الانتخابات الكويتية.. صراع مستمر وإصلاح لا يتحقق

الانتخابات الكويتية.. صراع مستمر وإصلاح لا يتحقق

الكويت التي تعاني بسبب قربها من نقاط توتر تشكل تهديداً كبيراً بالنسبة لأوضاعها الداخلية، تعاني أيضاً من انقسامات سياسية حادة، وأزمات متلاحقة تتعلق بالحكومة وشخصيات نافذة تصطدم مع البرلمان الذي تم حله مرات عدة، ويقول المواطنون إن أسباب ذلك غالبا ما تكون مطالبة نواب بمساءلة وزراء على خلفية قضايا تشمل الفساد، في صراع قد لا تحله نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً.

الكويت – التأثير الأكبر في الوصول إلى النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت، كما يقول المراقبون، كان خطاب أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح الذي أكد فيه على عدم تدخل الحكومة بانتخابات المجلس، ما أعطى الثقة للناخبين ليقبلوا على التصويت بغرض اختيار نواب يعبّرون عن التوجه الإصلاحي “للعهد الجديد“.

وقد أتت انتخابات مجلس الأمة الكويتي المعلن عنها الجمعة الماضية، مطابقة للتوقعات، ما ترك انطباعاً أنه يمكن التوصل إلى توافق حكومي برلماني يمهّد لعملية الإصلاح التي طال انتظار الكويتيين لها.

فوز المعارضة قد لا يكون خبراً ساراً للحكومة الكويتية المقبلة التي تواجه تحديات اقتصادية ومطالب شعبية متزايدة

الشعب الكويتي ينتظر تمكين رقابة البرلمان من ناحية، وتمكين الحكومة من ناحية أخرى من أداء دورها. ويمكن من مخرجات هذه الانتخابات، تحقيق استقرار سياسي وتفاهمات بين مجلس الأمة والحكومة.

الكاتب والأكاديمي فيصل الشريفي قال لوكالة الأناضول إنه “كان جليا أن نتائج الانتخابات جاءت لتلبي طموحات الناخبين، وما نتوقعه في المرحلة المقبلة هو أن يكون هناك توافق برلماني حكومي للنهوض بتنمية البلاد وتصحيح المسار”.

وأضاف “المواطن قام بحسن الاختيار وعلى الحكومة اليوم أن تقوم بدورها، ورد التحية بأحسن منها من أجل تحقيق ما يرمي إليه المواطن“.

ويرى البعض أن هناك فرصة للتعاون لهذه المخرجات الوطنية، فالبدايات مشجعة مع إصدار التشريعات اللازمة التي تلامس الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

أما الإعلامي والأكاديمي علي السند فيرى أن “النتائج كانت متوقّعة وأبرزت رغبة الناخبين في الإصلاح عبر الوجوه التي اختارها، وكانت بمثابة رد التحية على خطاب أمير البلاد”.

ويضيف السند قوله “المراهنة في المرحلة القادمة ستكون على التشكيل الحكومي والوزراء الذين سيتم اختيارهم لما يتوافق مع مخرجات ونتائج الانتخابات التي أفرزت نوابا إصلاحيين”.

وسيكون هناك وزراء سوف يتم اختيارهم لهم الدور الكبير في خلق حالة التوافق البرلماني الحكومي الذي يعد عقبة دائمة في استمرار المجلس الذي تعرّض للحل في السنوات الأخيرة، وعمل الحكومة الذي يتعطل بشكل مستمر.

والمجلس بمثل هذه المخرجات يتطلب، حسب السند، حكومة قوية وبرنامج عمل قابل للتنفيذ.

ورأى الكاتب عبدالله جاسم الشمري أن الشعب الكويتي ”رد التحية للقيادة السياسية بعد خطاب الأمير وتم تغيير وجوه كثيرة من مجلس الأمة 2020″، وأضاف رئيس تحرير صحيفة “النخبة” الإلكترونية “نجح العديد من المرشحين الجدد والذين لم يسبق لهم خوض الانتخابات كما عاد الكثير من النواب السابقون والذين يحظون بشعبية كبيرة في دوائرهم”.

فأكثر من 20 نائبا سابقا لم يحالفهم الحظ بالفوز، وآخرون لم يخوضوا الانتخابات ربما لمعرفتهم بالنتيجة وبعدم رضا الناس عن أدائهم السابق، على حسب تعبير الشمري.

إضافة إلى ما سبق، فقد كان لإجراءات مجلس الوزراء الإصلاحية، مثل إضافة مناطق جديدة حرمت سابقا من حق التصويت، ولم تكن تضاف إلى الجداول الانتخابية لانشغال المجلس بنزاعات كثيرة، فجاءت قرارات مجلس الوزراء بإضافتها كخطوة إيجابية مما ساهم بإحداث تغيير وجوه جديدة، أما التصويت بالبطاقة المدنية فقد ساهم في نقل قيود كثيرة لمناطقها الأصلية وتغيير الثقل لدى بعض المرشحين.

