يعمل أقطاب الدولة الإسرائيليّة بدون كللٍ أوْ مللٍ في الأيام الأخيرة على توجيه رسالتين إلى المجتمع الإسرائيليّ عبر وسائل الإعلام المُتطوعّة، لصالح ما يُطلق عليه الإجماع القوميّ الصهيونيّ. الرسالة الأولى، التي تُمرر تقريبًا بشكل يوميّ تؤكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان على أنّ المُواجهة القادمة والقريبة والمُحتملة لن تكون شبيهة بحروبها الماضية، بل أكثر فتكًا ودمارًا ولا تقاس بحرب 2006، وأنّ الحرب الثانية ضدّ لبنان كانت نزهة مقارنة مع الحرب القادمة، والرسالة الثانية، التي يعكف صنّاع القرار على إيصالها للإسرائيليين، المرعوبين من الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه بين إيران والدول العظمى في لوزان، تقول إنّ الجيش الإسرائيليّ بات حاضرًا وجاهزًا ومُستعدًا لمواجهة حرب واسعة، لا يريدها أيّ طرفٍ من أطراف المعادلة في المنطقة.
وفي هذا السياق، كُشف النقاب عن أنّ شعبة التخطيط وقيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيليّ، واستعدادًا لمناورة الجبهة الداخلية السنويّة، التي تُسّمى (نقطة تحول)، والتي باشر الجيش بإجرائها مباشرة بعد حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006، أصدرتا مؤخرًا “الكرّاس المحدّث” للحرب المقبلة، والذي تمّ توزيعه على المؤسسات العامّة والبلديات.
وبحسب موقع (WALLA) الإخباريّ-الإسرائيليّ، فإنّ الكرّاس يعرض توقعات مجريات الحرب، ومن بينها توقع تساقط 1500 صاروخ يوميًا على الأراضي الإسرائيلية، والمئات من القتلى والآلاف من الجرحى، مع دمار هائل جراء قصف المدن والمستوطنات والقواعد العسكرية والبنى التحتية، الأمر الذي تعجز معه فرق الإنقاذ عن تنفيذ مهماتها بالكامل، كما جاء في الكرّاس. ولفت الموقع إلى أنّ “الكرّاس المحدث” سببّ حالةً من القلق في صفوف الإسرائيليين، وتحديدًا سكان الشمال والمستوطنات القريبة من الحدود، خصوصًا ما جاء فيه عن إمكان تسلل قوات النخبة في حزب الله لاحتلال إحدى المستوطنات، وتحديدًا مستوطنة (حانيتا)، المتاخمة للحدود مع لبنان. كذلك رفع سكان مدينة حيفا ومحيطها الصوت، خوفًا من إصابة صواريخ حزب الله مستودعات وحاويات مادة (الأمونيا) ومنشأة (الهيدروجين) ومستوعبات (الاثيلين) في خليج حيفا، الأمر الذي قد يؤدّي إلى ما يشبه انفجار قنبلة نوويّة، بحسب تعبير السكان، لا يبقي على أحد في شعاع عشرات الكيلومترات.
وتابع الموقع قائلاً، نقلاً عن مصادر عسكريّة إسرائيليّة، إنّه في إطار الطمأنة المقابلة لإثارة القلق، استعرض عدد من ضباط الجيش الإسرائيلي الاستعدادات التي وصفتها المصادر بغير المسبوقة للحرب. وقال قائد لواء غولاني، الجنرال غسّان عليان، إنّ التدريبات الأخيرة التي نفذّها اللواء جاءت تمهيدًا لمواجهة العدو الشماليّ (حزب الله)، وقد بذلنا جهدنا لنتدرب على مواجهة العدو ومعرفة كيف يعمل والتعرف إلى مناطقه وانتشاره واستعداداته. ونحن مستعدون لأي سيناريو، على حدّ تعبيره.
