حين يقول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، إن نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، «لم يكن يمزح عندما أطلق التهديد باستخدام أسلحة نووية»، فهذا تصريح خطير جدا، فهذا الإقرار بإمكان استخدام بوتين للأسلحة النووية فعلا، ليس أمرا يهمّ الأمريكيين فحسب، بل البشريّة بأكملها.
إضافة إلى السلاح النووي، يذكر بايدن أيضا احتمال استخدام بوتين أسلحة دمار شامل أخرى، كالأسلحة البيولوجية والكيميائية، وهو ما يعيدنا إلى بداية الطريق الذي أوصل بوتين، وأوصل العالم معه، إلى هذا، وهو قرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بعقد صفقة مع بوتين، عام 2013، حين قام نظام بشّار الأسد السوري باستخدام أسلحة كيميائية على المناطق المعارضة، مما أدى لمقتل 1429 شخصا قرابة 400 منهم من الأطفال.
كانت الصفقة، عمليا، إعلانا واضحا عن إمكانية كسر «الخط الأحمر» الذي كان تحدث أوباما عنه، ومثّلت نجاة النظام السوري من العقاب، مثالا فصيحا لراعيه الروسي بوتين، الذي تابع خطّ كسر «الخطوط الحمر»، عبر اجتياح شبه جزيرة القرم ومناطق في شرق أوكرانيا، في عام استخدام السلاح الكيميائي في سوريا نفسه، وصولا إلى الاجتياح الأخير لكامل أوكرانيا ومحاولة قلب نظام الحكم فيها في شباط/فبراير من هذا العام.
الصاعق الذي سيشعل هذا الاستخدام سيكون تمكّن الجيش الأوكراني من استعادة المناطق التي ضمّتها روسيا إليها، وخصوصا إذا وصل الأمر إلى إمكانية سقوط شبه جزيرة القرم، لما يشكّله ذلك السقوط من خسارة استراتيجية للقوات البحرية للجيش الروسي.
سيكون ذلك إعلانا عن اقتراب بوتين من هزيمة محققة في أوكرانيا، وهو ما يعني، بشكل أو آخر، أنه قد يواجه مصير الإطاحة به، لمسؤوليته المباشرة عن الحرب الأوكرانية، وعن الخسائر الكبرى التي تعرّضت لها البلاد.
ستوفّر هذه العواقب الهائلة على روسيا أسبابا لدى كبار المسؤولين من النخب العسكرية ـ الأمنية الروسية للانقلاب على رئيسهم، ويمكن أن يتضافر هذا مع تظاهرات شعبية تواكب التصدّعات الكبرى ضمن النخبة الحاكمة.
استخدام النووي، في هذا السياق، سيسمح لبوتين بعرض معادلة انتحارية: وقف التصعيد النووي الذي يمكن أن يؤدي لفناء ملايين البشر مقابل وقف الهجوم الأوكراني ـ الغربي.
رغم أن الضربة الأولى ستكون، على الأغلب، على أراض أوكرانية، فإن الأمريكيين سيكونون المعنيّين الأساسيين بهذا التهديد النووي، بدءا من التحسّب، إذا اتسع نطاق النزاع، لهجمات نووية على مراكز السيطرة والقيادة الأمريكية، الموجودة في شتى بقاع الأرض، وعلى الأراضي الأمريكية نفسها، مرورا بطبيعة الردّ الأمريكي على خرق بوتين لـ«الخط الأحمر» النووي، وانتهاء بدراسة إمكانية حصول حرب نووية شاملة.
يساعد تصريح بايدن في محاولة فهم هذه الاحتمالات، فإشارته إلى أن الأمريكيين (أو البشر) «لم يواجهوا احتمال حرب نهاية العالم (ارماغدون كما يسميها) منذ (الرئيس الأمريكي الأسبق جون) كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية (عام 1962)» يعني، ببساطة، أن القيادة الأمريكية قد وضعت فعلا برنامجا للردّ على استخدام بوتين لأسلحة نووية.
المسألة الكبرى في هذه القضية أنها تبدو معلّقة بقرار شخص واحد يعتقد أنه يمثّل أمّته، كما يعتقد، على الأغلب أن دفع الأمور نحو الهاوية، هي طريقة لتعديل موازين القوى، وستر هزيمته، التي تسبّبت بها حساباته الخاطئة، وأدت إلى تدمير بلاد كبيرة، ومصرع عشرات الآلاف من الجنود الروس والأوكرانيين.
القدس العربي