يتحدث توماس فريدمان عن قلق يساور العديد من حلفاء أوكرانيا الأوروبيين بعد جولة أفق كانت له في أوروبا مع خبراء في الأمن القومي ومسؤولين ورجال أعمال بشأن كيفية نهاية الحرب في هذا البلد على الرغم من التقدم العسكري الذي سجله الجيش الأوكراني الأسبوع الماضي في معاركه ضد الجيش الروسي، وينقل عن رجل دولة أوروبي سابق خشيته من “اشتداد الخلاف داخل الاتحاد الأوروبي مع حلول برد الشتاء ونقص إمدادات الغاز في أوروبا ما قد يدفع نحو القبول بصفقة مع الرئيس بوتين لأنهاء الحرب”.
وبعيدا عن الضجيج الإعلامي – كما يقول – يحاول فريدمان وضع تفسير لما لا يتم البوح به بشأن مستقبل الحرب فيطرح بنفسه هذه الإشكالية بالقول :”نعم ، إنه لأمر رائع أن تدفع أوكرانيا الروس إلى التراجع، لكن هل يمكنك أن تجيبني على السؤال الذي ظل عالقا منذ بدء القتال: كيف يمكن لهذه الحرب أن تنتهي بخاتمة مستقرة؟ لا يعرف فريدمان الجواب لكن ما لاحظه خلال حديثه مع من التقاهم في أوروبا يشير إلى ثلاث نتائج محتملة بعضها جديد تمامًا ، والآخر مألوف ، ولكنها جميعا لها آثار جانبية معقدة وغير متوقعة.
الفرضية الأولى وهي أن تنتهي الحرب بنصر كامل لأوكرانيا، وهو أمر محفوف بخطورة أن تؤدي إلى دفع بوتين للقيام بعمل جنوني إذا ذاق الهزيمة والإذلال.
الفرضية الثانية تتمثل في التوصل إلى “صفقة قذرة” مع بوتين توقف إطلاق النار والتدمير، لكنها فرضية تجازف بحصول انقسام بين الحلفاء الغربيين وتثير غضب العديد من الأوكرانيين.
الفرضية الثالثة هي حصول صفقة “أقل قذارة” تعيد الوضع إلى الحدود التي كان يقف عندها الجميع قبل غزو بوتين لأوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي.
وقد تكون أوكرانيا مستعدة للتعايش مع ذلك، وأيضا الشعب الروسي أيضا، لكن ذلك يستلزم الإطاحة ببوتين أولاً، لأنه لن يذعن للواقع الذي لا يمكن إنكاره حينها بأن حربه كانت عبثية تماما.
يقر فريدمان في مقالته بصحيفة نيويورك تايمز بوجود تباين عميق بين تلك الحصيلة المفترضة لنهاية الحرب ثم يحاول الغوص أكثر فيها فيرى أنه وبالنسبة للفرضية الأولى أي تحقيق نصر كامل لأوكرانيا فإنه ليس هناك من يتوقع أن يكون الجيش الأوكراني قادرًا على المتابعة الفورية للمكاسب العسكرية الكبيرة التي حققها خلال الأسبوعين الماضيين، والقيام باجتياح بقية المناطق التي يسيطر عليها الجيش الروسي عبر الحدود.
لكن للمرة الأولى سمعت البعض يسألون: “ماذا لو انهار الجيش الروسي بالفعل؟.
بالتوازي مع ذلك فإن الجنود الروس والأوكرانيين الناطقين بالروسية الذين يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي، يعتقدين أنهم سينتصرون ويبقون معا إلى الأبد”.
أما بشأن الفرضية الثانية، فيقول فريدمان إنه لا يستطيع أن يتخيل أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يقبل وقف إطلاق النار أو شيئا قريبا منه الآن، حيث تتمتع قواته حاليًا بقدر كبير من الزخم وهو ملتزم باستعادة كل شبر من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
لكن الكاتب يدعو إلى “أن لا يغيب عن الأذهان ما يمكن أن يكون عليه الحال مع حلول فصل الشتاء في ظل رفض بوتين بيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة لدرجة أنه يجبر المزيد من المصانع على الإغلاق ويؤدي بالأوروبيين الأكثر فقرًا إلى الاختيار بين الحصول على التدفئة أو تناول الطعام”.
