تحالفات جهادية؟: أبعاد التقارب المُحتمل بين “داعش” والتنظيمات الإرهابية في الصومال

تحالفات جهادية؟: أبعاد التقارب المُحتمل بين “داعش” والتنظيمات الإرهابية في الصومال

بعد أن سيطر تنظيم “داعش” على مناطق عديدة في كل من العراق وسوريا، بدأ يسعى، خلال الفترة الأخيرة، إلى تأسيس علاقات قوية مع تنظيمات إرهابية أخرى بهدف تكوين تحالفات جهادية تدعم جهوده من أجل الانتشار في مناطق جديدة، لكن اللافت في هذا السياق هو أن التنظيم بدأ يركز على التنظيمات القريبة من الممرات الملاحية على غرار حركة “شباب المجاهدين” في الصومال، وهو ما يُعد بمثابة التحول الأكثر خطورة للتهديدات النابعة من التوسعات الإقليمية للتنظيم.

مؤشرات التقارب:

تكشف مراجعة التحولات الراهنة في خريطة التمدد الإقليمي لـ”داعش” عن مدى الانتشار الذي تمكن التنظيم من تحقيقه، خاصة في ظل إعلان جماعات إرهابية متعددة مبايعتها له على غرار جماعة “جند الخلافة في أرض الجزائر” و”كتيبة عقبة بن نافع” وتنظيم “أنصار الشريعة” في تونس و”مجلس شورى شباب الإسلام” في ليبيا الذي أعلن قيام إمارة إسلامية في مدينة درنة.

وفي هذا الصدد، ربما يفرض أى تحالف محتمل بين “داعش” وحركة “شباب المجاهدين” في الصومال تداعيات سلبية عديدة أهمها تهديد حركة الملاحة الدولية، في ظل وجود بيئة مواتية لانتشار التنظيمات الإرهابية في الصومال، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى عدة مؤشرات داعمة لتشكل هذا التحالف المحتمل، أهمها ما يلي:

1-تدفقات المقاتلين: كشفت تقارير عديدة عن وجود ما لا يقل عن 68 مقاتلا صوماليًّا يتصدرون خلايا ووحدات تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، حيث تزايدت تدفقات المقاتلين الصوماليين على “داعش” في الآونة الأخيرة عقب الحصار العسكري المفروض على معاقل الحركة في الصومال.

2-تصعيد القيادات: انضمت بعض قيادات حركة “شباب المجاهدين” إلى صفوف “داعش”، وشاركت في العمليات القتالية للتنظيم في سوريا والعراق، وهو ما دفع الأخير إلى تصعيد تلك القيادات لتحتل مكانها في التنظيم على غرار القيادي أبو أيوب الصومالي الذي أعلنت قوات الشرطة في محافظة ديالي العراقية، في منتصف يونيو 2014، نجاحها في القضاء عليه في عملية عسكرية في أطراف مدينة بعقوبة، حيث وصفت السلطات الأمنية العراقية تلك العملية العسكرية بكونها إحدى أهم عمليات استهداف القيادات المركزية لـ”داعش”.

3-الدعم الأيديولوجي: على الرغم من إعلان حركة “شباب المجاهدين” وتنظيم “المحاكم الإسلامية” في الصومال تبعيتهما العقائدية لتنظيم “القاعدة” بقيادة أيمن الظواهري، إلا أن بعض الجماعات الإسلامية في الصومال أعلنت عن تأييدها لنهج تنظيم “داعش” في مواجهة المخالفين، وفي هذا الصدد أشارت اتجاهات عديدة إلى أنه على نقيض حالة العداء المستحكم بين “القاعدة” و”داعش”، أعلن أحمد عبدي جودان زعيم الحركة الذي تم اغتياله من جانب القوات الأمريكية في مطلع سبتمبر 2014، في أحد خطاباته المسجلة، تأييده لمنهج تنظيم “داعش” في مواجهة من أطلق عليهم “غير المؤمنين” معلنًا دعمه لتأسيس دولة إسلامية في العراق وسوريا، وعقب اغتيال جودني، دعا تنظيم “داعش” قيادات الحركة إلى الدفاع عن حدود الدولة الإسلامية، مما يعكس وجود توافق أيديولوجي بين التنظيمين.

