كشفت التغييرات التي أجرتها إسرائيل في قياداتها العسكرية استعدادات حثيثة لمواجهة محتملة مع حزب الله، حيث يبدو أن السلطات الإسرائيلية تراهن على خبرة الجنرال أوري غوردين وخططه لاحتواء حزب الله، بتعيينه قائدا للمنطقة الشمالية التي تشهد منذ فترة العديد من التوترات بالتزامن مع التهديدات المتواترة الصادرة عن الحزب.
الرملة (إسرائيل) – من المنتظر أن يتسلم الجنرال الإسرائيلي أوري غوردين الأحد مهامه الجديدة قائدا للمنطقة الشمالية المعنية بالإشراف على الحدود اللبنانية السورية، بالتزامن مع تصاعد التوتر الأمني مع لبنان سواء على خلفية ترسيم الحدود البحرية، أو استخراج الغاز من البحر، أو استمرار استهداف قوافل حزب الله العسكرية في سوريا، وهو ما يزيد احتمالات نشوب مواجهة عسكرية مع حزب الله.
وكان الجنرال غوردين مسؤولا عن تعزيز شبكة من أنظمة الإنذار المبكر والملاجئ في حالة الهجمات الصاروخية. ويرى الصحافي جوزيف فيردمان في تقرير أعده لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، أنه ربما كانت خبرة غوردين السابقة هي التحضير المثالي لمهمته الجديدة.
وسيضعه موقعه الجديد في طليعة الجهود الإسرائيلية لاحتواء حزب الله الذي يُعتقد أنه يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف القادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل بدرجة تقزم أي تهديد تشكله الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة التي حاربت إسرائيل في السنوات الأخيرة.
جوزيف فيديرمان: خبرة غوردين هي التحضير المثالي لمهمته الجديدة
وتبدو الصلة واضحة بالنسبة إلى غوردين، وسيكمن دوره الجديد في إبقاء حزب الله بعيدا عن دوره القديم والتأكد من أن أي قتال في المستقبل “لن يصل إلى الجبهة المدنية”.
وقال في مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس إنه “لا شك” في أن إسرائيل لا تزال الجانب الأقوى لكن حزب الله عدو قوي قادر على إحداث بعض الأضرار الكبيرة أيضا.
وتعتبر القيادة الشمالية واحدة من أكثر المهام المرموقة والصعبة في الجيش الإسرائيلي. فهي تشمل الحدود المتوترة مع لبنان ومجموعة من القوات الإيرانية والقوات المدعومة من طهران في سوريا المجاورة. ويقع في قلب تلك التهديدات حزب الله المدعوم من إيران الذي احتفل مؤخرا بالذكرى الأربعين لتأسيسه.
ويتولى غوردين، وهو قائد كوماندوز سابق وخريج جامعة هارفارد، المنصب في وقت مليء بالتحديات. فعلى مدى أشهر، كان حزب الله يهدد بضرب منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية في البحر المتوسط بينما تجري إسرائيل والحكومة اللبنانية مفاوضات بوساطة أميركية بشأن حدودهما البحرية المتنازع عليها. كما أسقطت إسرائيل في يوليو ثلاث طائرات استطلاع مسيّرة أطلقها حزب الله باتجاه حقل الغاز.
وواجه حزب الله إسرائيل في حرب 2006 حتى وصلت إلى طريق مسدود خلال شهر من القتال انتهى بوقف الأمم المتحدة لإطلاق النار. وتُبقي الذكريات المريرة من تلك الفترة كلا الجانبين حذرين من بدء حرب جديدة. كما أن الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان قد تردع حزب الله. ومع ذلك، فقد أثارت التوترات الأخيرة مخاوف في إسرائيل بشأن تجدد القتال. واستثمر الجيش الإسرائيلي مبالغ كبيرة في التحضير لمثل هذا السيناريو.
