تظهر المطاردة الأخيرة التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية على سوريا أمس تطوّرا في مسار المسلسل البشع الذي تشكله هجمات تل أبيب على الأراضي السورية، التي جعلها التكرار المستمر خبرا معتادا، من جهة، وردود مسؤولي النظام السوري على تلك الغارات التي باتت مثارا لسخرية السوريين والعالم، من جهة أخرى.
استهدف الهجوم الإسرائيلي الأخير مدرجا للطيران في مطار حلب الدولي ومستودعات في محيطه، وذلك لمنع هبوط طائرة شحن تابعة لشركة «ماهان إير» الإيرانية، وحين لم تتمكن طائرة الشحن من الهبوط واتجهت إلى مطار دمشق لاحقتها ضربات صاروخية هناك، وهو ما يعني أن الأجواء السورية صارت مستباحة بالكامل، وأن دولة الاحتلال الصهيوني قادرة على مطاردة هدفها في مطار سوري ثم استكمال المطاردة في مطار آخر.
من الصعب، في هذا المسلسل، التأكد من درجة مصداقية وكالة أنباء النظام السوري التي قالت إن الدفاعات الجوية التابعة للجيش تصدت للهجوم الإسرائيلي في سماء دمشق وريفها وأنها «تمكنت من إسقاط عدد منها» لكن هذه المصداقية ستختفي تماما حين نسمع تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي علّق بالقول إن «إسرائيل تلعب بالنار» وكأن هذا الهجوم الأول لتل أبيب، وأن البلاد لم تتعرض لغارات قبل أيام فقط في طرطوس وحماه.
التغيّر إذن لم يكن في الجعجعة الكلامية لمسؤولي النظام السوري، ولا في الانعدام الكامل للرد على دولة الاحتلال. التغير هو في كون الضربات الإسرائيلية صارت أكثر شراسة وباتت تستهدف مطارات مدنية، وهي أهداف كانت محظورة نسبيا، ومن ذلك قصفها مطار دمشق الدولي قبل ثلاثة أشهر مما أخرج المطار الدولي عن الخدمة لأكثر من أسبوعين، وها هي تستهدف مطار حلب الذي كان المحطة الرديفة للملاحة الجوية في سوريا.
تزامن الهجوم مع بيان قدّمه أمس الخميس غير بيدرسون، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، طلبته لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، قال فيه إن سوريا هي أحد البلدان التي يوجد فيها أكبر عدد من الأشخاص المعتقلين والمختطفين والمفقودين في العالم، وأن الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، أطلق تحقيقا «لكشف مصير وتوضيح أماكن وجود الأشخاص المفقودين في الجمهورية العربية السورية، وتحديد هويات أصحاب الرفات وتقديم الدعم للعائلات».
ترتبط الوقائع الآنفة، طبعا، بالصراع الإيراني ـ الإسرائيلي، وكذلك بالوضع الروسي بعد حرب أوكرانيا، وربما صارت الهجمات الإسرائيلية أكثر سهولة مع سحب موسكو بطاريات صواريخ إس 300 من سوريا لشحنها نحو أوكرانيا، لكن الجوهر فيه أن النظام السوري (ومعه السوريون) صار نهبا لقرارات القوى الدولية والإقليمية، وأنه في كل الصراعات التي تجري في أجواء سوريا وأراضيها، لا يبدو مشغولا غير بدوره الوظيفي كنظام استبداد وقهر، انضافت إليه، في الحقبة الأخيرة، كونه لاعبا رئيسيا في مجال صناعة المخدرات وتسويقها في العالم.
ضمن هذه المعادلات الدولية المعقدة، باتت قضية النظام السوري مسألة دولية بدورها، وصار تفكيك هذا النظام الفاقد للشرعية والوطنية والذي لا يستأسد إلا على شعبه، حلما للسوريين، الذين يرفضون هذه الاستباحة لبلادهم من قبل إسرائيل، كما يرفضون استباحتهم من قبل النظام.
القدس العربي