4-محاكاة التمويل: اتجهت الحركة للإفادة من نهج تنظيم “داعش” في الاعتماد على التمويل الذاتي، خاصة عقب تضاؤل الموارد المالية لتنظيم “القاعدة”، وتشديد الإجراءات الأمنية على التدفقات المالية العابرة للحدود، حيث كشف تقرير لصحيفة “فايننشيال تايمز”، في منتصف يونيو 2014، عن أن الحركة نجحت في تعزيز استقلالها المالي عن “القاعدة” بالاعتماد على عمليات الاختطاف والقرصنة وتصدير الفحم إلى دول الجوار.

وفي السياق ذاته، كشف تقرير مجموعة المراقبة الصومالية الإريترية التي تشرف على الالتزام بعقوبات الأمم المتحدة، الصادر في منتصف أكتوبر 2014، أن الحركة، بالتعاون مع القبائل في جنوب الصومال، زادت من تصديرها للفحم عبر موانئ كسمايو وبراوي، حيث رصد التقرير تصدير حوالي 161 شحنة من الفحم من الصومال بصورة غير شرعية.

دوافع التحالف:

من المرجح أن يكتسب التحالف بين “داعش” والجماعات الجهادية في الصومال زخمًا متصاعدًا في الفترة المقبلة، في ظل إحكام الحصار من جانب القوات الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي على مناطق تمركز حركة “شباب المجاهدين” وتنظيم “المحاكم الإسلامية” في الصومال من جهة، وتصاعد الهجمات الجوية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق وسوريا من جهة أخرى، وفي هذا الإطار يُمكن الإشارة إلى عدة دوافع رئيسية لتعزيز التحالف بين الطرفين تتمثل في:

1-الاحتواء المضاد: تتشابه أهداف كلٍّ من تنظيم “داعش” وحركة “شباب المجاهدين” في سعيهما لكسر الحصار الدولي المفروض عليهما من خلال إيجاد منافذ ومساحات جديدة للحركة بعيدة عن مناطق التمركز المحورية للتنظيمين، خاصة عقب سيطرة القوات الحكومية الصومالية بدعم قوات الاتحاد الإفريقي على ميناء براوي وكافة المدن المركزية في جنوب الصومال في مطلع أكتوبر 2014، وانسحاب عناصر الحركة إلى المناطق الطرفية والريفية تمهيدًا للعودة لتكتيكات حروب العصابات في مواجهة القوات الصومالية والإثيوبية، بالتزامن مع الضربات العسكرية التي يوجهها التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق وسوريا.

2-تغير القيادة: أدى اغتيال زعيم الحركة أحمد عبدي جودان، في مطلع سبتمبر 2014، إلى تغير هيكل القيادة في التنظيم بتولي أحمد عمر أبو عبيدة إمارة الحركة، ووفقًا لتقرير نشرته مجلة “إيكونوميست”، في 9 أكتوبر 2014، فإن أبو عبيدة يُعد من القيادات الداعمة للتحالف المرن بين الحركة والتنظيمات العابرة للإقليم، وعدم التقيد بالتبعية العقائدية لتنظيم “القاعدة”، وهو ما يرتبط بسعي أبو عبيدة، خلال عمله كمستشار للزعيم السابق للتنظيم، إلى تعزيز الروابط بين الحركة والجماعات الجهادية في كينيا وتنظيم “أنصار الشريعة” في اليمن، ولعل قيام بعض خلايا الحركة في كينيا باختطاف 5 تجار كينيين، في منتصف أكتوبر 2014، ردًّا على اغتيال جودان، يؤكد مدى اهتمام قيادة التنظيم بالنشاط العابر للحدود، وتدعيم شبكات الترابط بين التنظيم والجماعات والتنظيمات في مختلف أرجاء الإقليم.

