حذرت أوساط سياسية عراقية من أن المواجهة بين ميليشيا سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وميليشيا عصائب أهل الحق التي يرأسها قيس الخزعلي لن تكون عابرة، وأنها بمثابة اختبار قوة بين الصدر والخزعلي الذي سبق أن انشق عن التيار الصدري وخاض معه مواجهات سابقة اتسمت بالعنف والاغتيالات المتبادلة.
وقالت هذه الأوساط إن الصدر إذا استطاع السيطرة على البصرة، وهو ما فشل فيه المرة الماضية بسبب صولة الفرسان، سيكون بوضع أقوى في بغداد، وإن المواجهة في البصرة هدفها وضع اليد وليس اختبار النوايا كما حدث في المنطقة الخضراء ببغداد، مشيرة إلى أهمية البصرة بالنسبة إلى الصدر، حيث يريد أن يبدو كطرف قوي ومؤثر في أهم المدن العراقية في رسالة إلى خصومه بأن لا حل سياسيا في العراق لا يراعي وزنه ودوره.
وقال صالح محمد العراقي المتحدث باسم التيار الصدري، في بيان صحافي، “أحذرك يا قيس إذا لم تكبح جماح ميليشياتك الوقحة وإذا لم تتبرأ من القتلة والمجرمين التابعين لك أو تثبت أنهم لا ينتمون إليك فأنت أيضا وقح”.
الصدر إذا استطاع السيطرة على البصرة، وهو ما فشل فيه سابقا بسبب صولة الفرسان، سيكون بوضع أقوى في بغداد
وأضاف “كفاك استهتارا بدماء الشعب، فإن أعطيت لنفسك الولاية بقتل أتباع الصدر فلا يعني أنك تنصّب نفسك جلادا لكي تغتال كلابك المسعورة الأسود، والحشد براء منك أيها الوقح”.
واندلعت اشتباكات بين سرايا السلام والعصائب في مدينة البصرة الليلة قبل الماضية واستمرت حتى صباح الخميس، حيث هاجم مسلحون بنايات حكومية في البصرة توجد بها قوات أمنية وجماعات شبه عسكرية لها صلات بإيران.
ولم يتمكن المسؤولون من التعرف بعد على المسلحين الذين أطلقوا النار على البنايات الحكومية لكنهم قالوا إنهم يعتقدون أنهم من أنصار الصدر.
وقال قيس الخزعلي، زعيم جماعة تدعمها إيران وهي من الجماعات الشيعية الأساسية المتنافسة مع الصدر، في بيان إنه أمر بإغلاق كل مكاتب الجماعة وحث أنصاره على عدم الرد إذا هوجموا.
وفي مدينة الناصرية جنوب العراق داهم أتباع الصدر مقرات في المدينة لجماعات شبه عسكرية لها صلات بإيران واستولوا على سيارات وأسلحة، وذلك وفقا لما ذكره أتباع للصدر ومسؤولون أمنيون متحالفون مع إيران في المدينة.
ويعود تاريخ الخلافات بين الفصيلين إلى سنوات طويلة منذ انشقاق الخزعلي عن التيار الصدري وتأسيسه عصائب أهل الحق عام 2006 والتحاقه بالميليشيات الحليفة لإيران.
وفي فبراير الماضي شهدت محافظة ميسان جنوب العراق اغتيالات متبادلة بين الفصيلين إثر اغتيال القيادي في سرايا السلام كرار أبورغيف من قبل مجهولين. وجاء هذا الاغتيال بعد مقتل ضابط بوزارة الداخلية شقيق لقيادي في العصائب.
ويعتقد مراقبون أن نقل المعارك إلى البصرة كان الهدف منه الابتعاد عن الضغوط التي تعرض لها أنصار التيار في بغداد بسبب اعتصامهم في المنطقة الخضراء ومحاصرة المؤسسات الحكومية والقضائية والتشريعية، وهو أمر لم يكن ليستمر طويلا سواء بالنسبة إلى الدولة العراقية التي كانت ستضطر إلى الدفع بالجيش والقوات الأمنية لإخلاء هذه المناطق، أو بالنسبة إلى الإطار التنسيقي الذي كان سيستثمر الوضع لينفذ حملة على الصدريين للتخلص منهم.
الصدر يعمل على إظهار قوته دون أن يتحدى لاءات إيران التي ترفض أيّ محاولة لتشتيت الشيعة، ولا تريد شيعة عربا وآخرين ولائيين
ويشير المراقبون إلى أن الصدريين يمكنهم استعراض قوتهم بعيدا عن بغداد، وهو ما يوفر فرصة خاصة لإظهار أن زعيمهم لديه شعبية كبيرة ومن المهم الاستجابة لمطالبه لاسيما ما تعلق بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ومنع تشكيل حكومة جديدة يرأسها محمد شياع السوداني المدعوم من الإطار وإيران.
وقال الباحث في مؤسسة “تشاتام هاوس” البريطانية ريناد منصور لوكالة فرانس برس إن “الصدر يتطلع لأن يصبح أقوى فاعل سياسي شيعي في العراق”.
وأضاف “ذلك هو طموحه ويتطلب تحقيقه جزئيا عدم الاكتفاء بزعزعة النظام السياسي في ذاته، بل كذلك البيت الشيعي وإعادة ترتيبه ليكون هو في محوره”.
ويعمل الصدر على إظهار قوته دون أن يتحدى لاءات إيران التي ترفض أيّ محاولة لتشتيت الشيعة، ولا تريد شيعة عربا وآخرين ولائيين، وأن عليه أن يقبل بالحوار مع الإطار التنسيقي وقياداته وينسى خلافاته القديمة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي طالما أن ذلك في خدمة شيعة العراق. لكن الرسالة الإيرانية الأكثر تأثيرا كانت التأكيد على أن طهران لديها الاستعداد لقتل الصدريين إذا كان ذلك حلا للانشقاق المحتدّ، وهو ما بدا واضحا في مواجهات الاثنين حيث كان أكثر القتلى من أنصار الصدر في الاشتباكات بالمنطقة الخضراء.
ولفت ريناد منصور إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي يرسل فيها متظاهرين ثم يطلب منهم الانسحاب”، مقدّرا أن “غايته النهائية هي أن يصبح القوة السياسية الشيعية الرئيسية في العراق”.
ويرى الأستاذ في جامعة كوبنهاغن فنار حداد أن الصدر أجرى سلسلة من المناورات الفاشلة “لتكريس هيمنته داخل النظام السياسي وإزاحة منافسيه”.
صحيفة العرب