لم يكن قرار المحكمة الاتحادية العراقية برد دعوى التيار الصدري وبعض القوى السياسية الناشئة في العراق مفاجئاً، بل جاء ليعطي رسالة واضحة عن العجز السياسي الكبير الذي تعانيه البلاد منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبررت المحكمة رد الدعوى كون الأمر خارج اختصاصها ولا يتضمن
حل البرلمان الذي يمثل “الشعب العراقي” بحسب المحكمة، “ولا يمثل النواب أو كتلهم السياسية وعليهم ألا يكونوا سبباً في تعطيل مصالحه وتهديد سلامته وسلامة البلد بالكامل”.
الالتزام بالدستور
في المقابل، أوردت المحكمة أن “استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه، ولا يجوز لأية سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدماً للعملية السياسية بالكامل وتهديداً لأمن البلد والمواطنين”، مشيرة إلى أن “الجزاء الذي يفرض على مجلس النواب لعدم قيامه بواجباته الدستورية هو حل المجلس عند وجود مبرراته”.
أحكام واضحة
وبينت أن “دستور العراق لعام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب وفقاً لأحكام المادة (64) أولاً منه”، لافتة إلى أن “اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا محددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وليس من ضمنها حل البرلمان”.
الحياد في الأزمة
وعلى الرغم من أن المحكمة الاتحادية استندت في قراراها إلى ما يتضمنه الدستور العراقي من فقرات واضحة تحدد كيفية حل البرلمان وألقت بهذه الخطوة على النواب، لكنها حاولت من خلال هذه الخطوة النأي عن الصراع بين الأطراف الشيعية، بخاصة وأن التيار الصدري يتهمها والقضاء عموماً بالتحيز لمصلحة منافسيه من حلفاء إيران.
ويدرك الإطار التنسيقي أن هذه الخطوة لن تخدمه سياسياً مع تصاعد الصراع بين الطرفين وإمكان تجدد أعمال العنف كما حصل داخل المنطقة الخضراء وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ولهذا فإن رده على قرار المحكمة الاتحادية غاب حتى الآن، واتسمت الردود الفردية لمعظم المنتمين إليه بالحذر ودعوة
التيار الصدري إلى العودة للعملية السياسية وضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية.
حكومة بلا صلاحيات
في المقابل، يرى عضو دولة القانون وائل الركابي أن تشكيل أية حكومة ذات عمر طويل وبصلاحيات كاملة لن يتم من دون مشاركة التيار الصدري، على الرغم من وجود تحركات من قبل بعض الكتل السياسية لعقد جلسة البرلمان.
ويقول إن هناك دعوات إلى السيد مقتدى الصدر للتوافق معه كون تشكيل حكومة طويلة العمر وبصلاحيات واسعة لن يتم من دون وجود التيار الصدري داخل العملية السياسية، مشيراً إلى أن الإطار التنسيقي يمكن أن يتحرك مع “الديمقراطي” و”السيادة” حليفي التيار الصدري السابقين من خلال عقد جلسة برلمانية.
تهدئة الـ 40
ويوضح الركابي أن الجهود تتركز لتقريب وجهات النظر وقد تكون زيارة الـ 40 واحدة من العوامل التي تهدئ النفوس وتعطي مجالاً لتقريب وجهات النظر في شأن تشكيل الحكومة، لافتاً إلى أن الجميع متفق على أن هناك انتخابات باكرة مقبلة تحقق رغبة التيار الصدري، إلا أن الاختلاف يبقى على الآلية.
الصدر لم يرفض
ويعتقد عضو دولة القانون أن الصدر ليس لديه تصريح واضح يرفض الحوار ويأمل في أن يتم التقارب ما بين جميع أطراف
القوى السياسية واستئناف الحوار من خلال اللجنة الفنية المشكلة من جولة الحوار الثانية لتقريب وجهات النظر مع الصدر.
وكان الصدر ذكر أكثر من مرة أنه لن يتفاوض أو يتقارب مع الفاسدين لتشكيل الحكومة، وذكر بخاصة زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي خلال أكثر من مناسبة على أنه تسبب في دمار البلاد والإضرار بمصالح الشعب، بل رفض التفاوض معه بشكل تام.
إشكالات جديدة
ويبدو واضحاً أن قرار المحكمة الاتحادية سيزيد الأوضاع تعقيداً مع رفض الصدر التفاوض مع معظم قيادات الإطار التنسيقي باستثناء زعيم “منظمة بدر” و”تحالف الفتح هادي العامري”، وإمكان دعوة أنصاره مجدداً إلى التظاهر ودخول المنطقة الخضراء بعد زيارة الـ 40 إذا لم يكن هناك اتفاق سياسي يضع خريطة واضحة لتاريخ الانتخابات الباكرة وكيفية تشكيل حكومة موقتة تقوم بتنظيمها في الموعد المتفق عليه.
ويقول الباحث في الشأن السياسي والأكاديمي محمد نعناع إن البلد سيدخل في إشكال جديد يتعلق ببقاء الحكومة من عدمها إذا ما اتفق البرلمان على حل نفسه.
مسارات متناقضة
ويعتقد نعناع أن يستمر “الإطار” في مسار تشكيل الحكومة وفق الاستحقاقات الدستورية بالتزامن مع إصرا التيار الصدري على حل البرلمان، كونه لن يكون جزءاً من معادلة السلطة التي ستذهب إلى الإطار التنسيقي، مبيناً أن الصدر يتهم الإطار التنسيقي بالفساد وسوء الإدارة، ولهذا فإنه سيصر على حل البرلمان ورفض تشكيل الحكومة.
