من دون سابق مقدمات، وضمن سياسة إدارة الصراع مع إيران وحلفائها في “الإطار التنسيقي“، فتح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر موضوع تنظيم الزيارات الدينية للعتبات المقدسة، وخصوصاً طريقة دخول المواطنين الإيرانيين إلى العراق وضرورة التزامهم بالقوانين المطبقة في البلاد. ويحظى هذا الملف بمتابعة شريحة واسعة من العراقيين الذين يرغبون في تحويله إلى ملف حقيقي لتشغيل الأيادي العاملة وتحريك الاقتصاد العراقي، بدلاً من وضعه الحالي الذي تديره مؤسسات دينية عراقية وإيرانية تحاول جعل الخدمات المقدمة للإيرانيين مجانية وإفراغ الزيارات للعتبات المقدسة في العراق من أي آثار اقتصادية إيجابية.
غير مربحة
وأثر ترك ملف دخول الإيرانيين المتوجهين إلى المراقد الدينية في مدن النجف وكربلاء وبغداد وسامراء من دون قيود وبشكل فوضوي وإدارته من قبل شركات إيرانية داخل العراق لتحدد هي أسعار الفنادق والمطاعم وأجور النقل بمبالغ منخفضة بشكل سلبي على قطاع السياحة، وجعل أرباحه معدومة، وبحسب إحصاءات وزارة التخطيط العراقية في شهر أغسطس (آب) من عام 2021، فإن الزائر الإيراني يصرف خلال زيارته على المبيت والأكل في زيارة “الأربعين” المهمة للشيعة في العراق والعالم التي تستمر أياماً عدة نحو 56 ألف دينار (نحو 38 دولاراً).
وتم تفويج الزوار الإيرانيين في السنوات السابقة عبر شركة “شمسة” الإيرانية للنقل والسياحة المملوكة من قبل الحكومة الإيرانية، والتي فرضت عليها عقوبات أميركية لكونها إحدى شركات “الحرس الثوري الإيراني”، وكانت تفرض شروطاً وأسعاراً منخفضة على الفنادق العراقية أدت إلى مقاطعتها من قبل عدد كبير من الفنادق في مدينتي كربلاء والنجف.
التجربة السعودية
واستشهد الصدر بالتجربة السعودية التي عدها ناجحة في التعامل مع الحجاج والمعتمرين وإمكانية الاستفادة منها في العراق لجعل السياحة الدينية أكثر تنظيماً، خصوصاً زيارة “الأربعين” التي يتوجه فيها المسلمون الشيعة من جميع أنحاء العالم إلى العراق لزيارة مرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ثالث أئمة الشيعة. وطالب رجل الدين العراقي الضيوف الإيرانيين بـ”الدخول بتنظيم عالي المستوى، بإذن وجواز رسمي، واحترام الجهات المتخصصة، والقوات الأمنية، والقوانين المعمول بها واحترام الدولة المضيفة”. وأكد الصدر أن العراق غير ملزم إدخال ما يفيض عن قدرته من الحجاج. وطالب الزوار بـ”الالتزام بالوقاية الصحية، والنظافة في الملبس، والمأكل، والمسكن”، كما طالب القوات الأمنية بضبط نقاط التفتيش وحدها من دون تدخل من “الحشد الشعبي” أو “السرايا”، أو غيرهما من الفصائل المسلحة.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي في تغريداتها بين مؤيدة لدعوة الصدر وداعمة لها وبين معارضة.
دعوة متعددة
ورأى أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي أن دعوة الصدر تحمل بعدين، أحدهما سياسي، وآخر تنظيمي، مشيراً إلى أن الصدر أراد ضبط عملية دخول وخروج الزائرين للأراضي العراقية. وقال الفيلي، “هذه الدعوة بحد ذاتها تحمل وجهين، الأول سياسي يؤكد من خلالها الصدر أن العراق ليس امتداداً لأي دولة، وهو دولة مستقلة ذات سيادة ولا يمكن الدخول إليها إلا عبر الآليات الرسمية كما هو موجود في كل دول العالم”، لافتاً إلى أن الصدر استشهد بالسعودية باعتبارها “تمثل الأخت الإسلامية الكبرى للعالم الإسلامي لوجود بيت الله الحرام وقبر الرسول محمد.
تنظيم الزيارة
وتابع أستاذ العلوم السياسية أن الصدر شدد على ضرورة الاستفادة من التجربة السعودية من الناحية التنظيمية، وكذلك يريد أن تعرف الحكومة العراقية من هو الداخل إلى الأراضي العراقية والخارج منها، وليس فقط من قبل المواطنين الإيرانيين، وإنما من الجنسيات الأجنبية الأخرى مثل الجنسية الباكستانية والهندية، وغيرها، مبيناً أن عدم التنظيم يعني استغلال ظروف الزيارة وتشكيل شبكات للتسول وتجارة المخدرات، ولذلك يشكلون أزمة كبيرة للعراق يدفع ثمنها العراقيون بالدرجة الأولى.
الفصائل خارج الملف
ولفت إلى أن الصدر طالب بمأسسة الأمن، وأن تمسك المداخل والمخارج من قبل القوات الأمنية. وشدد على ضرورة ألا تكون من قوات “الحشد” ولا “سرايا السلام”، مما يشير إلى أن الصدر يعطي أولوية للهاجس الأمني.
“الحرس الثوري”
وبين أنه خلال السنوات الماضية كانت تأتي قيادات من “الحرس الثوري” بعناوين مواطنين، والصدر يدرك أن العراق يجب أن تكون له خصوصية بالموضوع، مشيراً إلى أنه طالب بالتعامل معهم كضيوف والضيف والمضيف لهم حقوق وواجبات.