من ناحيته، أكّد قائد اللواء السابع مدرعات، نداف لوتن، على أنّ الجيش الإسرائيليّ يقوم بالاستعداد لحرب شماليّة ضدّ عدوٍ متطورٍ، مُشدّدًا على أنّ الساحة اللبنانيّة هي الأكثر تعقيدًا، لكنّها البوصلة الفعالة التي نتطلع إليها، حسبما ذكر. في السياق ذاته، كرر وزير الأمن، موشيه يعلون، مجددًا أمس، على أنّ إسرائيل ستًواجه مستقبلاً إطلاقًا واسعًا للصواريخ في المواجهة المقبلة، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ المنطقة الشماليّة تُشكّل تحديًا كبيرًا لجهة تلقي العدد الأكبر من هذه الصواريخ، الأمر الذي يُحتّم على إسرائيل الاستعداد جيدًا. وأضاف أنّ المكوّن الحاسم في الحرب المقبلة سيكون العمليات الهجومية التي ستدفع إلى وقف إطلاق النار، في إشارة طمأنة منه إلى أنّ تل أبيب ستسعى كل جهدها لتقصير أمد الحرب. وفي السياق ذاته، نقل الموقع الإسرائيليّ عن قائد سلاح الجو الإسرائيليّ، الجنرال أمير ايشل، قوله في كلمة في الكلية العسكرية في تل أبيب، إنّ سلاح الجو، من وجهة نظري، بات اليوم في موقع آخر وبحالة ممتازة جداً.
والعدو أيضًا تغيّر بصورة جوهرية، لكن إذا تغاضينا عن الأسلحة غير التقليدية، أيْ إيران، فلا أعتقد أننا في وضع تهديد وجودي. مع ذلك، أكّد الجنرال إيشل، الذي وافق على البقاء في منصبه لمدّة عامٍ آخرٍ، على أنّ الحقيقة التي يجب أنْ يُدركها الإسرائيليون جيدًا، أن مدى صواريخ أرض – جو بيد الأعداء، التي تهدد طائرات سلاح الجو، قد تراكم بكثرة، وشدّدّ أيضًا على أنّه بات مُقتنعًا بأنّ قواعد سلاح الجو هي الهدف رقم واحد لحزب الله، في اللحظة التي ستندلع فيها المواجهة المقبلة، حسبما قال. وفي أعقاب كلمة ايشل، تحدث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غابي أشكنازي، ليؤكد للإسرائيليين أنّ حزب الله غير قادر على احتلال الجليل، وقال: على الرغم من كلّ الاحترام لقوة حزب الله، إذْ أنّ قوة الحزب العسكرية لا تُعادَل حتى الآن بقوة الجيش الإسرائيلي.
وأضاف أنّ أعداء إسرائيل الحاليين ليسوا بقوة الجيش السوريّ والجيش المصريّ اللذين حاربناهما في الماضي. وبالعودة إلى تقديرات الحرب المقبلة، أشار ضابط رفيع لصحيفة (معاريف)، إلى أنّه بإمكان صواريخ حزب الله أنْ تصل إلى كل نقطة في إسرائيل، بدءاً من مستوطنة (دان) في أقصى الشمال، حتى مدينة إيلات في أقصى الجنوب.
وتابع قائلاً إنّ هذا التقدير ليس بسر، وليس مخفيًا، والمنطقة الشمالية هي الأكثر خطورة. وإذا سألتموني إنْ كانت الجبهة المدنيّة هي جبهة فرعيّة في الحرب المقبلة، أؤكّد لكم على أنّها ستكون الجبهة الأساسية في هذه الحرب. وخلُص إلى القول إنّ الجهد الأساسيّ للجبهة الداخليّة في الحرب مع حزب الله سيتركّز على تأمين الخدمات وعمليات الإنقاذ وتقليص الأضرار الاقتصادية، مع العمل على تقصير أمد القتال وإنهاء الحرب بشكلٍ سريعٍ، على حدّ قوله.
زهير اندراوس
راي اليوم