ويرى الكاتب أنه على الرغم أن ذلك قد يعني عدم تحقيق الأهداف الكثيرة لبوتين لكنه قد يكون مهتما بالحصول على تلك المكاسب لإظهارها في مقابل ما تكبده من خسائر بما يجنبه الشعور بالذل. ويتوقع فريدمان أن كثيرا من القادة الأوروبيين سيؤيدون هذه الصفقة حتى لو لم يقولوا ذلك بصوت عالٍ.
وهنا ينقل الكاتب ما سمعه من رجل دولة أوروبي متقاعد، تحدث عن هذا الأمر في ندوة لكنه طلب عدم الكشف عن إسمه ، إذ قال :”إن هدف أوكرانيا هو الفوز في الحرب لكن هدف الاتحاد الأوروبي مختلف بعض الشيء إنه تحقيق السلام، وإذا كان هناك ثمن لذلك، فإن بعض القادة في أوروبا سيكونون مستعدين لدفع الثمن المناسب”.
ويضيف رجل الدولة الأوروبي السابق أن “الولايات المتحدة بعيدة، وبالنسبة لها، ليس بالأمر السيء أن تستمر الحرب في إضعاف روسيا والتأكد من أنها لا تملك الطاقة لأي مغامرات أخرى”.
وبتابع “من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي صار أكثر اتحادًا مما كان عليه قبل بدء الحرب، لكن ومع ذلك ستصبح الأمور صعبة للغاية في الأشهر القليلة المقبلة. سيكون هناك انقسام كبير في الاتحاد الأوروبي، وستزداد صعوبة الأمر أكثر فأكثر لأن الأهداف ستصبح – بدورها – مختلفة أكثر فأكثر، وحتى لو كانت التصريحات العلنية هي نفسها، فإن الاتحاد الأوروبي منقسم حول كيفية التعامل مع الحرب، وهذا الانقسام ليس حول السؤال الكبيربشأن ما إذا كان بوتين على حق أم أنه يشكل تهديدا، بل حول كيفية التعامل مع الوضع برمته، لا سيما عندما تظهر ردود الفعل الشعبية، فعندما يتوتر الناس تمامًا هذا الشتاء سيبدأ بعض القادة الأوروبيين في التساؤل، هل هناك طريقة للخروج بحل من خلال المفاوضات؟”.
ثم ينقل فريدمان أيضا ما قاله له مايكل ماندلباوم، مؤلف كتاب “العصور الأربعة للسياسة الخارجية الأمريكية”: بأن بوتين قد يقرر فضح الانقسامات في الاتحاد الأوروبي من خلال الإعلان عن استعداده للتفاوض على وقف إطلاق النار واستئناف شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا كان من الممكن إبرام صفقة، لكن هذا سيتطلب بالتأكيد تقديم ضمانات أمنية إلى زيلينسكي على أن تكون ضمانات أمنية دائمة وملزمة – ربما العضوية الكاملة في الناتو”.
ويتحدث الكاتب ضمن هذة الفرضية عن إمكانية أن يقتطع بوتين أجزاء من أوكرانيا بعدما أقر البرلمان (الروسي) تشريعًا لتمكين أربع مناطق أوكرانية تحتلها روسيا من إجراء “استفتاءات” بشأن الانضمام إليها.
وبالانتقال إلى الفرضية الثالثة وهي المتمثلة في حصول صفقة أقل قذارة كما يسميها فريدمان تكون مع الشعب الروسي وليس مع بوتين.
في هذا السيناريو، يقترح الناتو والأوكرانيون وقف إطلاق النار على أساس خطوط 24 فبراير حيث كانت تقف القوات الروسية والقوات الأوكرانية قبل غزو بوتين.
هذا سيعني أن أوكرانيا ستنجو من المزيد من الدمار، ويتم التمسك بمبدأ عدم جواز تغيير الحدود بالقوة. لكن على بوتين حينها أن “يعترف لشعبه بأنه فقد من حوالي 70 ألف قتيل والآلاف من الدبابات والعربات المدرعة مع معاناة كبيرة من عقوبات اقتصادية رهيبة دون الحصول بالمقابل على شيء”.
وهنا يضيف فريدمان “بالطبع، من المستحيل تخيل بوتين وهو يقول ذلك”.
وفي النهاية لا يتوصل فريدمان إلى خلاصة حاسمة للكيفية التي يمكن أن تنتهي بها الحرب رغم إدراك محدثيه في أوروبا بأن هذه الحرب يمكن أن تنتهي بعدة طرق مختلفة، بعضها أفضل، وبعضها أسوأ لكن أيا منها لن يكون سهلا.
وهذه حصيلة رابعة: أنها شيء لا يمكن لأحد أن يتنبأ به…
القدس العربي