مخاوف من عودة عمليات الاغتيال في العراق

مخاوف من عودة عمليات الاغتيال في العراق

تتخوف الأجهزة الأمنية العراقية من تكرار مسلسل الاغتيالات، خصوصاً مع التصعيد الكبير بين فصائلوأحزاب “الإطار التنسيقي” وأنصار التيار الصدري الذي وصل إلى حد الاشتباكات العنيفة في المنطقة الخضراء، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، مما دفع هذه الأجهزة للتحذير من عملية اغتيال جديدة تقوم بها جهات خارجة عن القانون.

هذه المخاوف كشفت عنها وثيقة مسربة تتحدث عن معلومات أمنية تحذر من حصول عمليات اغتيال، والتحذير من قبل الأجهزة الأمنية العراقية لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سلسلة حوادث اغتيال نجحت إحداها في اغتيال القيادي بسرايا السلام في البصرة حسين فؤاد وأخرى في بغداد والنجف وميسان استهدفت أعضاء في فصائل شيعية، لكنها لم تسفر عن ضحايا.

معلومات مهمة

ويبدو أن التحذيرات الأمنية ناجمة بشكل واقعي عن استمرار الشحن بين الطرفين ووجود صفحات على تطبيق “تيليغرام” تكشف عن معلومات مهمة عن أبرز قادة الفصائل الشيعية وأماكن وجودهم وسكن أسرهم وغيرها من المعلومات التي تبين وجود توجه لحدوث عمليات تصفية واسعة في القريب العاجل.

وعلى الرغم من دعوات التهدئة التي تم الحديث في شأنها بين الطرفين، إلا أن التحريض المتبادل والشحن مستمر في أعلى مستوياته، مما يجعل السلطات العراقية متخوفة من تحوله إلى سلسلة كبيرة من عمليات الاغتيال، قد لا يمكن السيطرة على نتائجها من قبل الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية، الأمر الذي يتسبب في تراجع الأمن في أغلب المدن.

ويرى مدير مركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبدالحميد أن المجاميع الخارجة عن القانون لديها القدرة على تنفيد عملياتها بسهولة، لكونها تمتلك السلاح والمال.

وقال عبدالحميد، “الوثيقة إذا كانت سرية فكيف يتم الكشف عنها، وهذا الأمر يشير إلى وجود طبخة سياسية جديدة”، مبيناً أن “الوثيقة إذا صحت، فإن الأشخاص الذين سيتم استهدافهم هم من القيادات السياسية الوسطى الذين لا يملكون أي حراس شخصيين”.

وأوضح أن مثل هذه العمليات حدثت في السابق، واستهدفت القيادات الوسطية وناشطي الاحتجاجات وبعض الأسماء المعروفة بالمحافظات الجنوبية والبصرة وكربلاء، وغيرها، مشيراً إلى أن نتائج التحقيق في شأنها لم تظهر حتى الآن.

عجز أمني

وأكد عبدالحميد أن الأجهزة الأمنية عاجزة عن منع مثل تلك العمليات أو الكشف عن الجناة، خصوصاً أنها حدثت سابقاً عشرات المرات، ولم يتم الكشف عن الجناة، لافتاً إلى أن “جميع أجهزة العالم تكشف عن عمليات التحقيق والجناة لترسل رسالة للعالم أنها متمكنة”.

وتابع، “العراق شهد في السنوات الماضية عديداً من عمليات الاغتيال وتشكيل لجان تحقيق، لكن على أرض الواقع لم نجد أي أثر لهذه اللجان”، مشيراً إلى حادثة اغتيال هاشم الهاشمي التي لم تكشف المحكمة عن الجهات التي مولت هذه العملية على الرغم من مرور عامين على تنفيذها.

وتحدثت الوثيقة الصادرة من قيادة عمليات بغداد/ الرصافة، والتي صنفت بالسرية عن نية المجاميع المسلحة التي وصفتها بالخارجة عن القانون القيام بعمليات اغتيال داخل بغداد بواسطة العجلات التي لا تحمل لوحات مرورية والعجلات المضللة والدراجات النارية التي يستقلها أكثر من شخص.

متوقعة الحدوث

وقال اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي إن هناك كثيراً من اللاعبين في الساحة العراقية مع وجود السلاح المنفلت والفصائل المسلحة، مما يجعل حدوث عمليات الاغتيال أمراً ممكناً.

