يطرح تنحي المرجع الشيعي آية الله كاظم الحائري عن المرجعية، وطلبه من مقلديه اتّباع المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، تساؤلات عديدة بشأن مستقبل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ومدى إمكانية تجاوزه هذه العقبة الشرعية.
ولدى الصدر، الذي استمد غطاءه الشرعي من الحائري، مئات الآلاف من الاتباع الذين يقلد كثيرون منهم المرجع الديني المقيم في إيران، الذي كان أحد تلامذة والد مقتدى السيد محمد صادق الصدر.
على الرغم من أن كثيرا من المراقبين اعتبروا خطوة الحائري ضربة لشرعية الصدر، رأى آخرون أن زعيم التيار الصدري سيتمكن من امتصاصها بسرعة في ظل المعايير المرنة التي تضمنها المذهب الشيعي في مسألة “تقليد” المرجع.
يتمتع الصدر، المولود مطلع السبعينيات، بشعبية هائلة في أوساط فقراء الشيعة وخصوصا في مدينة الصدر، ذات الكثافة السكانية العالية.
وقد ورث مقتدى الصدر هذه الشعبية عن والده، المرجع محمد صادق الصدر، الذي قتله النظام السابق عام 1999 مع اثنين من أبنائه.
وقبل أن يُقتل محمد الصدر “أرشد” اتباعه بإمكانية اتباع المرجع الحائري، وهو بالفعل ما قام به مقتدى الصدر وكثيرون من اتباعه.
ورغم الاختلافات الكثيرة بين مقتدى الصدر والحائري، التي برزت خلال السنوات الماضية، أبدى زعيم التيار الصدري التزامه علنا بجزء من تعليمات الحائري عندما ذكر، الثلاثاء، أنه “اعتزل” السياسة بناءا على تعليمات “المرجع”.
لم يكشف الصدر في تصريحاته هوية هذا “المرجع”، لكن وزيره صالح محمد العراقي ذكر بعدها أن الصدر كان يقصد الحائري.
شروط “التقليد”
يشرح مدير “مبادرة العراق” في المجلس الأطلسي، عباس كاظم، الآليات التي وضعها المذهب الشيعي لمعتنقيه من أجل التقليد.
في البداية يقول كاظم لموقع “الحرة” إنه “ليس من المألوف أن يلزم المرجع اتباعه بأن يقلدوا مرجعا آخر بعينه، لأن مسألة التقليد تعود أساسا للفرد”.
ويضيف كاظم أن “التقليد يبدأ عندما يختار شخص مرجعا يعتبره هو الأعلم الحي ثم يقلده، ولا يمكن أن تأتي التعليمات له من فوق وإنما يتخذ القرار على المستوى الفردي”.
تنطبق هذه المعايير على الأشخاص الذين يقلدون مرجعا دينيا للمرة الأولى في حياتهم.
“ثم بعدها في حالة وفاة المرجع أو في حالة تنحيه كما حصل مع الحائري، فيمكن للفرد أن يبقى على تقليد نفس المرجع، ويتبع مرجعا آخر في المسائل المستحدثة”، وفقا لكاظم.
وفي حالة الحائري الذي أوصى اتباعه بتقليد خامنئي، يقول عباس إن هذه الخطوة “ولدت ميتة”، مشيرا إلى أنه “ليس من التقليد الشيعي أن المرجع يسلم اتباعه كالإرث لمرجع آخر”.
هذا من الناحية الدينية والشرعية، أما سياسيا فالمعروف أن الصدر طرح خلال الأشهر الماضية فكرة مواجهة النفوذ الإيراني في العراق، وعاب على خصومه الشيعة ولاءهم لطهران. بالتالي فإن فكرة التزام الصدر أو اتباعه في تقليد المرشد الإيراني علي خامنئي، كما طلب الحائري، تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع.
يبين كاظم أن “مسألة تقليد خامنئي ستبقى إشكالية بالنسبة للصدريين، وبالتالي يجب أن يذهبوا لمرجع آخر”.