3-تكثيف العمليات: تسعى حركة “الشباب” للإفادة من خبرات “داعش” في تكثيف عملياتها العسكرية ضد القوات الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي، فعلى الرغم من نجاح الحركة في تنفيذ عمليات نوعية على غرار الهجوم على مركز “ويست جيت” التجاري في كينيا في سبتمبر 2013، والذي أسفر عن مقتل 67 شخصًا، إلا أن نشاط التنظيم قد تعرض للانحسار والتراجع عقب تصاعد العمليات العسكرية للقوات الصومالية والإثيوبية المدعومة دوليًّا، والتي أسفرت عن انسحاب التنظيم من مناطق تمركزه في محيط العاصمة الصومالية وجنوب ووسط الصومال، وفي هذا الصدد يمكن اعتبار موجة تصاعد الهجمات التي نفذها التنظيم في الآونة الأخيرة بمثابة محاولة لمحاكاة نموذج “داعش”، حيث استهدفت التفجيراتُ الانتحارية التي نفذها محيطَ القصر الرئاسي والبرلمان ومركز العاصمة منذ مطلع أكتوبر 2014، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى، فضلا عن قصف التنظيم لموقع هبوط طائرة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لتفقد القوات الصومالية عقب السيطرة على ميناء براوي الاستراتيجي في 11 أكتوبر 2014.

4-تدفقات السلاح: تُعد الصومال بمثابة أهم مصادر السلاح للتنظيمات الإرهابية في دول الإقليم، في ظل نجاح التنظيمات الإرهابية وأمراء الحرب، في تأمين مصادر مستديمة للسلاح. وفي هذا الإطار كشف تقرير لمجموعة مراقبة الصومال وإريتريا التابعة للأمم المتحدة، في أكتوبر 2014، عن تورط بعض مساعدي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في تهريب أسلحة تخص القوات الصومالية لحركة “شباب المجاهدين”، واتهم التقرير رجل الأعمال الصومالي موسى حاجي جانجاب الذي عمل مستشارًا للرئيس بالقيام بعمليات تهريب للأسلحة التي تقدمها الأطراف الدولية لدعم القدرات العسكرية للقوات الحكومية الصومالية، لصالح الحركة وأمراء الحرب والقيادات القبلية في الصومال، ومن ثم قد يعتمد تنظيم “داعش” على الصومال في توفير احتياجات خلاياه، سواء في سوريا والعراق أو في شمال إفريقيا واليمن، من السلاح في حالة تشديد الحصار الدولي المفروض على تدفقات السلاح العابرة للإقليم.

5-استهداف التجارة الدولية: من المرجح أن يؤدي التحالف بين “داعش” وحركة “الشباب الصومالية” إلى تصعيد التهديدات لحركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز وخليج عدن والبحر الأحمر كإحدى أدوات تخفيف الضغوط الدولية على مناطق تمركز “داعش” في سوريا والعراق، فضلا عن سعى الأخير للإفادة من الموقع الجيواستراتيجي للصومال في نقل هجماته إلى مناطق أخرى عبر البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي.

وإجمالا، يمكن القول إن ثمة مؤشرات عديدة تدعم من احتمالات اتجاه بعض التنظيمات الجهادية في الصومال، وفي مقدمتها حركة “شباب المجاهدين”، إلى تعزيز علاقاتها مع تنظيم “داعش”، سواء من خلال مبايعة التنظيم وقياداته، أو عبر التنسيق بين الطرفين للتغلب على الحصار الإقليمي الذي يتعرضان له، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات سلبية ليست هينة على أمن ومصالح دول المنطقة.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

http://goo.gl/dgdyXO

كلمات مفتاحية : الارهاب ،التنظيمات الارهابية ،داعش،الصومال،العراق ،وسوريا،العمليات العسكرية،الامم المتحدة،الضغوط الدولية.