أعلنت تركيا وإسرائيل مؤخرًا أنهما اتفقتا على إصلاح العلاقات بينهما التي ظلت هشة على مدى عقد من الزمان. وكتب ستيفن أ. كوك مقالاً عن التقارب الأخير بين البلدين، نشره مؤخراً “مجلس العلاقات الخارجية”، وهو منظمة فكرية أميركية. في ما يلي نص هذا المقال:
يأتي إعلان 17 آب (أغسطس) عن قيام إسرائيل وتركيا بتطبيع العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بينهما بعد وقت قصير من قيام تركيا بتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد قررت الحكومة التركية أن وقف التصعيد مع إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى يخدم مصالحها بشكل أفضل، خاصة وأنها تواجه مشاكل اقتصادية في الداخل وتركز على مخاوف الأمن القومي الأساسية، مثل القومية الكردية والعلاقات مع قبرص واليونان.
تحسين العلاقات الإسرائيلية التركية هو تغيير مهم. على مدى السنوات العشر الماضية، كانت العلاقات مشحونة. كانت القضية الأساسية هي نهج إسرائيل تجاه الأراضي الفلسطينية؛ وعلى وجه التحديد، سياساتها تجاه قطاع غزة، التي تشمل حصارًا إسرائيليًا-مصريًا طويل الأمد للمنطقة وتدخلات عسكرية إسرائيلية دورية فيها. ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا داعماً لحركة حماس، الجماعة المسلحة التي تحكم غزة. وفي العام 2018، خفضت تركيا مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وطردت السفير الإسرائيلي من أنقرة بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية 60 فلسطينيًا على حدود غزة خلال احتجاج على نقل إدارة دونالد ترامب سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. وفي الرد على ذلك، طرد الإسرائيليون السفير التركي.
بالنسبة لإسرائيل، كان من المهم دائمًا إقامة علاقات مع دول غير عربية في الشرق الأوسط وحوله. كما أن تركيا مهمة أيضًا للأمن القومي الإسرائيلي. ومن بين أمور أخرى، تسمح العلاقات معها بمراقبة المخابرات الإسرائيلية لإيران عن كثب. وإضافة إلى ذلك، يأمل الإسرائيليون في أن يؤدي تحسن العلاقات مع تركيا إلى الضغط على حماس، التي أقامت وجودًا لها في إسطنبول وكانت تدير عمليات من تركيا خلال العقد الماضي.
وفي المقابل، تبدو أنقرة أقل اهتمامًا بإسرائيل في حد ذاتها من اهتمامها بكيفية استئناف العلاقات الدبلوماسية معها من أجل تحسين وضعها في واشنطن. وتعتقد الحكومة التركية أن الجماعات الموالية لإسرائيل ومنظمات الدعوة اليهودية ستساعد تركيا في “الكابيتول هيل” فيما يتعلق ببيع مقاتلات “إف-16” الأميركية إلى تركيا وقضايا أخرى من الاستيراد لأنقرة. وليس هذا حدثاً غير مسبوق. خلال أواخر التسعينيات، وجدت العلاقات الأمنية القوية بين إسرائيل وتركيا الكثير من الدعم في واشنطن، بما في ذلك بين الجماعات المؤيدة لإسرائيل وقادة الجالية اليهودية الأميركية.
من أهم العوامل التي تدفع إلى التقارب بين البلدين مسألة الغاز الطبيعي، الذي اكتشفته إسرائيل قبالة سواحلها في العام 2010. ومن بين الأماكن التي ترغب إسرائيل في بيع هذا الغاز فيها أوروبا. والطريقة الأكثر جدوى اقتصاديًا لإيصال الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا هي عبر تركيا. ومن المحتمل أن يحقق كلا البلدين مكاسب اقتصادية ودبلوماسية من ذلك ويجب أن يلعبا دورًا في تقليل اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة.
بعد عقد من السياسات والخطابات العدوانية التي لا داعي لها تجاه مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الموقف الإقليمي لتركيا قد وصل إلى حدوده القصوى: كانت أنقرة معزولة ولديها القليل من الإنجازات، إن وجدت، لتبرير نهجها.
تباينت التوترات التي تسببت بها تركيا مع مصر والسعودية والإمارات، لكن الاحتكاك استند إلى اتهامات تركية بأن هذه الدول العربية كانت مصادر عدم استقرار إقليمي. وردت القيادات المصرية والسعودية والإماراتية بأنها ليست سياساتهم، بل سياسات أردوغان هي التي تزرع العداء الإقليمي. وخلال هذه الفترة من التوتر المتصاعد، حسنت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية ورفعت مستوى تعاونها الأمني مع قبرص واليونان -خصوم تركيا في شرق البحر المتوسط. وفي غضون ذلك، أصبحت تركيا شريكًا استراتيجيًا لقطر وأقامت وجودًا عسكريًا لها في تلك الدولة الخليجية، التي كانت بين العامين 2017 و2021 تحت حصار فرضته عليها كل من البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
والآن، مع مواجهة الرئيس أردوغان استحقاق الانتخابات في النصف الثاني من العام 2023، يسعى إلى تحسين العلاقات مع خصومه السابقين على أمل أن يساعد ذلك على تحسين الاقتصاد التركي المتعثر من خلال الاستثمار ومقايضة العملات؛ وتوليد النوايا الحسنة لأنقرة في واشنطن؛ وتحسين موقع تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط.
خلال سنوات التوتر بين إسرائيل وتركيا، تحسنت علاقات إسرائيل مع قبرص واليونان بشكل كبير. وتم تعميق التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والأمني. وزادت السياحة بسرعة حيث تخلى الإسرائيليون عن زيارة ساحل البحر المتوسط التركي لصالح قبرص والجزر اليونانية. وتدرب الجيش الإسرائيلي مع نظرائه القبارصة واليونانيين. وأصبحت قبرص زبوناً لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”.
سوف يحتاج الإسرائيليون الآن إلى موازنة الفوائد الجيوستراتيجية والاقتصادية المحتملة للتعاون مع تركيا بالموازاة مع علاقاتهم المتطورة جيدًا مع أثينا ونيقوسيا. وقد سعى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي لعب دورًا رائدًا في التقارب بين إسرائيل وتركيا، إلى طمأنة قبرص واليونان بأن إسرائيل ما تزال ملتزمة بالتقدم الذي أحرزته مع هذين البلدين. وهذه رسالة مهمة لأنه مع خفض تركيا للتصعيد مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والآن إسرائيل -ما تزال مصر معارضة- أصبحت أنقرة أكثر عدوانية في بحر إيجه، حيث زادت من تمحليق طائراتها العسكرية وتوغلاتها في الأراضي اليونانية مع استمرارها في تشكيل تهديد لجمهورية قبرص. ولدى تركيا أكثر من ثلاثين ألف جندي منتشرين في جمهورية شمال قبرص التركية، وهي كيان على حدود قبرص لا تعترف به سوى تركيا.
- الغد