ويضيف أن هذه الخطوة “غير عملية ولا واقعية وغير ممكنة سياسيا لأن الصدريين سينسفون بذلك كل شرعيتهم السياسية”.
يرى كاظم أنه “لا يمكن للصدريين الذين ينادون بإخراج إيران من العراق والحد من نفوذها، واتهام الآخرين بالولاء لإيران، أن يتحولوا لولائيين هم أنفسهم. سيرتكبون بذلك انتحارا جماعيا”.
خيارات الصدريين
كحركة دينية تعمل في السياسة، يحتاج الصدريون لغطاء ديني “وهذا أساسي لشرعيتهم”، وفقا للمحلل السياسي العراقي عقيل عباس.
ليس هناك خيارات كثيرة متعددة للصدريين في الوقت الحالي، لكن مع ذلك هناك شخصيات يمكن أن يتوجه لها أنصار الصدر للحصول على هذا الغطاء.
يقول عباس لموقع “الحرة” إن الخيار الأبرز هو المرجع الديني قاسم الطائي الذي قد تساعد الظروف الحالية على إبرازه من جديد”.
والطائي أحد المقربين من المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، وكان أصدر بيانا بعد تنحي الحائري طلب فيه من أتباع المرجع الشيعي المعتزل اتباعه.
وأيضا يمكن للصدرين تقليد أحد تلاميذ محمد صادق الصدر، ممن وصلوا لدرجة الاجتهاد، أو طلبة المرجع الشيعي محمد باقر الصدر، الذي أعدم على يد رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين مطلع الثمانينيات، وفقا لعباس كاظم.
ويضيف “في الحالة الثانية ستكون خيارات الصدريين أوسع، على اعتبار أن هناك عددا كبيرا من المراجع ممن تتلمذوا على يد محمد باقر الصدر”.
مستقبل الصدر
ورغم إعلان الصدر “اعتزاله النهائي” العمل السياسي، ليس من المستبعد أن يعود قريبا إلى الساحة السياسية في العراق بمجرد الحصول على “الغطاء الشرعي”.
يقول عقيل عباس إن “الصدريين سيحلون مشكلة الشرعية الدينية لتيارهم قريبا من خلال اختيار مرجع ديني معين لتقليده”.
ويضيف “في تلك اللحظة سيعلن عن عودة الصدر للعمل السياسي. بما أنهم كحركة يقلدون مرجعا معينا، فإن مرجعهم الجديد من الممكن بسهولة أن يقول للصدر أنك ستقود التيار وتتصدى سياسيا وبالتالي يستطيع العودة”.
ويتابع أن “حركة الصدر دينية في المقام الأول، وبالتالي تحتاج الغطاء الشرعي لممارسة السياسة، وهي إشكالية موجودة لدى كل القوى الشيعية الدينية”.
ويرى أن “الحائري عندما اقترح خامنئي، كان يريد أن يحول الصدريين لولاية الفقيه”، مشيرا إلى أن “الصدريين سيجدون بالتأكيد مرجعا آخر يأخذون منه الأذن الشرعي”.
ويبين أن “المرجع الديني لا يريد أن يقود سياسيا، وبالتالي يفوض المسائل لمقتدى الصدر، ولن يدخل بنزاع معه”.
كذلك يلفت عقيل عباس إلى أن “الصدر لا يريد مرجعا دينيا مسيطرا على الحركة، وإنما هو يريد مرجعا يعطيه الأذن الشرعي ويتشاور معه في بعض القضايا العادية، وعدا ذلك باقي الأمور السياسية بيد الصدر”.
كذلك يرى عباس كاظم أنه “في الجانب السياسي، الحركة الصدرية لا تتبع مرجعا معينا حتى في زمن الحائري، لإن مقتدى الصدر كان هو الأوحد”.
ويؤكد كاظم أن الصدريين يقفون أينما يقف الصدر، سواء من اقتنع منهم أو لم يقتنع”، مشيرا إلى أن “الصدريين يسيرون في كتلة واحدة أشبه بالقطعة العسكرية في الاستعراض، فصوت الجماعة لن يختلف أبدا عن صوت القائد المتمثل بمقتدى الصدر”.
الحرة