موسكو تشهر ورقة الغاز في مواجهة تسقيف غربي لأسعار النفط الروسي

موسكو تشهر ورقة الغاز في مواجهة تسقيف غربي لأسعار النفط الروسي

موسكو/برلين – أشهرت موسكو اليوم الجمعة ورقة الغاز في مواجهة عقوبات غربية مشددة تستهدف قطاع الطاقة الروسي أحدثها دعوة مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة (الجمعة) إلى وضع سقف لسعر النفط والغاز الروسيين.

وأعلنت مجموعة “غازبروم” الروسية توقف عمل خط أنابيب ‘نورد ستريم’ الذي يعتبر الشريان الحيوي لإمداد أوروبا بالغاز “بالكامل”، حتى انتهاء إصلاح توربين فيه، بعدما كان من المقرر أن يعاود العمل غدا السبت إثر عملية الصيانة.

ويتهم الأوروبيون الكرملين باستخدام الغاز وسيلة ضغط عليهم بسبب اعتمادهم الكبير على مصدر الطاقة من روسيا، غير أن موسكو تنفي ذلك مشيرة إلى مشكلات فنية ناتجة عن العقوبات أو تأخير في تسديد المستحقات.

وأفادت غازبروم في بيان أنها اكتشفت “تسرب زيت” في التوربين خلال عملية الصيانة وأفادت بأنه “حتى إتمام الإصلاح … يعلّق نقل الغاز عبر نورد ستريم بالكامل”، في تبرير شكك فيه الأوروبيون.

وكان من المقرر أن تستأنف روسيا السبت إمدادات الغاز عبر نورد ستريم بعد توقف جديد لثلاثة أيام أثار مخاوف في أوروبا التي تبذل جهودا مكثفة لتفادي أزمة طاقة هذا الشتاء.

ودخلت عدة دول بينها ألمانيا أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على إمدادات الطاقة من روسيا، في سباق ضد الساعة لتأمين بدائل للغاز الروسي قبل شتاء يتوقع محللون اني يكون صعبا بالنسبة لأوروبا.

وأكدت غازبروم الجمعة أنها اكتشفت هذه المشكلات التقنية خلال كشف فني جرى مع ممثلين عن مجموعة سيمنز الألمانية التي صنعت التوربين، معلنة عن “تسرب زيت” في “الأسلاك الموصولة بعدادات السرعة لأحد الدوّارات”. ونشرت على تطبيق تلغرام صورة تظهر أسلاكا محاطة بسائل داكن اللون.

وكان الكرملين أعلن في وقت سابق الجمعة أن عمل خط الأنابيب “مهدد” بفعل انقطاع في قطع التبديل نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد هجومها على أوكرانيا. وردت موسكو على العقوبات بخفض إمدادات الغاز إلى الأوروبيين بشكل حاد.

وتؤكد روسيا خصوصا أن العقوبات تمنعها من استعادة التوربين الذي أرسل إلى كندا لإصلاحه، فيما تؤكد ألمانيا حيث يفترض أن يكون التوربين مثبتا، أن موسكو هي التي تعيق استعادة هذه القطعة الأساسية.

ويأتي القرار الروسي على ما يبدو ردا على تحرك غربي لتشديد الضغوط على موسكو من خلال الحشد لتسقيف سعر النفط والغاز الروسيين.

وفي خطوة تسدد ضربة جديدة لعائدات الطاقة الروسية، قررت دول مجموعة السبع الجمعة فرض سقف “بصورة عاجلة” على أسعار النفط الروسي، وفق آلية يبقى تنفيذها معقدا.

ودعت المجموعة “ائتلافا واسعا” من الدول للانضمام إلى هذا الإجراء الذي تم الاتفاق عليه خلال قمة عبر الإنترنت لوزراء مالية الدول الصناعية الكبرى السبع.

وصرحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين على الفور مشيدة بالقرار “اليوم اجتازت مجموعة السبع محطة أساسية في تحقيق هدفنا المزدوج، وهو ممارسة ضغط تنازلي على أسعار الطاقة في العالم مع حرمان (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين من عائدات لتمويل حربه الوحشية في أوكرانيا”، بينما استبقت روسيا القرار منددة بإجراء “عبثي تماما”.