وأضاف أن “المفهوم العسكري فيه تصنيفات للبرقيات، وهي سري، وسري للغاية، وسري شخصي، ولذلك مثل هذه البرقيات كان الأولى أن يجري تداولها ضمن نطاق المؤسسة العسكرية”، مبيناً أن “هناك في بعض الأحيان برقيات غير صحيحة، ويجب أن يكون هناك ما يسمى أمن المعلومات ضمن أي مؤسسة أمنية وعسكرية واستخباراتية لكون أمن الوثائق ضرورياً”.

وأوضح القيسي أن هذا الأمر يعد خرقاً أمنياً إذا كانت المعلومات أو الوثيقة مسربة، ويجب رصد هذه الأمور من قبل مؤسسات تقوم برصد أي تسريب للمعلومات أو الوثائق، داعياً إلى التحقيق في حال تسريب أي وثيقة ورفع نسبة الوعي لدى جميع أفراد الأجهزة الأمنية وأن تتم مساءلة من يسرب الوثائق.

غايات سياسية 

وتابع أن “بعض السياسيين لديهم غايات من وراء تسريب مثل هذه المعلومات، وقد تنشر هذه الوثائق لأهداف معينة”، مشيراً إلى أن هذا الأمر قد تقوم به الأجهزة الأمنية بشكل متعمد بهدف منع وقوع عمليات اغتيال وإرسال رسالة لمن يحاول أن يقوم بها بأنه مراقب وتحت الأنظار.

وعن المستهدف من العمليات بين القيسي، “هناك السلاح المنفلت والصراع السياسي، وذلك يعتمد على الملف السياسي، وليست غريبة على الوضع العراقي منذ عام 2003 إلى الآن، مؤكداً أن السنوات الماضية شهدت عمليات اغتيال لكثير من السياسيين والصحافيين والناشطين”.

الأجواء مهيأة

ويرى الصحافي باسم الشرع أن الأجواء الحالية مهيأة بشكل كبير لحدوث عمليات اغتيال واسعة في مختلف المدن العراقية خلال الفترة القليلة المقبلة إذا ما استمر الصراع السياسي الحالي.

وقال إن التحريض من جميع الأطراف مستمر، وبدأت الجيوش الإلكترونية بكشف معلومات مكثفة عن عناصر الطرفين وأماكن وجودهم وما يشغلونه من مناصب، لافتاً إلى أن هذا الأمر امتد إلى القيادات الوسطى وحتى القيادات الصغيرة في المناطق الشعبية بشكل لافت ومثير.

معادلة معقدة

وأضاف الشرع، “التحريض المتصاعد يمكن أن يؤدي إلى سلسة من عمليات الاغتيال، وحتى الآن نجح التيار الصدري بمنع حدوثها بعد اغتيال القيادي في سرايا السلام في مدينة البصرة حسين فؤاد، واقتصر الأمر على ردود محددة على بعض مقار الفصائل الشيعية”.

ولفت إلى أن “الفصائل الشيعية الموالية لإيران وأغلب أحزاب الإطار لديها مشكلات داخلية كبيرة مع التيار ومعزولة خارجياً، وما يتم تسريبه من معلومات عن هيكلها الإداري والمالي والعاملين فيها قد يجعلها الأكثر ضرراً إذا ما حصلت عمليات اغتيال متبادلة، خصوصاً إذا ما استمرت الأزمة السياسية في البلاد”.

وتابع أن “الأجهزة الأمنية تحاول من خلال تسريب هذه الوثيقة وغيرها إرسال رسائل لجهات سياسية وميليشيات تحاول البدء بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات للحصول على مكاسب سياسية وورقة ضاغطة لها في مفاوضات حل البرلمان أو تشكيل الحكومة الجديدة”، لافتاً إلى أن “هناك دعوات واضحة من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى اغتيال واستهداف شخصيات من الجهتين بحجج مختلفة، وهذا الأمر يؤشر أن هناك نية مبيتة تنتظر ساعة الصفر”.

إضعاف الخصوم

وأوضح الباحث في الشأن السياسي علي بيدر أن المستهدف الذي يعتزم القيام بعملية الاغتيال سيكون من أطراف الأزمة الحالية. وأضاف “أن الفصائل المسلحة القريبة من هذه الأزمة تحاول تصفية حسابات وفرض إرادات جديدة داخل المشهد السياسي، وهدفها محاولة إضعاف الخصوم، وهي تندرج ضمن مساعيها للسيطرة على السلطة وفرض واقع جديد”.

وأشار إلى أن “هذه الوثيقة هي لتوجيه الأجهزة الأمنية لمنتسبيها بأخذ الحيطة والحذر لكي لا تتفاقم الأزمة، وهي إشارة إلى أن الدولة حاضرة، ولديها مجسات داخل الجماعات المسلحة، وهي في يقظة دائماً”.

اندبندت عربي