بقاء الكاظمي
ويبين نعناع أن الإشكال الذي ستدخل فيه البلاد بعد الاتفاق على حل البرلمان خلال جلسة له تتعلق ببقاء حكومة الكاظمي، كون هناك قوى داخل “الإطار” ترفض بقاءه مثل حقوق “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”، مشيراً الى أن المالكي يمكن أن يوافق على حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات باكرة وفق مسار دستوري.
ويتوقع أن تتدخل إيران لحل الأزمة من طريق إقناع الأطراف الرافضة للكاظمي ببقائه، كونه الوسيط في المفاوضات الإيرانية – السعودية والمفاوضات الإيرانية – الأميركية التي مررت من خلاله رسائل.
شروط الصدر
من جهة ثانية، يرجح نعناع أن يؤدي سحب الإطار لترشيح محمد شياع السوداني من منصب رئيس الحكومة والذهاب نحو انتخابات باكرة إلى قبول الصدر بمثل هذا العرض، كونه خسر الجانب القانوني والسياسي وحالياً يخسر الحراك الجماهيري والاجتماعي، مشيراً إلى أن المفاوضات السياسية ستستأنف بعد زيارة الـ 40 وإذا رفضها الصدر فسيكون هناك تصعيد شعبي واجتماعي.
الفوز بجولة
ويعتبر نعناع أن الإطار التنسيقي فاز بجولة المحكمة الاتحادية الخاصة بحل البرلمان، الا أنه لم يفز بنتائجها لأن قرار المحكمة ألقى مسؤولية تعطيل جلسة البرلمان على النواب والثلث المعطل وبعض القوائم مثل “إشراقة كانون” وغيرها التي لم تحضر بعكس الصدر الذي انسحب من الساحة السياسية.
وتزداد المخاوف من حدوث فراغ دستوري في العراق بخاصة مع توقف عمل السلطة التشريعية وانتهاء عمل
الحكومة العراقية وقيامها بتسيير أمور البلاد بصلاحيات مقننة، وعدم قدرة البرلمان على إقرار الموازنة أو تعديل قانون الانتخابات أو تحديد موعدها ليكون الوضع السياسي دخل مرحلة التجميد الكامل.
فراغ دستوري
في المقابل، يرى الباحث السياسي والأكاديمي الكردي عبدالسلام برواري أن حل البرلمان سيدخل العراق في فراغ دستوري وانهيار للدولة.
ويقول، “ثمة خطوات يجب اتخاذها قبل حل البرلمان ومنها الاتفاق على موعد الانتخابات الجديدة والإبقاء على المفوضية أو تقديم قانونها، والاتفاق على النظام الانتخابي أو الإبقاء عليه”، مؤكداً أن هذه الخطوات يجب أن تجري داخل قبة البرلمان.
على “الإطار” التنازل
ويضيف برواري أن الإطار “يتصرف وكان شيئاً لم يحدث، وهو يقول إن لدينا مرشحاً ويجب أن يقدم الكرد مرشحاً، وتعالوا نعقد اجتماعاً للتصويت”، مشيراً إلى أن انعقاد البرلمان إذا كان الهدف منه تمرير مرشح الإطار لمنصب رئيس الوزراء فإنه يعني عدم التوصل إلى حلول سياسية واستمرار التظاهرات ودخول البلاد في أزمة لا مخرج منها.
ويعتبر أن الحل الوحيد هو أن يتنازل زعماء “الإطار” عن منطقهم ويقتنعوا أن الاتفاق لا يعني فرض إرادتهم على الآخرين، وتقديم تنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق، واصفاً جولات الحوار الوطني بأنها عمل فارغ وعبارة عن شعارات ولا تتحدث عن الأزمة.
مبادرة للبارزاني
وكشف برواري عن وجود مبادرة لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني لحل الأزمة سيقوم بنقلها رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني إلى القوى السياسية في بغداد، مبيناً أن الأخير لا يقدم مبادرة إلا إذا كان على ثقة بنجاحها، بخاصة وأن لديه قبولاً من جميع الأطراف السياسية كونه من أقدم السياسيين في العراق.
الدستور واضح
وفي سياق متصل يؤكد الخبير القانوني علي التميمي أن قرار المحكمة الاتحادية واضح لأن الدستور رسم آلية حل البرلمان، فيما أشار إلى أن القرار ألقى الكرة في ملعب مجلس النواب.
ويضيف، “القرار واضح لأن الدستور العراقي رسم آلية حل مجلس النواب عند إخفاقه وعدم قيامه بواجباته المرسومة له”، لافتاً إلى أن “الفقرة الثالثة من قرار المحكمة تؤكد أن جزاء عدم قيام البرلمان بواجباته أن يحل نفسه بنفسه، ولذلك فهي نأت بنفسها وألقت الكرة في ملعب مجلس النواب ليحل نفسه بنفسه”.
القرار ملزم
ويضيف التميمي أن هذا القرار بات ملزماً لكل السلطات وفق المادة (94) من الدستور، وهو غير قابل للاستئناف أو التميز أو الطعن، مشيراً إلى أن الكرة في معلب البرلمان لحل نفسه بنفسه من طريق طلب ثلث الأعضاء وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، وبذلك يكون الحل القضائي قد انتهى.
اندبندت عربي