يفتقر العراق إلى حسابات رسمية دقيقة تبين حجم الإيرادات المالية من الضرائب، حيث تغيب الإحصائيات الرسمية التي تبين الأرقام الحقيقية لحجم العائدات الثابتة والمتغيرة المتحصلة من منافذ الجباية الضريبية، لا بل إن الفساد وصل إلى ذروته لتعلن وزارة المالية العراقية عن إعفاء مدير هيئة الضرائب ومعاونه وعدداً من المديرين من وظائفهم، على خلفية اختفاء مبالغ مالية كبيرة من العائدات المالية.
وبينت وثيقة رسمية، صادرة عن وزارة المالية بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول، نتائج لجنة التحقيق التي كشفت عدم سيطرة الهيئة على المبالغ المالية، فضلاً عن وجود خروقات إدارية أوصت بموجبها بإعفاء مدير عام الهيئة من منصبه.
قال الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي، نبيل جبار العلي، إن الفساد في قطاع الضرائب له أبواب متعددة، منها ما يتعلق في الفساد في عقود الشراء والمقاولات التي تجريها مؤسسات الدولة وفق موازنتها التشغيلية والاستثمارية، ومنها ما يتعلق بالفساد الجاري كالقرارات المتعلقة بإجازات الاستثمار والاستثناءات الجمركية أو الاستثناءات الخاصة بالاستيراد.
وأضاف العلي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن هناك عمليات فساد ضريبي تتعلق بإدارة أموال الدولة، وكيفية توزيعها على شكل أرباح للموظفين أو تعاقدات غير نافعة وغير مجدية، مسببةً هدرا وفسادا مركباً بالمال العام على حساب تقديم الخدمات.
وشدد على أهمية التركيز على تعزيز النزاهة بدلا من التركيز على مكافحة الفساد، ما يعني رسم سياسات وإصلاح أنظمة من خلال قرارات وإجراءات تساهم في إنهاء الهدر والفساد في الإنفاق الحكومي العام. وأوضح أن الهدر والفساد من أبرز سمات الحكومات المتعاقبة في العراق بعد 2003، ويقف سوء التنظيم والجهل بالإضافة للنوايا السيئة على رأس الأسباب المسببة للهدر، فضلاً عن مصالح المنظومة السياسية التي تُعد من أهم أسباب استمرار الفساد بطريقة ممنهجة ومنظمة.
ورأى العلي أن الضرائب هي باب واسع لتدفق الأموال إلى خزينة الدولة وإعادة توزيع الموارد والدخل وفق معايير محددة لتحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى وظائف أخرى تتعلق بالسياسات النقدية والسيطرة على التضخم. وأكد أن الأرقام المعلنة في ميزانيات الدولة حول المبالغ المتحصلة من الضرائب دون مستوى التقديرات، فعادة يُقدّر المبلغ بما يقارب 3 ترليونات دينار عراقي، إلا أن القيمة الحقيقية قد تتجاوز 7 ترليونات دينار سنوياً وربما أكثر.
وتختص حكومات الأقاليم والمحافظات وفق دستور 2005 بجمع الضرائب الاتحادية تحت إشراف ديوان الرقابة المالية الاتحادي، لإصلاح الرقابة وكفاءة الإدارة، وتخفيف البيروقراطية.
إلا أن عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أحمد الصفار، رأى أن النظام الضريبي العراقي قديم ولا ينسجم مع المتغيرات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، ويحتاج البلد إلى إصلاح ضريبي شامل، وخطط كفيلة بمعالجة الفساد الكبير المستشري في مفاصل هذه المؤسسة.
وبيّن الصفار، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن العراق ما زال يعمل بقانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982، وهذا القانون قديم جداً ويحتاج إلى تغيير شامل، مشدداً على أهمية تغيير شكل إدارة هيئة الضرائب من خلال كوادر تعمل وفق تقنيات وأنظمة حديثة ومتطورة للقضاء على الفساد والاتفاقات المشبوهة.
وكشف الصفار عن أن ما يدخل إلى خزينة الدولة من الضرائب لا يتجاوز 10 في المائة من عمليات التحصيل، أما النسبة الحقيقية فتدخل ضمن جوانب التهرب الضريبي وجيوب أخرى خارج خزينة الدولة، مطالباً هيئة النزاهة والجهات الرقابية المعنية بالتحقيق للكشف عن عمليات الفساد والهدر التي طاولت عمل هيئة الضرائب طوال السنوات الماضية.
وقالت القانونية زينب الساعدي إن شكل الفساد في العراق لا يقتصر على الضرائب فحسب، إنما هناك منظومات فساد متعددة تسيطر على مفاصل الدولة العراقية.
وبينت الساعدي، لـ”العربي الجديد”، أن هيئة النزاهة والقضاء جهات رقابية ساهمت في تعزيز الفساد، من خلال تبرئة الكثير من المتنفذين الفاسدين، أو فرضت غرامات مالية لا تصل إلى حجم الأموال التي سُرقت. وأوضحت الساعدي أن المادة الثامنة والخمسين من قانون الضريبة رقم 113 لسنة 1982، نصت على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على السنتين بحق المتهرب ضريبياً.
ومن جهته، شدد الخبير القانوني، علي التميمي، على ضرورة إبعاد النفوذ السياسي عن الأداء القضائي ومنع أصحاب النفوذ من استخدام التأثير السياسي والمالي في التأثير على المحكمة. وقال التميمي لـ”العربي الجديد” إن القضاء العراقي يجب أن يأخذ دوره، وأن تنفذ أوامر القبض والتحري ومنع السفر بحق المتسببين بهدر المال العام والمتسترين على عمليات الفساد، وألا يستثنى أحد من العقوبات القانونية الرادعة.
وأضاف أن على الدولة العراقية تشكيل محكمة مختصة تتمتع بالاستقلالية التامة لأغراض التحقيق والمحاكمة في عمليات الفساد الإداري والمالي.
العربي الجديد