تزداد حدة الاضطرابات في العراق في ظل شلل الحكومة وعدم قدرتها على وقف القتال بين المليشيات المسلحة أو تقديم الخدمات للمواطنين، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز“.
وقالت الصحيفة في تقرير نشر، الخميس، إن الجماعات المسلحة الشيعية الخارجة عن سيطرة الدولة تتصارع فيما بينها في تهديد خطير لاستقرار البلاد الهش أصلا.
وتنقل الصحيفة عن المؤرخ العراقي سعد إسكندر القول: “داخليا وخارجيا وعلى المستويين السياسي والأمني فإن العراق حاليا دولة فاشلة”.
ويضيف إسكندر “لا يمكن للدولة العراقية أن تبسط سلطتها على أراضيها أو على شعبها”.
وفقا للصحيفة فقد ظهرت نقاط الضعف في العراق مرة أخرى بشكل حاد الأسبوع الماضي عندما تحول الانسداد السياسي المتعلق بتشكيل الحكومة الجمود إلى أعمال عنف ضربت قلب العاصمة.
وشهدت المنطقة الخضراء ببغداد اشتباكات مسلحة بين عناصر من ميليشيا سرايا السلام بزعامة مقتدى الصدر من جهة وعناصر من فصائل مسلحة موالية لطهران منضوية تحت مظلة الحشد الشعبي من جهة ثانية.
وقالت الصحيفة إن الاشتباكات اندلعت بعد أن أطلق عناصر الفصائل الموالية لطهران النار على متظاهرين من أنصار الصدر، ليرد أعضاء مسلحون من جماعة الزعيم الشيعي على النار بالمثل وتندلع الموجهات.
وتابعت الصحيفة أن القوات الحكومية كانت مهمشة تماما فيما تتقاتل الميليشيات فيما بينها، بعد أن أمر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بعدم إطلاق النار على المتظاهرين.
وتقول ماريا فانتابي من مركز الحوار الإنساني، وهي منظمة لإدارة النزاعات مقرها سويسرا: “إذا نظرنا لعراق ما بعد عام 2003، فعلينا أن نقول إنه لم يكن في الواقع دولة فاعلة”.
وأضافت: “لم يكن لدينا رئيس وزراء له سيطرة كاملة على قوات الأمن أو على الحدود”.
ويعود الفضل في عدم انهيار العراق بشكل كبير إلى الثروة النفطية الهائلة التي تمتلكها البلاد، لكن معظم المواطنين لا يرون أبدا فائدة في تلك الثروة ويعانون من انقطاع يومي للكهرباء ومدارس متهالكة ونقص في الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب.
في الشهر الماضي، استقال وزير المالية علي علاوي، وحذر في حينها من أن المستويات المذهلة للفساد تستنزف موارد الدولة وتشكل تهديدا وجوديا.
وكتب علاوي في خطاب استقالته إلى رئيس الوزراء: “تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة”.
وأضاف “لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد إلى كل قطاع من قطاعات الاقتصاد والمؤسسات في البلاد: يجب تفكيكه بأي ثمن إذا أريد لهذا البلد أن يبقى على قيد الحياة”.
وقال علاوي، الذي شغل أيضا منصب وزير المالية في عام 006 ، إنه صُدم عندما رأى “مدى تدهور آلية الحكومة” تحت سيطرة مجموعات المصالح الخاصة المرتبطة ببلدان مختلفة في المنطقة.
وذكر في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في يونيو الماضي: “لدينا أشخاص يسافرون إلى طهران وعمان وأنقرة والإمارات وقطر”.
وأضاف “قبل ذلك، كانوا يسافرون إلى واشنطن، لكنهم لم يعودوا يفعلون ذلك بعد الآن.”
تشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة ابتعدت بشكل متزايد عن العالم العربي وركزت بشكل أساسي على احتواء إيران وتعزيز التطبيع مع إسرائيل.
وتضيف الصحيفة أن العراق يبدو اليوم بلدا يفقد أهميته في المنطقة والعالم حيث تقاتل الميليشيات الشيعية من أجل السيطرة.
ويحتل العراق رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، حيث غذت عائدات النفط الفساد بشكل واسع.
ووفقا لمسؤولين حكوميين ومحليين فإن الميليشيات والجماعات القبلية تستحوذ على عائدات الغمارك من ميناء أم قصر العراقي على الخليج، بحسب الصحيفة.
أما المعابر على طول الحدود مع إيران فهي مصدر آخر للدخل غير المشروع، وكذلك تسيطر الميليشيات المدعومة من إيران في العراق على قطاعات مثل الخردة المعدنية، وتبتز الشركات مقابل توفير الحماية.
وتضيف الصحيفة أن العقود الحكومية تشكل أيضا مصدر رئيسيا آخر للفساد.
وضربت الصحيفة مثلا بوزارة الصحة العراقية، التي قالت إن مسؤولين موالين للصدر هم من يديرونها عادة، حيث تعتبر المستورد الوحيد لما يقرب من نصف الأدوية الداخلة للعراق وتعتبر من أكثر الوزارات فسادا، وفقا لمسؤولين عراقيين وخبراء مستقلين.
ويقول المؤرخ إسكندر إن عدم الاستقرار في العراق يعود إلى ما قبل الإطاحة بصدام، عندما فقد السيطرة على بعض حدوده وأراضيه في الحرب العراقية الإيرانية. لكنه قال إنه لا يزال يمتلك بعض الأمل في أن البلاد ستنجو.
وأضاف إسكندر إن “تغيير قادة البلاد وحصول تغيير في الأجيال هو السبيل الوحيد” للنجاة.
الحرة