مما لفت أنظار الكويتيين مشاركة قوى سياسية كانت في السابق تقاطع الانتخابات منذ مجلس ديسمبر 2012، ونسبة هذه المشاركة تجاوزت 55 في المئة.

ويبدو أن طموح المواطنين لتحقيق التنمية في جميع المجالات، حسب وجهة نظر الشمري، هو الدافع وراء تلك العودة، وهذا لا يكون إلا من خلال التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع وجود الإرادة الحقيقية في الإصلاح والإنجاز، والعودة إلى استثمار إمكانات البلاد ودورها الإقليمي.

ويبحث الكويتيون عن الاستقرار السياسي بعد فترة من الاضطراب قد تحسمها الانتخابات بإنتاج مناخ جديد لم يشهدوا فيه عملية شراء للأصوات، حرصت الحكومة على ضبطها.

ومن المتوقع إذا ما استمرت الحكومة على نفس النهج أن يحدث ذلك استقرارا سياسيا وتنمية في المجالات المختلفة.

وقد أفضت نتائج الانتخابات التي أجريت الخميس الماضي، وتنافس فيها 305 من المرشحين للفوز بـ50 مقعدا، إلى تغيير تركيبة مجلس الأمة بنسبة 54 في المئة.

وحققت المعارضة تقدما كبيرا في الانتخابات بحصولها على نحو 60 في المئة من مقاعد البرلمان، أي 30 مقعدا، كما تمكنت النساء من استعادة حضورهن في المجلس بحصولهن على مقعدين.

واحتفظ 23 نائباً من المجلس السابق بمقاعدهم، في حين دخل 27 نائبًا جديدًا إلى المجلس، وعادت وجوه شبابية من مجلس 2020، إضافة إلى وجوه شبابية جديدة، فيما تقلَصت مقاعد القبائل من 29 نائباً إلى 22.

وتمكن مرشحان بالفوز من داخل السجن، وهما مرزوق الخليفة وحامد البذالي، فيما قفز تمثيل الكتلة الشيعية في المجلس من 6 مقاعد في مجلس 2020 إلى 9 مقاعد.

أما الحركة الدستورية الإسلامية ”حدس“ فقد تمكنت من الحفاظ على مقاعدها الثلاثة، عبر ممثليها؛ أسامة الشاهين، وعبدالعزيز الصقعبي، وحمد المطر، كما فاز اثنان من المقربين منها، وهما فلاح ضاحي وعبدالله فهاد.

جاءت هذه الانتخابات إثر مرسوم أميري صدر في الثاني من أغسطس الماضي، تم بموجبه حل مجلس الأمة نظرا لعدم التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وتأسس مجلس الأمة الكويتي في 23 يناير 1963، ولا يصدر قانون في الكويت إلا إذا أقره المجلس وصدّق عليه أمير البلاد، ويتمتع البرلمان الكويتي بسلطات واسعة، ويشمل ذلك سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الحكومة والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار المسؤولين في الحكومة.

فالكويت التي تعاني بسبب قربها من إيران، ومن نقاط توتر تشكل تهديداً كبيراً بالنسبة إلى أوضاعها الداخلية تعاني أيضاً من انقسامات سياسية حادة بفعل التصادم المستمر بين البرلمان الذي تم حله في العديد من المرات وبين أصحاب النفوذ الواسع في البلاد، ويقول المواطنون إن أسباب ذلك غالبا ما تكون مطالبة نواب بمساءلة وزراء على خلفية قضايا تشمل الفساد والتستر عليه.

فوز المعارضة بهذه النسبة قد لا يكون خبراً ساراً للحكومة المقبلة التي تواجه تحديات اقتصادية ومطالب شعبية متزايدة، خاصة وأن حوالي 15 أو 16 نائبا من الذين أيدوا الحكومة السابقة سقطوا في هذه الانتخابات.

وبتعيين رئيس جديد للوزراء هو الشيخ أحمد النواف الصباح في يوليو الماضي اتخذت الحكومة خطوات اعتبرتها المعارضة ”إصلاحية“، كما أصدرت مرسوما باعتماد العنوان المدون في البطاقة المدنية لتحديد الدائرة الانتخابية التي يدلي فيها المواطن بصوته، لمنع التلاعب في سجلات الناخبين.

وبلغ عدد الناخبين نحو 796 ألف ناخب وناخبة، مقسمين على خمس دوائر انتخابية، وبلغ عدد اللجان 759 لجنة انتخابية موزعة على 123 مدرسة. وتمت الانتخابات وفقا لنظام الصوت الواحد لكل ناخب.

ورغم ذلك فإن الصراع حسبما رأى البعض لن يتوقف، وإنما سيستمر بين الفرقاء في مجلس الأمة، سواء داخل الأسرة الحاكمة أو خارجها وتحالفاتها من تجار وإعلاميين ونواب.

العرب