كشفت مصادر سياسية عراقية مطلعة في بغداد وأربيل، أمس الإثنين، لـ”العربي الجديد”، عن شروط مسبقة لتحالف “السيادة”، أكبر القوى السياسية العربية السنية في العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، قبل الدخول في أي تفاهمات مع قوى “الإطار التنسيقي”. وتتعلق هذه الشروط بمسألة تشكيل الحكومة أو تفعيل عمل البرلمان الحالي.
وأكدت المصادر أن الطرفين السياسيين اتفقا على توحيد رؤيتهما حيال الأزمة الحالية، مع مراعاة الحفاظ على تقاربهما مع “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر. والأخير يواصل رفضه الدخول في أي حوار سياسي، فضلاً عن معارضته عودة نواب كتلته المستقيلة من البرلمان عبر بوابة المحكمة الاتحادية.
وعقد زعماء التحالفين، أول من أمس الأحد، اجتماعاً دام ساعات عدة في أربيل، شارك فيه رئيس تحالف “السيادة” خميس الخنجر، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إلى جانب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، وحضرته شخصيات أخرى من كلا الطرفين.
حليفا الصدر متفقان على أن محاولة كسره سياسياً وإخراجه خاسراً لن تكون أمراً جيّداً
وأصدر تحالف “السيادة” (المكون من حركتي “عزم” و”تقدم”)، و”الديمقراطي الكردستاني” بياناً مشتركاً عقب اللقاء، أكدا فيه جملة من النقاط الجديدة المتعلقة بالأزمة، والتي باتت بمثابة مواقف رسمية لهما. ومن أبرز هذه المواقف التأكيد “على أهمية إجراء انتخابات مبكرة”، و”تشكيل حكومة تتمتع بكامل الصلاحية وتحظى بثقة واطمئنان الجميع ببرنامج حكومي متفق عليه، مع تأكيد ضرورة استمرار مجلس النواب بعمله لحين موعد الانتخابات”.
البيان، الذي اعتبِر أيضاً بمثابة رد على دعوة الصدر لحليفيه الوحيدين (السيادة والديمقراطي الكردستاني)، الأسبوع الماضي، بالتوجه إلى حلّ البرلمان، تطرق إلى استعداد الطرفين لـ”المساهمة في تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف”، في إشارة إلى معسكري الأزمة الرئيسين، “الإطار التنسيقي” والتيار الصدري.
وكان الصدر قد اعتبر أخيراً، في تعليقه على رفض المحكمة الاتحادية طلب “التيار الصدري” حلّ البرلمان لإخفاقه في القيام بواجباته الدستورية، أنه بمجرد انسحاب حليفيه من البرلمان، “سيفقد البرلمان شرعيته وسيحلّ مباشرة”.
حليفا الصدر… موقف موحد من الأزمة
وأمس الإثنين، أبلغت مصادر سياسية كردية من الحزب الديمقراطي الكردستاني، “العربي الجديد”، أن الاجتماع المغلق بين قيادات تحالف “السيادة” والحزب الحاكم في أربيل أفضى إلى جملة من التفاهمات المهمة، أبرزها “توحيد المواقف السياسية حيال الأزمة والدخول بشروط واحدة في مفاوضات الخروج منها”.
وقال أحد المصادر، لـ”العربي الجديد”، إن من ضمن الشروط التي على قوى “الإطار التنسيقي” التعامل معها والاستجابة لها “تحديد موعد ثابت لحلّ البرلمان بعد تحديد موعد إجراء الانتخابات الجديدة، بما لا يتعدى ديسمبر/كانون الأول من العام المقبل”. كما يشترط الحليفان “تشكيل حكومة جديدة بصلاحيات كاملة، يوافق عليها التيار الصدري من حيث اسم رئيس الحكومة وأعضاء التشكيلة الوزارية”.
وأضاف المصدر أنه “من دون تحقيق تلك الشروط، لن يذهب السيادة والديمقراطي الكردستاني مع الإطار في مسار تشكيل الحكومة”. واستدرك بالقول إن “الطرفين متفقان على أن محاولة كسر الصدر سياسياً وإخراجه خاسراً من هذه المواجهة لن تكون أمراً جيّداً”، وفق تعبيره.
من جهته، نفى مصدر آخر أن يكون موقف حليفي الصدر الجديد بمثابة “تخلٍ عن الشراكة مع التيار الصدري”، مؤكداً أنه لا يعني أيضاً “تقارباً مع الإطار التنسيقي، بقدر ما هو موقف الكتلتين من الأزمة مع فرض شروطهما وتصورهما”. وشدّد المصدر على أنه “ليس في النيّة عقد أي اجتماع بين تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، وقوى الإطار التنسيقي من جهة أخرى”. ولفت إلى أن “جميع الاجتماعات واللقاءات مؤجلة الى ما بعد انتهاء مراسيم زيارة الأربعين” في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، أي يوم السبت المقبل.
وعلى الرغم من دعوات التهدئة وخفض حدة الخطابات السياسية في العراق بين مختلف أطراف الأزمة، عاد رئيس الوزراء الأسبق والقيادي في تحالف “الإطار التنسيقي”، القريب من طهران، نوري المالكي، أمس الإثنين، إلى تصعيد خطابه مجدداً. وأصدر المالكي بياناً دعا فيه إلى المضي بتشكيل الحكومة الجديدة واستئناف عمل البرلمان، معتبراً أنه لم يعد هناك داعٍ للحديث عن حلّه، بعدما رفضت المحكمة الاتحادية، الأسبوع الماضي، النظر بشكوى “التيار الصدري” التي اعتبرتها خارج إطار صلاحياتها الدستورية.