لا يمتلك صفة دينية
ورأى الباحث في الشأن السياسي حيدر البرزنجي أن الصدر لا يتمتع بصفة دينية أو حكومية أو تشريعية لإصدار مثل هذه التوجيهات. وقال إن دعوته تحمل طابعاً سياسياً. وقال البرزنجي المقرب من قوى “الإطار التنسيقي”، “الصدر ليس مرجعاً دينياً حينما يتحدث في قضية تتعلق بزوار العتبات المقدسة بالعراق، وإنما دعوته تحمل طابعاً سياسياً لكون هذا الأمر من اختصاص مراجع الدين الذين يصدرون التوجيهات”، مشيراً إلى أن دعوته إذا كانت لأغراض تنظيمية، فإن هذا من اختصاص الإدارة المحلية في محافظة كربلاء وبالإدارة الحكومية المتعلقة بالحكومة.
حديث متناقض
ولفت إلى أن الصدر لا يستطيع منع رفع الأعلام أو إطلاق أي شعارات من قبل الزائرين، لذلك هناك مجموعة من التناقضات في التعليمات التي صدرت من قبله. وتابع أن أمور الزيارة في العراق تختلف عن قضية الحج، فالزيارة “الأربعينية” تستغرق يوماً أو يومين، بينما يستغرق الحج وقتاً أطول، “ويبدو أن دعوة الصدر كانت منسجمة مع ما يرغب به أصحاب الاقتصاد بإجراء مزيد من التنظيم لدخول الزائرين والاستفادة من هذه الأعداد الكبيرة”.
التنظيم ضرورة
واعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن من الضروري أن يكون هناك تنظيم للسياحة الدينية بالعراق، وأن يتم استثمار البنى التحتية الخاصة بالمدن. وقال قصي، “العراق بحاجة إلى استثمار بالبنى التحتية، ولا سيما من القطاع الخاص، وعملية إيجاد وسائل نقل بالقطارات ستسهل تنظيم السياحة والاستثمار بالصناعات المحلية للترويج للحضارة العراقية، ومن الممكن أن تدر دخلاً إضافياً للبلاد”.
شركات متخصصة
وأوضح أن التنظيم السياحي بحاجة إلى شركات سياحية متخصصة. وشدد على أن يكون هناك تنظيم للسياحة الدينية لأنها تعد مورداً جديداً، وأن تتم عملية فتح باب الاستثمار من قبل القطاع الخاص، سواء في المدن السياحية الدينية أو في مختلف أنحاء البلاد، مبيناً أن الاستثمار يجب أن يكون في قطاعات عدة لدعم السياحة، ولا سيما قطاع الإنترنت والنقل كالقطارات. ولفت إلى أن قطاع السياحة في العراق يشكو من عدم التنظيم، بخاصة مع وجود طبقات عدة تأتي للسياحة الدينية، وهي لا تمتلك دخلاً، مؤكداً أن هناك كثيرين من الزائرين يأتون مشياً على الأقدام ولا يمتلكون أموالاً، لذا من المهم أن يكون لهؤلاء راعٍ من قبل المنظمات الدينية والخيرية.
45 ألف سرير
وقال رئيس رابطة الفنادق في محافظة النجف صائب أبو غنيم إن هناك 290 فندقاً في النجف تتسع لـ45 ألف سرير، وفي حال تنظيم عملية تفويج الزائرين سيتضاعف هذا العدد. أضاف، “عملية تفويج الزائرين إذا جرت بشكل منتظم ومستقر، فسيتم بناء كثير من الفنادق لتستوعب الأعداد الكبيرة من الزائرين”، مشدداً على “ضرورة تقنين عملية المنام في المساجد والأضرحة والبيوتات كما هو متبع حالياً، لكونه سيشجع رأس المال على بناء كثير من الفنادق”.
إدارة جيدة
وأشار أبو غنيم إلى أن السياحية الدينية قبل 2003 كانت تدار من قبل إحدى الشركات ومكتب وطني للوزارة، أما الآن فتعم الفوضى في هذا القطاع. وأكد أن العراق بحاجة إلى تنظيم هذا العمل من أجل جلب النفع على القطاع السياحي الديني.
وباستثناء عام 2020 والأشهر الستة الأولى من 2021 التي شهدت توقفاً للسياحة الدينية بسبب انتشار كورونا، فإن البلاد كانت تستقبل نحو خمسة ملايين زائر سنوياً من خارج البلاد بحسب إحصائيات هيئة السياحة العراقية قادمين من إيران والكويت والبحرين والسعودية وباكستان وتركيا وأذربيجان وأفغانستان وبعض الدول الأوروبية لزيارة الأماكن والمراقد الدينية في بغداد وسامراء والنجف وكربلاء وبابل.
وكان الزوار يمثلون جزءاً مهماً من انتعاش اقتصاد المدن الدينية في العراق ويغطون جزءاً كبيراً من الخسائر التي يتسبب بها الزوار الإيرانيون الذين تجبر سلطاتهم الفنادق العراقية على قبول أسعار منخفضة جداً أدت في ما بعد إلى مقاطعة عدد كبير منها لهم، ويدخل السياح عبر مطارات بغداد والنجف والبصرة وعبر المنافذ البرية في محافظات واسط وميسان والبصرة وديالي التي لها حدود مشتركة مع إيران والكويت، وتعتمد النشاطات الاقتصادية في مدن كربلاء والنجف وبعض مناطق بغداد بشكل كبير على السياح القادمين لزيارة المراقد الدينية.
اندبندت عربي