خلافات جديدة تعمق الأزمة السياسية في ليبيا

خلافات جديدة تعمق الأزمة السياسية في ليبيا

يرى مراقبون أن مجلس النواب الليبي بقيادة عقيلة صالح فتح جبهات مع العديد من الجهات، سواء مع القضاء بإحداث تغييرات جذرية في المحكمة العليا أو مع رؤساء المؤسسات السيادية أو مع قائد الجيش الوطني خليفة حفتر بعقد صفقة مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

طرابلس – قرر مجلس النواب في طبرق تعيين رئيس جديد للمحكمة العليا، ما من شأنه تعميق الانقسام بين الشرق والغرب، في الوقت الذي عادت فيه الجهود الدولية بزخم أكبر للضغط على الأطراف الليبية للعودة إلى مسار الانتخابات بوصفه حلا وحيدا للأزمة.

وفي جلسة لمجلس النواب في طبرق لم يحضرها سوى نحو 50 نائبا من إجمالي أكثر من 170، تمّ التصويت على تكليف عبدالله أبورزيزة، رئيسا للمحكمة العليا خلفا لمحمد الحافي، رغم أن ذلك يحتاج إلى أغلبية الثلثين، بحسب الاتفاق السياسي.

وفتحت مساعي مجلس النواب لإحداث تغييرات جذرية في المحكمة العليا جبهة صراع جديدة مع القضاء، الذي أعاد فتح الدائرة الدستورية، التي سبق لها أن أصدرت حكما في 2014، بعدم شرعية مجلس النواب.

وهاجم مجلس النواب رؤساء المؤسسات السيادية، وعلى رأسهم محافظ البنك المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة، وقال إن هذه الهيئات لم تعد تتبع له، “وفقدت الصفة القانونية ويجب استبدالها”.

وعلى الرغم من أن كل هذه المناصب سيادية، وتخضع للتشاور بين مجلسي النواب والدولة، وسبق أن تم الاتفاق على تقاسمها، فإن الأمر تعثر بسبب اشتراط المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) خضوع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر لسلطة مدنية.

مجلس النواب فتح أكثر من جبهة؛ مع القضاء، والبنك المركزي، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة، والمجلس الرئاسي

وهدد مجلس النواب أكثر من مرة بتعيين شخصيات جديدة في المناصب السيادية، رغم إدراكه أن ذلك سيؤدي إلى العودة إلى الانقسام المؤسساتي كما كان عليه الحال قبل 2021، خصوصا وأن مجلس الدولة سبق وأن راسل رئيس المحكمة العليا محمد الحافي، وطلب منه عدم الاعتداد بقرار مجلس النواب بتنحيته.

ويرى مراقبون أن هجوم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، شمل أيضا المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، واتهمه بالانحياز إلى حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وأن إعداد قاعدة دستورية ليس من صلاحياته.

كما قرر مجلس النواب قبول استقالة النواب، والتهديد بإقالة النواب المتغيبين، إذ أن أكثر من ثلثي النواب لا يحضرون جلساته، ما يدفع إلى الطعن في قانونية ودستورية ما يصدر عنه من قرارات، خاصة بعد فتح الدائرة الدستورية في أغسطس الماضي، والتي كانت مغلقة منذ مايو 2016.

وفتح مجلس النواب أكثر من جبهة في نفس الوقت؛ مع القضاء، والبنك المركزي، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة، والمجلس الرئاسي، والنواب المعارضين، يوحي بأن عقيلة صالح مقبل على مناورة سياسية جديدة لقلب المشهد الليبي، خاصة بعد عدم تمكن حكومة فتحي باشاغا، من دخول العاصمة طرابلس، وتسلم ميزانية الدولة لإدارة البلاد.

ورغم خطورة ما صدر عن مجلس النواب من قرارات وتهديدات ضد مؤسسات سيادية، فإنه حتى صباح 22 سبتمبر الجاري، لم يصدر أي رد رسمي من المجلس الأعلى للدولة أو المجلس الرئاسي أو أي هيئة أخرى.

وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه مجلس النواب قراراته، اجتمع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بطرابلس، لبحث “الإسراع في إكمال القاعدة الدستورية، وسبل التسريع في إجراء الانتخابات، وتذليل الصعوبات والعراقيل”.

ولم يتناول بيان المكتب الإعلامي تفاصيل أخرى، أو تعليقا حول ما ورد على لسان عقيلة صالح، بشأن استبدال المناصب السيادية، أو التفاهم بشأن القاعدة الدستورية.

وقال صالح “وأخيرا توصلنا إلى اتفاق مع السيد خالد المشري، على أن يتم استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، وترك هذه المسألة للمشرع الجديد”.

وتشكل شروط الترشح عقبة رئيسية أطاحت بجميع التوافقات بين مجلسي النواب والدولة بشأن وضع قاعدة دستورية للانتخابات، خاصة ما تعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، في إشارة إلى حفتر قائد قوات القوات الليبية، والذي يحمل الجنسية الأميركية.

واستبعاد شروط الترشح من القاعدة الدستورية يسهل التوافق بشأنها، خاصة إذ تُركت للمشرع الجديد، والمقصود به البرلمان المقبل.

ويرى مراقبون أنه بما أن البرلمان المقبل من سيضع شروط الترشح المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، فهذا يعني أن الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل الرئاسيات، وهذا أحد مطالب المجلس الأعلى للدولة.

ولم يتم الإعلان عن المقابل الذي حصل عليه صالح، بعد تنازله عن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، خاصة في ظل صمت المشري، بشأن تهجم الأول على المؤسسات السيادية، بما فيها المجلس الرئاسي، وما إذا كان هناك اتفاق بين الرجلين.

غير أن النائب زياد دغيم وضّح هذا اللبس، عندما صرح لقناة محلية بأن “صالح اعترف بمبادرته وهي إجراء الانتخابات البرلمانية دون الرئاسية، بشرط رئاسته لمجلس رئاسي جديد لثلاث سنوات”.

بيد أن إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية لا يناسب حفتر، خاصة إذا أفرزت الانتخابات برلمانا رافضا لترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، ومن شأن ذلك أن ينسف طموحاته في حكم كامل البلاد.

شروط الترشح تشكل عقبة رئيسية أطاحت بجميع التوافقات بين مجلسي النواب والدولة بشأن وضع قاعدة دستورية للانتخابات

وبما أن عقيلة خاضع لنفوذ حفتر، فلا يمكنه المضي في اتفاق مع المشري إذا كان ذلك يهدد طموحاته، مثلما حدث في جنيف، في يونيو الماضي. حيث ذكر حينها موقع “العربي الجديد”، عن مصادر ليبية، أن صالح والمشري اتفقا في جنيف على “تنازل صالح عن شرط السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات الرئاسية، مقابل قبول المشري بتمرير حكومة باشاغا”.

وكشفت المصادر ذاتها في المقابل “تلقي صالح اتصالا من مساعدي حفتر، أكدوا له رفض الأخير التنازل عن شرط السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات الرئاسية”.

ومن المرجح أن يكون نفس السيناريو قد تكرر هذه المرة، بعد نفي صالح إجراء الانتخابات البرلمانية دون الرئاسية، وتأكيده أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستكون متزامنة، وليس انتخابات برلمانية فقط.

وقال رئيس مجلس النواب، في تصريح صحافي، إن “شروط الترشح للرئاسة ستترك لمجلس النواب الحالي وليس للمشرع الجديد”. فحفتر لا يمكنه السماح لصالح بعقد صفقة مع المشري على حسابه.

ويرى مراقبون أن هذا ما يفسر تراجع صالح عن تصريحاته المسجلة بالفيديو، بعد يوم واحد فقط من بثها على المباشر في جلسة لمجلس النواب بطبرق.

ويقول متابعون “دون الاتفاق على شروط الترشح للرئاسة لا يمكن وضع قاعدة دستورية، والتي دونها لا يمكن إجراء الانتخابات، وستظل الطبقة السياسية تقفز من مرحلة انتقالية إلى أخرى، ما يهدد استقرار البلاد”.

العرب