امتحان أميركي وعربي في مواجهة سيناريو إيراني

امتحان أميركي وعربي في مواجهة سيناريو إيراني

الولايات المتحدة الأميركية تكرر خداع النفس من دون التوقف أمام التجارب، وجمهورية الملالي مستمرة في ممارسة الدهاء الإيراني في خداع الآخرين. إدارة الرئيس جو بايدن تعيد الرهان الفاشل الذي اختبرته خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، بحجة أن الرهان المعاكس لإدارة الرئيس دونالد ترمب على الانسحاب من الاتفاق النووي وممارسة “الضغط الأقصى” لم ينجح. وهي تتصرف على أساس أن العودة إلى الاتفاق النووي تحقق لها ثلاثة أهداف، أولها الحؤول دون أن تصبح إيران قوة نووية عسكرية، وثانيها ما سماه الخبير كريم سادجادبور وهم “تحويل النظام إلى الاعتدال عبر الانخراط معه”، وثالثها التصور أن تحسن الوضع الاقتصادي في إيران يقوي التيار الإصلاحي الذي أخرجه المتشددون من السلطة. والجمهورية الإسلامية التي صارت “دولة عتبة” نووية واثقة من أن الاتفاق النووي الذي خرقته بحجة خروج أميركا منه يعطيها ثلاثة أمور، رفع العقوبات الأميركية، عودة الاستثمارات وتصدير النفط، وقدرة أكبر على تمويل وكلائها ونشاطهم في المنطقة، من دون أن يتأثر عملها سراً في صنع قنبلة نووية.

وما دامت العودة إلى الاتفاق محصورة بالملف النووي ولا شيء خارجه بعد تراجع أميركا وإيران عن مطالب عدة، فإن السيناريو كما يرسمه الملالي ووكلاؤهم في المنطقة مقلق لقوى عدة. وبحسب هذا السيناريو، فإن طهران تحصل على كل ما تريده، وتكمل كل ما تفعله. لا قيد على برنامج الصواريخ الباليستية، لا حد للنفوذ الإيراني في المنطقة، لا وقف للسلوك “المزعزع للاستقرار”، لا توقف عن السعي لإخراج أميركا من “غرب آسيا”، لا خروج من سوريا والعراق ولبنان، ولا تراجع عن تسليح الحوثيين في اليمن ومدهم بمزيد من الصواريخ والمسيرات التي يتم إطلاقها على أهداف مدنية في السعودية والإمارات العربية.

والسؤال هو كيف يمكن ذلك؟ هل تتخلى واشنطن عن المصالح الحيوية الأميركية كما عن مصالح حلفائها والأصدقاء؟ وأي اتفاق هو الذي يربح فيه طرف كل شيء ويسلم له الطرف الآخر بكل ما يفعله؟ في جدة، اعترف بايدن بأن بلاده أخطأت في “الانكفاء” عن الشرق الأوسط، وأكد العودة عن الخطأ وعدم إحداث فراغ يعمل على ملئه الروس والصينيون والإيرانيون. فكيف يتحقق ذلك بترك كل شيء لإيران؟ وماذا يعني الكلام عن الحاجة إلى نظام أمني إقليمي؟

رهان أوباما للهرولة على الاتفاق النووي مع إيران وتسهيل التركيز الأميركي على الشرق الأقصى حيث “الثروة والقوة” كان على أمرين، أولهما أنه لا أخطار استراتيجية على أوروبا، لأن روسيا هي مجرد قوة إقليمية، وثانيهما دعم الإخوان المسلمين في ثورات ما سمي “الربيع العربي” للسيطرة على تونس ومصر وسوريا وليبيا وتشكيل محور سني بقيادة تركيا المحكومة من الرئيس رجب طيب أردوغان زعيم حزب “العدالة والتنمية” للتوازن مع محور شيعي بقيادة إيران ضمن نظام أمني إقليمي يسمح لأميركا بتخفيف الوجود العسكري والالتزامات في الشرق الأوسط، لكن الرهان فشل والظروف تغيرت. غزو روسيا لأوكرانيا أحدث أكبر تبدل في الاهتمامات والاستراتيجيات في أوروبا والعالم، بحيث وجدت أميركا نفسها مضطرة إلى تحويل معظم الموارد لدعم أوكرانيا، إلى جانب الصراع مع الصين والتحديات في موضوع تايوان. واندفاع الإخوان المسلمين أوقفته القوى الوطنية في تونس والثورة الوطنية بقيادة الجيش في مصر والدخول العسكري الروسي في حرب سوريا إلى جانب دمشق. ولا مجال أمام بايدن لتكرار رهان أوباما، ولو أراد ذلك. وهو يعلن أنه على العكس، يريد البقاء في الشرق الأوسط وعودة أميركا إلى القيادة العالمية.

والامتحان الصعب لأميركا والتزاماتها تجاه الحلفاء والأصدقاء في الشرق الأوسط يبدأ فور توقيع الاتفاق النووي، وحديث البحث بعد التوقيع في سلوك إيران ومكافحة الإرهاب، لكن الامتحان الأهم أمام الدول العربية الأساسية التي عليها العمل استراتيجياً لمواجهة التمدد الإيراني بصرف النظر عما تفعله أميركا، والتجارب قللت الثقة بصدقية واشنطن.

اندبندت عربي