من شروط حليفي الصدر على الإطار التنسيقي، تحديد موعد لحلّ البرلمان بعد تحديد موعد الانتخابات، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات
في المقابل، ردّ زعيم “ائتلاف النصر” والقيادي في “الإطار” حيدر العبادي على المالكي بتغريدة، قال فيها إن “أي مسار يقوم على كسر الإرادة، سيكون وبالاً على الشعب والدولة”. ودعا إلى “اتفاق سياسي يفضي إلى اعتبار المرحلة الراهنة انتقالية، تبدأ بتشكيل حكومة وتنتهي بحلّ البرلمان وإجراءات انتخابات مبكرة”. وأكد العبادي أن “مصالح الشعب واستقرار الدولة أعلى وأغلى من أي مصلحة حزبية أو فئوية”.
الكلّ بانتظار انتهاء “الأربعينية”
وتعليقاً على تطورات المشهد السياسي في البلاد، قال عضو تحالف “الإطار التنسيقي” عائد الهلالي، لـ”العربي الجديد”، إن “موقف تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني يمثل خطوة متقدمة تجاه حسم تشكيل الحكومة الجديدة، فالكل أدرك جيداً أنه لا يمكن المضي بالعملية السياسية بغير السياقات الدستورية والقانونية”، على حدّ قوله.
وبيّن الهلالي أن تحالفه “لا يسعى إلى تشكيل حكومة تقصي التيار الصدري، بل يريد تشكيل حكومة توافقية ائتلافية مدعومة من قبل التيار، ولهذا نحن دائماً ما ندعو الصدريين للحوار من أجل الوصول إلى تفاهمات لحل الانسداد السياسي”.
وأضاف الهلالي أنه “حتى الآن لا توجد أي اجتماعات مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني بعد موقفهما الأخير من الأزمة السياسية، وبدء الحوارات سيكون بعد انتهاء مراسيم زيارة الأربعين، كما سوف نعمل ونسعى إلى إشراك التيار الصدري بهذه الحوارات لوقف أي تصعيد في الشارعقد يحصل بعد زيارة الأربعين”.
بدوره، ردّ عضو في “التيار الصدري” على التطورات السياسية بأن “الموقف العام للتيار الصدري سيتحدد من خلال السيد مقتدى الصدر”، معتبراً أن “توقع المضي في حكومة إطارية بسهولة خطأ كبير”، في إشارة إلى قوى “الإطار التنسيقي”. وأضاف المصدر طالباً عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المتغيرات السياسية في العراق تحدث بسرعة، ولا نعلم ما الذي سيحصل الأسبوع المقبل بعد انتهاء مراسيم الزيارة، فالبلاد كلّها تنتظر”.
عضو في التيار الصدري: لا نعلم ما سيحصل من متغيرات بعد الزيارة الأربعينية
في المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الكتل السياسية تدرك جميعاً أنه لا يمكن لها تجاهل التيار الصدري والإقدام على تشكيل حكومة مرفوضة من قبل الصدريين، فهذا الأمر يعني عودة التصعيد من قبل أنصار الصدر في الشارع، وربما يكرر قضية اقتحام مجلس النواب وعموم المنطقة الخضراء”.
وبيّن الشريفي أن “طرح تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن حلّ البرلمان وتشكيل الحكومة ليس بجديد، لكن هناك من روّج لهذا الموقف على أنه موقف يعارض ويخالف الاتفاقيات مع التيار الصدري”. وقال إن “الكل يعلم جيداً أن إجراء الانتخابات يحتاج إلى حكومة بصلاحيات كاملة، كما أن حل البرلمان يجب أن يكون قبل إجراء العملية الانتخابية بأيام قليلة، فلا يمكن ترك الحكومة من دون أي رقابة برلمانية، وهذا ما حصل خلال الانتخابات المبكرة الماضية”.
وأضاف: “نعتقد أن التواصل والتنسيق ما زال مستمراً بين تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري، وأن السيادة والديمقراطي سيعملان على فرض شروط الصدر خلال التفاوض مع الإطار بشأن تشكيل الحكومة، وأهمها تغيير مرشح الإطار لرئاسة الوزراء وتحديد مهام الحكومة بسنة واحدة”.
وتتلخص محاور الأزمة السياسية العراقية حالياً في إصرار قوى “الإطار التنسيقي”، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل. كما تتسمك بانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي. وترى قوى “الإطار التنسيقي” في القانون الحالي سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة. كما تصرّ على تغيير مفوضية الانتخابات قبل الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل، يرفض “التيار الصدري” ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر. كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة. كذلك يرفع مطلباً آخر هو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية، التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة، وعددهم 11 عضواً، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.
إلى جانب ذلك، يرفض “التيار الصدري” تعديل قانون الانتخابات ويصر على بقائه. والقانون الحالي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون “سانت ليغو”. والأخير منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية. كما يرفع “التيار الصدري” الفيتو أمام أي حكومة تتشكل، سواء كانت مؤقتة أو دائمة، من خلال مشاركة كتلتي “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”صادقون” بزعامة قيس الخزعلي.
العربي الجديد