هزت إيران احتجاجات واسعة النطاق على خلفية وفاة مهسا أميني (22 عاما)، الشابة الكردية من شمال غرب البلاد، التي كانت تزور مع أهلها العاصمة طهران في 13 من الشهر الجاري حين ألقى القبض عليها عناصر من «شرطة الأخلاق» بدعوى لبسها «ملابس غير محتشمة» وما لبثت أن توفيت بعد ثلاثة أيام في المستشفى.
وقد فجّرت الحادثة سخطًا عظيمًا في شتى أرجاء إيران، وليس في المنطقة الكردية وحسب، وهي المنطقة التي أتت منها الفقيدة والتي أقيمت فيها جنازتها وشاركت فيها النساء وهنّ سافرات، تعبيرًا عن احتجاجهنّ. متحدون في غضبهم من وحشية الشرطة والقواعد الأخلاقية القاتلة وغير الأخلاقية، يطالب الإيرانيون بالحرية ووضع حد للقمع الحكومي.
في جوهرها ليست احتجاجات مطلبية كما جرى في السنوات الخمس السابقة، وليست رد فعل سياسيًا كما كانت انتفاضة الحركة الخضراء سنة 2009، فعندما تتجرأ إمرأة مسنة في مدينة رشت أن تخلع غطاء رأسها وتخرج إلى الشارع تهتف بالموت لرأس النظام فإن هذه الاحتجاجات تشكل منعطفًا ثقافيًا واجتماعيًا هو الأخطر في تأثيره على طبيعة النظام الإيراني منذ تأسيسه، وتؤثر مباشرةً على استعداداته للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد، فقد نكأ موت الشابة الكردية مهسا أميني جروحًا كانت مضمَّدة داخل المجتمع الإيراني، منذ أن سرق الجناح العقائدي المتشدد ثورة الشعب الإيراني على نظام آل بهلوي، وحوّلها إلى نظام إسلامي عقائدي، يمارس استبدادًا دينياً هو من أخطر أنواع الاستبداد وأشدها، ومارس تشددًا تجاه المرأة الإيرانية التي فقدت كثيرًا من حقوقها وكبّلت حريتها.
يمكن أن تكون قصة مهسا وآلاف غيرها من نساء إيران مدخلًا لفهم طبيعة نظام يطلق تسمية «شرطة الأخلاق» على عناصر ارتكبت «جريمة قتل»، تماماً كما ينشر الحروب والفتن الطائفية بين السنة والشيعة، تحت شعار «الوحدة الإسلامية»، وهو النظام «الجمهوري الإسلامي» الذي انتشر في عهده الإلحاد أكثر مما كان أيام النظام الملكي العلماني، في مفارقات أنتجها التناقض الحاد بين شعارات وممارسات نظام قتل فتاة بسبب خصلة شعر خرجت من تحت حجابها، لتندلع ـ على الإثر ـ حركة احتجاجات واسعة خلعت فيها إيرانيات حجابهن احتجاجًا على قتل تلك الفتاة.
هذه الموجة العارمة من الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الغاضبة التي تجتاح العاصمة الايرانية طهران وغيرها من المدن الايرانية الكبري وتوشك ان تعم ايران من اقصاها الي اقصاها ، ليست مجرد رد فعل لمقتل الشابة فحسب ، وإنما تأتي تفجيرًا لطاقات مكبوتة من السخط والتذمر والاستياء بسبب القمع والاستبداد الذي يعيشه الايرانيون مع نظام حكم لا يحاول أن يغير وجهه وأساليبه ليصبح أكثر قبولًا، نظام حكم لا يعترف بمتغيرات الزمن لينفتح عليها برؤية واقعية وبعقلية اخري مختلفة تكون اقرب الي نبض الشارع الايراني واكثر تجاوبا مع آماله وتطلعاته المشروعة نحو مزيد من الحرية والامن والتقدم والاستقرار كحق انساني اساسي لشعب يبحث عن حقه في الحياة.
وما اشبه الليلة بالبارحة كما يقولون، وارجعوا إلى الفترة الزمنية التي سبقت مباشرة سقوط شاه ايران باستبداده وفساده ومعه اجهزة السافاك الأمنية التي كانت معروفة بقسوتها ووحشيتها في تعاملها مع المعارضين السياسيين لحكم الشاه ، وما جري خلالها من احتجاجات حاشدة وعصيان مدني شامل وانفلات أمني خرج عن حدود السيطرة وتهاوى حكم الشاه وانهياره بكل قياداته ورموزه التي كانت قبلها ملء السمع والبصر.
وخرج الشاه من دولته مطرودًا او هاربًا الي غير رجعة غير مأسوف عليه . الإستبداد هو الإستبداد ، سواء كان او مدني، فهو كله يسير في نفس الطريق ، وصولا الي نفس النتائج والنهايات. وليس غريبًا ان يكرر التاريخ نفسه حتي داخل الدولة الواحدة. وها هي ايران تعيش المشهد من جديد.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية