لندن – بدأ البريطانيون يشعرون بثقل مخلفات بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) على أرض الواقع في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشونها مع نهاية الوباء ودفن الملكة إليزابيث الثانية، التي يؤشّر رحيلها على دخول مرحلة قاسية في تاريخهم.
ووجد خصوم بريطانيا، وخاصة فرنسا، الفرصة مواتية لتسوية الحساب معها مستفيدين من ضبابية أفق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ومحدودية الخيارات أمام حكومة ليز تراس التي أثارت ميزانيتها المصغرة وخطتها لخفض الضرائب جدلا واسعا في الداخل والخارج.
برونو لومير: مغادرة أوروبا تأتي بكلفة باهظة لأن أوروبا توفر الحماية
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير الجمعة إنه “قلق” بشأن الوضع في بريطانيا، وإن لندن تدفع كلفة مغادرة الاتحاد الأوروبي، في موقف بدا أقرب إلى الشماتة منه إلى التضامن مع بلد جار توترت علاقة فرنسا معه بسبب صيد الأسماك وقضية المهاجرين، ووصل الأمر إلى حد التلويح بالمواجهة.
ويشكل عبور المهاجرين غير النظاميين نقطة حساسة، وهو مَصْدر توتر دائم لحكومة المحافظين البريطانية التي جعلت من مكافحة الهجرة محور حملتها في أوجّ عملية بريكست وتواجه تدفق لاجئين بأعداد كبيرة على الساحل الجنوبي.
وأضاف لومير “مغادرة أوروبا تأتي بكلفة باهظة لأن أوروبا توفر الحماية… منطقة اليورو وفرت لنا الحماية خلال أزمة كوفيد”.
ولم يكن الموقف الفرنسي هو الوحيد الذي ينتقد مسار بريطانيا ويأسف لما وصلت إليه، فصندوق النقد أصدر تقريرا شديد اللهجة تجاه بريطانيا، وتحدث عن الوضع داخلها وكأنه يتحدث عن الأرجنتين أو تركيا اللتين تعيشان وضعا اقتصاديا وماليا صعبا وفشلتا في إجراء الإصلاحات اللازمة.
وانتقد الصندوق خطة الحكومة البريطانية لخفض الضرائب، وحثها على إعادة النظر فيها، محذرا من أنها ستؤدي إلى تصاعد أزمة ارتفاع كلفة المعيشة، واعتبر أن خطط الخفض الضريبي ستزيد من انعدام العدالة بين المواطنين.
وأوضح التقرير أنه بالنظر إلى ضغوط التضخم المتزايدة في العديد من الدول، مثل المملكة المتحدة، “فإننا لا نوصي بحزم مالية كبيرة وغير موجهة في هذه المرحلة؛ لأنه من الضروري ألا تعمل السياسة المالية لأغراض تتعارض مع السياسة النقدية”.
ويرى خبراء أن الوباء غطى على الكثير من العيوب والمشاكل وأجّلها، وأن الحكومة البريطانية اتكأت على التداعيات الصحية التي خلفتها موجات كورونا لإغفال الإصلاحات ومعالجة الملفات التي يفرضها الخروج عن الاتحاد الأوروبي. وحين انتهى الوباء وقف البريطانيون على مشاكل كثيرة لا يمكن تجاوزها، خاصة في ظل الأزمة العالمية التي تمنعهم من الرهان على تمويلات أو استثمارات خارجية، فضلا عن ارتفاع الأسعار -لاسيما أسعار الطاقة- ومخلفات أزمة الغاز الروسي، ما حدّ من أفق الحلول خصوصا أمام حكومة جديدة مازالت تحت تأثير الشعارات الانتخابية.
ولا تستطيع الحكومة البريطانية أن تعلق أزمتها على شماعة الوباء أو تستخدمه للدفاع عن وضعها الراهن، فهي ليست وحدها المتضررة، والوباء ضرب كل العالم.
وكان الاقتصاد البريطاني قد دخل مرحلة ركود مع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انكماشا مدفوعا بالضربات القوية التي تعرضت لها مختلف القطاعات جراء تفشي الوباء.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تداعيات الجائحة على الاقتصاد البريطاني كانت أكثر قسوة مما سبق تصوره، إذ انكمش الاقتصاد في الأشهر الأولى من الجائحة بأكثر مما تم تقديره.
وقال صامويل تومس، كبير الاقتصاديين في شركة بانثيون ماكروإيكونوميكس، إن “الانكماش في النشاط الاقتصادي خلال عام 2020 أسوأ مما كان يعتقد سابقا، والانتعاش اللاحق أضعف”.
وتصر رئيسة الحكومة الجديدة على أن إجراءاتها لخفض الضرائب هي الخطة الصائبة في مواجهة ارتفاع فواتير الطاقة، وأن الهدف منها تحقيق النمو الاقتصادي رغم الاضطرابات في الأسواق التي أحدثتها الميزانية المصغرة التي أعلنها وزير المالية.
وبمرور الوقت بدأ الجنيه الإسترليني يدفع ثمن الإعلان الذي أدى إلى زعزعة ثقة المستثمرين في الاقتصاد لينخفض إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأميركي.
العرب