رسائل أميركية ملتبسة تجاه الجزائر: تشدد الكونغرس وليونة الدبلوماسية

رسائل أميركية ملتبسة تجاه الجزائر: تشدد الكونغرس وليونة الدبلوماسية

الجزائر- لا تفوّت السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيت مور أوبين الفرصة للظهور ومخاطبة الجزائريين وتهنئتهم بالمناسبات الوطنية والدينية، لكن هذا الموقف يبدو متناقضا مع تصريحات حادة لأعضاء في الكونغرس طالبوا بتسليط عقوبات على الجزائر بسبب شراء الأسلحة من روسيا بشكل يتضارب مع العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.

وقال متابعون للشأن الجزائري إن تحركات السفيرة تبدو أقرب إلى المبادرات الشخصية ورغبتها في بناء علاقات من الثقة مع المسؤولين الجزائريين، فيما يمثل الكونغرس سلطة القرار في واشنطن، وهو الأقرب إلى التعبير عن الموقف الأميركي، وأن الجزائر عليها أن تتعامل مع رسائله أكثر من الاحتفاء بشعبوية السفيرة.

وبلباس تقليدي جزائري، ظهرت أوبين رفقة طاقم من السفارة وهي تهنئ الجزائريين بمناسبة المولد النبوي، في استمرار لظهور سابق بمناسبة عيد الأضحى، حيث ظهرت وهي تقوم باقتناء كبش العيد من أحد الأسواق بالعاصمة، مع إرسال تهنئة مماثلة للجزائريين.

لكن ذلك لا يغفل الرسائل التي ما فتئت تبلغها للسلطات الجزائرية على مختلف المستويات فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والعلاقات مع روسيا.

وتتضارب القراءات في الجزائر حول نشاط الدبلوماسية الأميركية شعبيا ورسميا، بين من يرى أن ما تقوم به هدفه امتصاص غضب الجزائريين بعد العريضة التي وجهها أعضاء الكونغرس للحكومة الأميركية، وبين من يراه اتصالات لنفس الغرض لكن بطريقة لينة لإقناع الجزائريين برغبة واشنطن في قطع الطريق على روسيا مع حلفائها التقليديين، وأن على الجزائر أن تنأى بنفسها عن موسكو.

ولا يزال اللقاء الذي وصف بـ”غير المسبوق” الذي جمع السفيرة الأميركية منذ أسابيع مع قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، وعدد من قيادات المؤسسة العسكرية، يثير التأويلات إلى حد الآن.

وذهب المتابعون حينها إلى القول إن الدبلوماسية الأميركية المطلعة على تركيبة النظام السياسي الجزائري ودور المؤسسة العسكرية ونفوذها بداخله، أرادت اختصار المسافات والوقت والذهاب مباشرة إلى صلب الملف، لتبليغ رسائل بلادها إلى الفاعلين الحقيقيين في السلطة، بالابتعاد عن التعاون المطرد مع روسيا، خاصة وأنها تعلم علاقة الولاء التي تربط القادة الحاليين للجيش بموسكو.

وبنفس المنهجية تواصلت اتصالات السفيرة الأميركية إليزابيت مور أوبين، مع مسؤولين سياسيين آخرين اجتمعت فيهم الصبغة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، حيث التقت في الآونة الأخيرة بوزير الخارجية رمطان لعمامرة، والأمين العام لحزب جبهة التحرير أبوالفضل بعجي، ووزير البريد وتكنولوجية الاتصالات كريم بيبي تريكي.

◙ السفيرة الأميركية تسعى لإقناع الجزائريين برغبة واشنطن بأن تنأى الجزائر بنفسها عن موسكو حتى لا تتعرض إلى العقوبات

وعكس النبرة الحادة التي وردت في عريضة أعضاء الكونغرس الأميركي من أجل معاقبة الجزائر، في ظل استمرار تعاونها العسكري مع روسيا مما يعتبر مصدرا لتمويل خزينة روسيا رغم الحصار المضروب عليها من طرف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإن خطاب الدبلوماسية اتسم بلغة لينة لكنها مثيرة للشكوك.

ولا يستبعد أن تكون السفيرة الأميركية بصدد تحصيل معطيات حقيقية حول المشهد العام في الجزائر، ودراسة موازين القوة داخل دوائر القرار السياسي في البلاد، بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية والطبقة السياسية.

وذكر بيان لحزب جبهة التحرير الوطني في أعقاب اللقاء الذي جمع بين أمينه العام أبوالفضل بعجي والسفيرة الأميركية بأن “الطرفين استعرضا العلاقات التاريخية بين البلدين، وسبل ترقيتها إلى أعلى المستويات في مختلف الجوانب، خاصة الاقتصادية، وهذا من خلال تكثيف الاستثمارات، فضلا عن عملية التجديد المؤسساتي سياسيا واقتصاديا في الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون”.

وكانت النائبة الجمهورية ليزا ماكلين وعدد من زملائها في الكونغرس قد طالبوا منذ أسبوع في رسالة إلى وزارة الخارجية بفرض عقوبات على الجزائر لشرائها أسلحة روسية وفق قانون “كاتسا”.

وقالت الرسالة إن “روسيا هي أكبر مصدّر للأسلحة العسكرية إلى الجزائر. وأبرمت الجزائر في العام الماضي وحده صفقة شراء أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 7 مليارات دولار. ووافقت في هذه الصفقة على شراء طائرات مقاتلة روسية متقدمة، بما في ذلك سوخوي 57. ولم توافق روسيا على بيع هذه الطائرة إلى أيّ دولة أخرى حتى الآن. وجعل هذا من الجزائر ثالث أكبر متلق للأسلحة الروسية في العالم”.

وانتقدت ماكلين عدم إقدام وزارة الخارجية الأميركية على وضع عقوبات يمكن فرضها على الجانب الجزائري، بسبب حجم الشراءات للسلاح الروسي، قائلة “رغم أن صفقة شراء الأسلحة الأخيرة بين الجزائر وروسيا ستُصنّف على أنها ‘صفقة مهمة’ بموجب قانون مكافحة الإرهاب، فإن وزارة الخارجية لم تضع أي عقوبات يمكن فرضها”.

وحذّرت ماكلين من استغلال روسيا لعائدات مبيعات الأسلحة إلى الجزائر في حربها على أوكرانيا قائلة إن “روسيا في حاجة ماسة إلى الأموال لمواصلة جهودها الحربية مع استمرار عملياتها في أوكرانيا.

وقد أدت محاولة روسيا تسليط عقوبات على الاتحاد الأوروبي بسبب تدخله في الصراع إلى إيقاف الدول الأوروبية مشترياتها من الغاز الطبيعي، وجعل الرئيس فلاديمير بوتين يواجه تقلّص تدفق الأموال إلى خزائن الحكومة الروسية”.

العرب