لماذا وصف رئيس الموساد الإسرائيلي الاتفاق مع إيران بـ “المصيبة الاستراتيجية”؟

لماذا وصف رئيس الموساد الإسرائيلي الاتفاق مع إيران بـ “المصيبة الاستراتيجية”؟

على خلفية ما تلوح كاندفاع أمريكي – أوروبي نحو التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، والتحذير الدراماتيكي وغير العادي لرئيس الموساد، دادي برنيع، بشأن المخاطر التي ينطوي عليها الاتفاق، من المهم أن نسأل: ما الذي يقف خلف سياقات اتخاذ القرارات لقادة النظام الإيراني، وفي أي مجالات سيخرق الإيرانيون الاتفاق إذا ما وقع؟ هل يمكن لإسرائيل أن تتصرف بشكل مختلف وتمنع وضعاً نقف فيه أمام اتفاق سيكون، على حد قول برنيع، “مصيبة استراتيجية”؟
الجواب على السؤال الأول مهم، ولكنه مركب على خلفية التوقيع على الاتفاق النووي في الجولة السابقة في العام 2015 والذي لم يتمكن أصحاب القرار في إسرائيل من استيعاب دروسه. في محاضرة علنية في ندوة المعهد للسياسة ضد الإرهاب بجامعة رايخمن، عرضت عام 2019 تقديراً بأن إيران تسير بلا معرقل نحو النووي، فيما تستخف بدول الغرب. فضلاً عن ذلك، حذرت من أن اتفاقاً جديداً مع إيران، إذا ما كان، سيكون أسوأ من الاتفاق الموقع عام 2015، بقيادة إدارة أوباما.
التوقع الذي عرضته فاجأ معظم المشاركين، لكن تبين أنه دقيق للغاية؛ فهو لم يستند إلى تقدير ذاتي شخصي، بل إلى بحث تحليلي مدروس، استناداً إلى منظومة داعمة لقرار محسوب للزعامة الإيرانية طورناها في حينه في متعدد المجالات. بمعنى، منظومة تعكس عناصر القرار والحسابات الإيرانية – ليس من الجانب الإسرائيلي ولا من الجانب الأمريكي، بل من المنظور الإيراني. الحسابات غذيت في المنظومة، إلى جانب قوانين القرار التي نشأت عن تحليل اتخاذ القرارات لديهم. كل قوانين القرار والرياضيات من خلف التحليل أشارت إلى الاتجاه إياه: ستسير إيران دون معيق نحو تطوير قنبلة نووية.
وعودة إلى 2022: إذا وقع الاتفاق المتبلور حقاً، فلن تخرقه إيران في مواضيع النووي. فهي ببساطة لا تحتاج لخرق الاتفاق لأنها على أي حال باتت على مسافة لمسة من مادة كافية للقنبلة ومع المعرفة لكيفية عمل ذلك، وعليه لا سبب يدعوها لتخاطر بمليارات الدولارات التي ستضخ إليها عقب رفع العقوبات، لكن ستحاول المضي بمشروع جهاز التفجير الضروري للقنبلة، ومنظومة إطلاق القنبلة، وهي أمور من الصعب اكتشافها في دولة كبيرة مثل إيران ويمكن عملها في الخفاء. هذه الخطوات إذا لم يسد الطريق في وجهها، ستقربها من قدرة إطلاق حقيقية.
إن فهم سياقات الاتفاق الحالي يفيد بأن الإيرانيين يتطلعون لتحقيق قدرة نووية، بل ويريدون مليارات عديدة من الدولارات. في واقع الأمر لم لا؟ إذا لم يكن هناك تهديد على النظام، ولا تهديد عسكري على إيران، فلماذا لا يحاولون تحقيق الأمرين؟ تعاظم اقتصادي كبير (مع رفع العقوبات) وأن يكونوا على مسافة لمسة من المادة المشعة والكافية لتطوير القنبلة في آن معاً. من ناحية الزعامة الإيرانية، الفنانة في قدرات التفاوض، يمكن محاولة تلقي الحد الأقصى في البعدين (الاقتصادي والنووي). وإضافة إلى ذلك، بطريقة المفاوضات الإيرانية، فإن إنهاء العملية والاتصالات ليس سوى بداية لمفاوضات جديدة من النقطة التي كان فيها اتفاق.
غير أنه من المهم الأخذ بالحسبان لبعد إضافي أصله في عالم آخر: ليست إيران الوحيدة التي ستدخل إلى مجال الحصانة، بل إن روسيا والصين توثقان معها التعاون في المجالين الاقتصادي والأمني، العسكري والاستراتيجي. خطوة كهذه ربما تقيد بل وتمنع إسرائيل تماماً من هجوم محتمل في إيران.
رئيس الموساد اتخذ خطوة سليمة حين حذر من الاتفاق المتبلور، إذ إن فيه بالفعل ثقوباً كبيرة. الأمريكيون على علم بالتحفظات الإسرائيلية، وأقوال برنيع لم تلحق أي ضرر يهدد العلاقات مع الإدارة. العكس هو الصحيح؛ الأمريكيون يقدرون تقديراً صادقاً يستند إلى تحليلات وحقائق. معنى الاتفاق السيئ أننا قد نجد أنفسنا قنابل نووية إيرانية وجهاز تفجير وقدرة إطلاق حقيقية لقنبلة نووية.

القدس العربي