ووصف غوردين ترسانة حزب الله، التي يُتصوّر الآن أنها تشمل صواريخ متطورة دقيقة التوجيه، بأنها صعبة الفهم. حيث يستطيع مسلحو غزة الآن إطلاق حوالي 400 صاروخ في اليوم على إسرائيل خلال قتال عنيف، بينما يُعتقد أن حزب الله قادر على إطلاق عشرة أضعاف هذا العدد.
ويشير فيردمان إلى أنه حتى مع اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية لأكثر من 90 في المئة من القذائف الواردة، يقدر الجيش الإسرائيلي أن ما يصل إلى 7 آلاف صاروخ سيضرب مناطق مبنية في حرب مستقبلية تمتد عدة أسابيع. ولا يعلن الجيش عن تقديراته عدد الضحايا، لكن هذه التوقعات تشير إلى احتمال تعرض المئات أو حتى الآلاف من الأشخاص للأذى.
ويأتي هنا دور قيادة الجبهة الداخلية التي تأسست إثر هجمات صواريخ سكود العراقية على إسرائيل خلال حرب الخليج في 1991.
وتعمل قيادة الجبهة كقوة دفاع مدني إسرائيلية. وتساعد في الحفاظ على شبكة البلد من الملاجئ وصفارات الغارات الجوية وهي مُدرّبة لمساعدة المدنيين أثناء الحروب والكوارث الطبيعية. ولعبت تحت قيادة غوردين دورا رئيسيا خلال جائحة فايروس كوفيد – 19 من خلال برنامج تتبع الاتصال واسع النطاق.
وأطلقت حركة الجهاد الإسلامي في غزة خلال تصعيد استمر ثلاثة أيام في أوائل أغسطس الماضي أكثر من ألف صاروخ على إسرائيل، لكن إسرائيل لم تعلن عن وقوع قتلى أو إصابات خطيرة، بينما قُتل نحو 49 فلسطينيا بينهم ما لا يقل عن 12 مسلحا.
وقال غوردين إن نظام الدفاع الصاروخي القبة الحديدية لعب دورا رئيسيا في تقليل الخسائر الإسرائيلية. كما أشار إلى أن جماعة حماس المسلحة الأكثر قوة ظلت على الهامش، لكنه قال إن التقدم في قيادة الجبهة الداخلية أساسي للحفاظ على سلامة المدنيين.
القيادة الشمالية تعتبر واحدة من أكثر المهام المرموقة والصعبة في الجيش الإسرائيلي. فهي تشمل الحدود المتوترة مع لبنان ومجموعة من القوات الإيرانية
وحسّنت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة من قدرتها على رصد إطلاق الصواريخ والتنبؤ بمكان سقوطها بدقة كبيرة، مثل حي معين في مدينة كبيرة. كما طورت تطبيقا شهيرا للهواتف المحمولة ينبه المستخدمين إلى الصواريخ الواردة بناء على موقعهم.
وقال الجنرال غوردين إن التطبيق يعمل في كل مكان، بما في ذلك المناطق النائية التي لا وجود فيها لصفارات إنذار. وأشار إلى أن أزمة كوفيد – 19 عززت قيادته من خلال زيادة تعاون الجيش مع السلطات المحلية.
وأصبح مركز القيادة الآن غرفة مقاصة للمعلومات المستقاة من السلطات العسكرية والمحلية. وتتبع الشاشات الكبيرة عمليات إطلاق الصواريخ واعتراضها وهبوطها في حينها. ويمكن أن تظهر نقرة زر مواقع كل سيارة شرطة أو سيارة إسعاف أو سيارة إطفاء في الدولة مع خرائط تعرض أنماط حركة المرور على الصعيد الوطني.
وقال غوردين إن هذا النظام المتكامل يوفر أداة قوية للسلطات لتنسيق عملها والتواصل مع الجمهور، “فلا يمكنك خوض حرب دون تعاون السكان الذين يعيشون في نفس المنطقة. وتعتمد كل هذه الأشياء على قدرتنا على التعاون مع السكان المدنيين”.
العرب