وحذر الكرملين من أن هذا الإجراء من شأنه أن يهدد استقرار سوق النفط. وحذر نائب رئيس الوزراء الروسي المكلف بمسائل الطاقة ألكسندر نوفاك بأن هذا “التدخل” في السوق النفطية “سيتسبب فقط بزعزعة استقرار الصناعة النفطية، السوق النفطية… وسيكون المستهلكون الأوروبيون والأميركيون أول من يدفع ثمنه”، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية.

وسعت فرنسا العضو في مجموعة السبع، إلى التخفيف من حدة موقف شركائها. وأعلنت وزارة الاقتصاد الفرنسية أن “الأعمال الفنية لا تزال جارية ومن الواضح بالنسبة لنا أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار نهائي قبل التشاور والتوصل إلى رأي بالإجماع بين الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي”.

وأوضح المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني أن الاتحاد الأوروبي حدد هدفا يتمثل بالتوصل إلى هذا الاتفاق “عملا بالجدول الزمني المتفق عليه في إطار الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية” على روسيا، ما يعني في الخامس من ديسمبر القادم بالنسبة لمبيعات النفط الخام و5 فبراير 2023 بالنسبة للمنتجات النفطية. ومن المتوقع أن تكون آلية فرض سقف لأسعار النفط الروسي مسألة معقدة.

وكتبت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وايطاليا والمملكة المتحدة وكندا واليابان في بيانها أن “سقف الأسعار سيحدد عند مستوى يستند إلى سلسلة من البيانات الفنية وسيقرره التحالف بمجمله قبل وضعه موضع التنفيذ”.

وعمليا، ستبيع روسيا نفطها لهذه الدول بسعر أدنى من الذي تعتمده حاليا، غير أنه يبقى أعلى من سعر الإنتاج، حتى تجد فائدة اقتصادية في مواصلة بيعه ولا تقطع بالتالي إمداداتها.

ويكمن التحدي في ضم أكبر عدد ممكن من البلدان إلى هذا الإجراء لأن فرض سقف على أسعار النفط لن يكون مجديا إلا إذا شاركت فيه الدول المستوردة الكبرى برأي الخبراء الذين يشيرون أيضا إلى دور الصين والهند في المسألة.

وصرح مسؤول في الخزانة الأميركية متحدثا إلى صحافيين “نريد أن نواصل تشجيع روسيا على الإنتاج”، مضيفا “نعتقد أنه إذا باتت الصين والهند في موقع يسمح لهما بالتفاوض على أسعار أدنى مع روسيا بسبب تحديد سقف للأسعار، بسبب الضغوط المفروضة، نكون حققنا هدفنا”.

وفي هذا السياق، ستشكل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في 15 و16 نوفمبر القادم في بالي موعدا مفصليا في تحقيق هذا التوافق.

وباشر قادة دول مجموعة السبع بدفع من واشنطن في نهاية يونيو البحث في مسألة وضع الآليات المعقدة لفرض سقف على أسعار النفط الروسي، في إجراء يقوم على منع شركات التأمين وإعادة التأمين من تغطية النقل البحري للنفط الروسي.

وأوضحت يلين عبر شبكة “إم إس إن بي سي” أن “مشتريات النفط الروسي لن تحظى بهذه الخدمات التي لا بدّ منها لنقل النفط بحرا، إلا إذا بيع النفط دون سقف السعر”، مضيفة أن 90 بالمئة من هذه الخدمات تؤمنها شركات أوروبية أو بريطانية.

وأكدت يلين أن مثل هذه الآلية ستكون لها انعكاسات حقيقية على الاقتصاد الروسي. وقالت “بدأنا نرى تأثير وضع سقف للأسعار من خلال محاولات روسيا المتسرعة للتفاوض على صفقات نفط ثنائية بتخفيضات كبرى في الأسعار”.

غير أن مكتب “كابيتال إيكونوميكس” للدراسات حذر من أن القرار قد تكون له تداعيات جانبية على الاقتصاد العالمي، موضحا في مذكرة أن الآلية “قد تتسبب بزيادة إضافية في أسعار الطاقة في العالم”، مشيرا في المقابل إلى أن “وضع سقف قد يكون مفيدا كذلك في الحد من العائدات الضريبية للحكومة الروسية”.

العرب