث خلال النصف الأول من السنة الحالية وجهة نظرنا بأن الاستثمار المستمر في صناعتنا ضروري للمساعدة في ضمان استمرار الإمداد بالأسواق بشكل جيد ولتيسير انتقال منظم للطاقة”.
وأضاف الناصر “نحن نتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط لبقية العقد رغم الضغوط الاقتصادية السلبية على التوقعات العالمية في المدى القصير”.
وليست أرامكو الشركة النفطية الرئيسية الوحيدة التي حققت أرباحا كبيرة في 2022، حيث أعلنت كل من إكسون وشيفرون وبي بي (بريتيش بتروليوم) أرباحا ضخمة.
وقد أدى ذلك ببعض الحكومات إلى فرض ضريبة غير متوقعة على شركات النفط والغاز لدعم الجمهور الذي يواجه ارتفاعا في مؤشر أسعار المستهلك. وفرضت الحكومة البريطانية ضريبة قدرها 5 مليارات دولار على شركات النفط التي استفادت من الزيادة في أسعار النفط الخام.
وتقول الكاتبة المتخصصة في الطاقة والتمويل فيليسيتي برادستوك في تقرير لموقع “أويل برايس” إن السعودية تضخ أموالها النفطية في صناعات أخرى للمساعدة في تعزيز اقتصادها، وأصبح التأثير غير المباشر الذي أحدثته زيادة عائدات النفط على القطاعات الأخرى أكثر وضوحا بشكل متزايد مع ازدهار صناعة العقارات. ففي الآونة الأخيرة، سُجّل شراء 300 عقار جديد من مساكن الماجدية بالرياض نقدا في غضون شهر واحد، وذلك بسعر 266.400 دولار للمنزل الواحد. وساعدت الحريات الأكبر للمشترين من الجنسين في دعم ازدهار العقارات.
وخفف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي في المملكة، من القواعد الصارمة المتعلقة بالترفيه منذ توليه السلطة في 2015. وبات يُسمح للرجال والنساء بالاختلاط أكثر وللنساء بقيادة السيارة واستئجار منازل خاصة بهن أو شراء عقارات. وتضاعفت نسبة النساء العاملات وهن يشكّلن 30 في المئة من المستثمرين في عقارات الماجدية.
أمين بن حسن الناصر: نحن نتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط لبقية العقد رغم الضغوط الاقتصادية السلبية على التوقعات العالمية في المدى القصير
ويشدد ولي العهد السعودي على أهمية التنويع الاقتصادي، حيث يتحول جزء كبير من العالم من الوقود الأحفوري إلى البدائل المتجددة. وتعمل السعودية على تطوير قطاع البناء بسرعة، حيث تتسابق لتشييد مراكز تسوق ونشر حدائق في جميع أنحاء الرياض بالإضافة إلى التخطيط لمدينة نيوم الجديدة والتطوير السياحي في البحر الأحمر. كما توسعت الصناعة التحويلية في المملكة خلال السنوات الأخيرة مع نمو سوق السيارات الكهربائية.
وفي حين أن نسبة كبيرة من التنمية الصناعية في البلاد لا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، ستساعد زيادة الاستثمار في القطاعات الأخرى السعودية على تطوير اقتصاد أقوى وأكثر تنوعا. وستسمح الاستثمارات في التصنيع والبناء والسياحة بتحقيق أرباح أكبر في القطاعات الأخرى مع استمرار التحول الأخضر.
وأعلنت السعودية في يونيو الماضي عن فائض في الميزانية هذا العام قدره 15 مليار دولار، مع توقعات تصل إلى 80 مليار دولار قبل حلول السنة المقبلة. وقرر الأمير محمد بن سلمان ادخار الكثير من الأموال الفائضة ودعم الخطط الهادفة إلى التنويع الاقتصادي السريع والتركيز على تحويل اقتصاد الدولة من الاعتماد الكامل على النفط والغاز.
ويعتبر هذا النهج مختلفا عن السياسات الاقتصادية السابقة أثناء ارتفاع أسعار النفط، حيث اعتُمدت الموارد المالية سابقا لزيادة رواتب القطاع العام والاستثمار في الجيش وتطوير البنية التحتية الرئيسية. لكن خطط الدولة الحالية للنمو تركز بشكل أكبر على جذب عوائد أكبر من مجموعة من الصناعات في المستقبل مع المدن الصناعية الجديدة وناطحات السحاب الضخمة التي شُيّدت بالفعل.
وأوضح وزير المالية محمد الجدعان النهج السابق للإنفاق الحكومي قائلا إن الخطأ الكبير الذي ارتُكب خلال العقدين الماضيين هو أنه “عندما يكون لديك المزيد من الإيرادات، فإنك تنفق أكثر، وعندما لا يكون لديك إيرادات، فإنك تنفق أقل”، معتبرا أن أمر مؤلم للاقتصاد.
وتتصرف السعودية بحكمة أكبر بالاستفادة من عائدات النفط بشكل كبير من خلال زيادة الإنتاج وضخ الأموال في التنويع الاقتصادي مع توفير بعض الموارد في الآن نفسه تأهبا لانخفاض أسعار النفط في نهاية المطاف. ومع حدوث التحول الأخضر، من المرجح أن تحقق المملكة التنمية الاقتصادية الشاملة التي تحتاجها لبناء صناعات قوية وضمان الازدهار على المدى الطويل في عالم ما بعد النفط.
العرب