لا أحد يهتم بالتدخل في الأزمة العراقية طالما أن النفط يتدفق

لا أحد يهتم بالتدخل في الأزمة العراقية طالما أن النفط يتدفق

بغداد- تكتفي دول العالم بمشاهدة ما يجري في العراق من أزمة سياسية حادة ومواجهات طائفية محدودة قد تتحول إلى حرب طويلة الأمد بسبب رغبة كل طرف في السيطرة على السلطة بميليشيات مدربة وجاهزة لخوض صراع طويل.

ويعزو مراقبون عراقيون امتناع الدول المؤثرة، والتي لها مصالح في العراق، عن التدخل إلى أن مصلحتها الرئيسية في الحصول على النفط العراقي لم تمسّ، وأن النفط يتدفق دون أيّ تعطيل من أيّ جهة، ما يوحي بأن المجموعات الطائفية تضع للصراع في ما بينها ضوابط حمراء لتتجنب أيّ صدام مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وأهم هذه الضوابط هو عدم الاقتراب من النفط.

وكان لافتا أن الدول الغربية عملت على التدخل في ملفات كثيرة للمساعدة على حلحلة الخلافات الداخلية مثل لبنان، حيث مارست فرنسا والولايات المتحدة ضغوطا على الطبقة السياسية من أجل حوار لبناني – لبناني يفضي إلى تفاهمات بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي مقابل تقديم مساعدات وقروض للبنان للخروج من الأزمة الحادة التي يعيشها.

وتقوم الولايات المتحدة بوساطة بين لبنان وإسرائيل بشأن حل الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية المشتركة مما سيساهم في تحديد انتماء موارد النفط والغاز لكل دولة ويمهد الطريق أمام المزيد من عمليات الاستكشاف.

ويطلب الرئيس اللبناني ميشال عون في أن تدخل شركة النفط والغاز الفرنسية توتال طرفا ثالثا يساعد لبنان في حل مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

وهذه عينة من تدخل الدول الكبرى في ملفات أخرى بهدف السعي لحل الخلافات الداخلية مثلما يحصل في ليبيا واليمن وإثيوبيا، في الوقت الذي يختفي فيه أيّ دور لهذه الدول في العراق بالرغم من أهميته الإستراتيجية وخاصة للولايات المتحدة.

وفي ما يقرب من تسعة أشهر، بين الانتخابات وانسحاب نواب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من البرلمان ونزول أنصاره للاعتصام في المنطقة الخضراء ثم المواجهات مع الإطار التنسيقي، زار كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي العراق مرتين فقط، وأجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن عددا قليلا من المكالمات مع صناع القرار العراقيين في محاولة للتأثير على التطورات على الأرض.

ووجه ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى انتقادات شديدة لطريقة اللامبالاة التي تعتمدها إدارة الرئيس جو بايدن في العراق مما مهد الطريق أمام إيران لتكون لها ولحلفائها من الميليشيات اليد العليا في بغداد.

واعتبر شينكر أن غياب التأثير الأميركي في الحراك العراقي حول المناورات والضغوط والتحالفات بشأن تشكيل الحكومة لم يكن سهوا بل قرارا مقصودا، مستشهدا بقول مسؤول بارز في إدارة بايدن في ديسمبر بأن خطتهم كانت ترك الأمر للعراقيين.

ويقول مراقبون إن ما يهم واشنطن أن قطاع النفط لم يمس في العراق الذي يحتل وفق آخر تقرير لوكالة الطاقة الأميركية الترتيب الرابع كأكثر الدول تصديرا للنفط إلى الولايات المتحدة.

وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في يوليو الماضي، أن صادرات العراق النفطية إلى الولايات المتحدة بلغت خلال الأسبوع الأول من يوليو أكثر من 300 ألف برميل يوميا.

وناشدت شركات نفط عاملة في كردستان الولايات المتحدة التدخل لنزع فتيل التوتر بين الحكومة المركزية العراقية والإقليم لضمان استقرار إنتاج النفط في شمال العراق. لكن إدارة بايدن لم تحرك ساكنا.

وتقول فيليسيتي برادستوك الكاتبة المتخصصة في الطاقة والتمويل في مقال بموقع “أويل برايس” إن مزيج الاضطرابات السياسية في بغداد، والصراع المكثف على موارد البلاد بين الدولة العراقية وإقليم كردستان، يضعان صناعة النفط العراقية في وضع متقلب. وبينما يجب على الدولة معالجة وضعها السياسي لضمان استقرار صادراتها النفطية، يسعى إقليم كردستان إلى الحصول على الدعم السياسي والمالي من القوى الخارجية لضمان استمرارية صناعة النفط.

ولازمت فرنسا بدورها الصمت عدا تصريح للرئيس إيمانويل ماكرون دعّم فيه تصريحات لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حث فيها على التهدئة واللجوء إلى الحوار. وعُد الموقف الفرنسي أقرب إلى تسجيل الحضور منه إلى تحرك لوقف تدهور الوضع في العراق.

ديفيد شينكر: غياب التأثير الأميركي في الحراك العراقي بشأن تشكيل الحكومة لم يكن سهوا بل قرارا مقصودا

وكان الرئيس الفرنسي قد نجح قبل عام في الحصول على عقد سخي من الكاظمي لفائدة مجموعة “توتال إينيرجيز” الفرنسية للاستثمار في مجال الغاز والنفط واستغلال الطاقة الشمسية تبلغ قيمته 27 مليار دولار.

وغاب تصريح من الصين بشأن الوضع السياسي المتدهور في العراق بالرغم من أنها أكبر مستثمر في العراق، وتصدر تحذيرات غربية من أن بكين تضع يدها على النفط العراقي من خلال زيادة الاستثمارات. وكانت بغداد أكبر مستفيد العام الماضي من مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ تلقت تمويلا قدره 10.5 مليار دولار لمشروعات في البنية الأساسية، منها محطة توليد كهرباء ومطار.

وسجلت صناعة النفط العراقية اتجاهات إيجابية في الأشهر الأخيرة، حيث بلغت مستويات الإنتاج حوالي 4.4 مليار برميل يوميا من النفط الخام، وبلغت الصادرات أعلى مستوياتها في 50 سنة، بقيمة 11.07 مليار دولار.
وترجع الزيادة في الصادرات إلى حد كبير إلى التحول في الاعتماد العالمي بعيدا عن روسيا نحو قوى نفطية أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية.

ويمتلك العراق حوالي 145 مليار برميل من النفط، مما يجعله خامس أكبر دولة نفطية في العالم. ويمثل النفط الخام أهمية حيوية لاقتصاد العراق، حيث تساهم عائدات النفط بنحو 90 في المئة من دخل البلاد.

وفي حين أن صناعة النفط في العراق لم تتأثر إلى حد الآن بحالات الاضطرابات السياسية السابقة، فإن التصعيد الأخير في الصراع يشكل تهديدا للقطاع.

وقال فرناندو فيريرا، وهو مدير في مجموعة “رابيدان إينيرجي”، “في حين أن الإنتاج العراقي عادة ما يكون مرنا إلى حد ما في مواجهة الاضطرابات، فإن البيئة السياسية الحالية سامة بشكل غير عادي وتشكل خطرا كبيرا على قطاع النفط”. واقترحت رئيسة السلع في “آر بي سي” حليمة كروفت هذا الأسبوع أن الاحتجاجات قد تؤدي إلى سحب مليون برميل من النفط من السوق إذا تصاعد الصراع.

العرب