على الرغم من ضعف المعارضة الحقيقية في مجلس النواب العراقي منذ انطلاق دورته الأولى عام 2006، فإن بعض الكتل السياسية التي كانت تشارك في تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة كانت تلعب هذا الدور، وخصوصاً التيار الصدري.
ولعب التيار الصدري هذا الدور في الدورات التشريعية السابقة على رغم تمثيله في الحكومة العراقية للتعبير عن مشكلات ناخبيه، وأغلبهم من البسطاء والفقراء الشيعة، الأمر الذي أعطى بعض الحيوية لعمل مجلس النواب، وكان واضحاً في الضغط على باقي الكتل السياسية لتمرير بعض القوانين والتشريعات التي طالب بها “متظاهرو تشرين” عام 2019، ومنها تعديل قانون الانتخابات وحل مجالس المحافظات وتقليص السن القانونية للتقاعد، وغيرها.
في المشهد السياسي الذي يتحرك حالياً بغياب التيار الصدري، فإن المعارضة السياسية، وخصوصاً أغلب النواب المستقلين تحولوا إلى داعمين لـ”الإطار التنسيقي” في تشكيل حكومته، باستثناء بعض نواب حركة امتداد والجيل الجديد الذين لا تتعدى اعدادهم أصابع اليد الواحدة. هذا الأمر قد يجعل البرلمان العراقي مجرد انعكاس كامل للحكومة العراقية، خصوصاً مع وجود أنباء عن مشاركة جميع الكتل الحالية بالبرلمان في تشكيل الحكومة وإدارة مؤسسات الدولة.
امتداد للسابق
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي، إن “البرلمان الحالي سيكون امتداداً للمراحل السابقة، لكون القوى السياسية لا تؤمن بالمعارضة، وفي بعض الأحيان تقمعها بقوة السلاح، وهذا ما حصل في تشرين، وثورة عاشوراء”.
وأضاف “التشريعات التي تصدر عن البرلمان لا تخدم المواطن، فمثلاً لا يوجد ضمان صحي في بلد وارداته السنوية تتجاوز 120 مليار دولار، كما أنه ليست هناك خطة حقيقية لإصلاح التعليم. هذه الأمور عادة تتبناها المعارضة التي تعني في العالم المتقدم حكومة ظل تراقب مستوى الأداء. وحكومة الظل هذه تقدم مشروع دولة حقيقية”.
ولفت إلى أن “المعارضة يجب أن تسهم لتعديل المسار، والقوى القابضة على السلطة تؤمن بضرورة أن يكون الجميع مشاركاً فيها وتوزع الوزارات على أساس المقاعد”، مشيراً إلى أن “الجميع في لحظة تكليف محمد شياع السوداني تقدم بأحر التهاني له مع العلم أن بينهم من قدم انتقادات لاذعة له فيما مضى”.
لا توجد محاسبة
وعن إمكانية محاسبة التشكيلة الوزارية المقبلة مع عدم وجود معارضة أوضح الفيلي، “أن الخط البياني في مجالات الصحة والتعليم وكل المراحل السابقة مستنسخة لم تقدم تطوراً عن المرحلة السابقة، والمطالبات للقوى السياسية من بعضها تجاه الآخر هي نفسها وبذلك لا نتوقع محاسبة، لا سيما أنه لم يتم محاسبة من اتهموا بالفساد منذ 2003”. واعتبر أن “فكرة المعارضة في العقلية السياسية العراقية تعني الخيانة، ولذلك ليس له حيز في الوجود. ومن يعترض عليهم يتم تشويهه عبر الجيوش الإلكترونية التي يمتلكها كل حزب تجاه الآخر”.
غابت الأغلبية والأقلية
من جانبه، يرى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن “الديمقراطية البرلمانية تعتمد على معادلة التوازن بين الأغلبية التي تشكل الحكومة والمعارضة التي تلعب دوراً جوهرياً في النقد وتقييم التشريعات والمواقف والسياسات ونقد وتقييم سياسات الحكومة وقدراتها على تنفيذ البرنامج الذي أقر على صعيد مجلس النواب وممارسة عملية الرقابة”.
وأضاف أن “البرلمان بسبب سياسات ممنهجة اتبعت منذ 2003 حتى يومنا هذا تمثل أداؤه في سياسات توافقية وفق مبدأ الجميع يتوافق مع الجميع من دون أي معارضة وأي انتقاد”. وأشار إلى أن “الوضع شبيه بالبرلمان الشمولي الذي يظهر في النظم الاستبدادية ونظام الحزب الواحد”.
وأوضح أن “الوضع الراهن الذي يعيشه البرلمان يسفر عن سياسات وقرارات توافقية وتبادل مصالح بين الأحزاب على اختلافها وتوزع المناصب والحصص والمواقع ومراكز النفوذ في الوزارات والحقائب الوزارية طبقاً للأعداد الموجودة لكل حزب”.
وتابع فيصل أن “البرلمان العراقي لا توجد لديه رؤية نقدية في الوزارات، ولذلك هناك مشكلة جدية في المعادلة التوافقية لأن مجلس الوزراء لا يقاد فعلاً من قبل رئيس الوزراء، بل من الأحزاب التي تتبعها الوزارات، هذا النموذج فريد وغير موجود في دول العالم الديمقراطي، ولذلك تكون الوزارات بعيدة عن المحاسبة والنقد”.
برلمان بلا معارضة
ويرى الصحافي باسم الشرع أن “مجلس النواب العراقي أصبح من لون واحد بعد غياب التيار الصدري الذي كان يعمل هذا الدور، ولو بشكل خجول أثناء وجوده في البرلمان. وأوضح أن “انسحاب التيار الصدري وتحول أغلب المستقلين والذين قسم منهم تم انتخابهم من قبل جمهور احتجاجات تشرين إلى موالين للإطار التنسيقي أو موافقين على خطواته لتشكيل الحكومة، أنهى أي أمل بوجود معارضة حقيقية بين النواب الحاليين”.
وتوقع الشرع أن “يمرر مجلس النواب القوانين وفق صفقات سياسية كما كان قبل 2018 ومن عوامل ضغط لتغيير وتعديل بعض القوانين”. وأشار إلى أن “المناخ الحالي في البرلمان قريب من أجواء برلمان 2010 الذي أدى فيه التوافق الشامل إلى مشكلات عدة مرت بها البلاد”.
أضاف الشرع أن “التجربة العراقية كانت غريبة لكون المشترك في الحكومة مثل التيار الصدري يمارس دور المعارضة، لكنها أفضل من عدم وجود لها قد يمنع تمدد بعض القوى السياسية في جميع مؤسسات الدولة الأمنية والاقتصادية من دون مراقبة أو رفض واضح، وأن كثرة المشاركين في حكومة محمد شياع السوداني سيجعل منها حكومة توافقية واسعة قد تنهي معها أي دور رقابي للنواب”.
استجواب وإقالة الوزير المقصر
وفي رده عن غياب المعارضة بالنواب العراقي وتأثيراته لدى صناع القرار بالبلاد، قال النائب عن تحالف الفتح سالم العنبكي إن “هناك عدداً من الكتل المعارضة بالبرلمان. وعلى الرغم من أنه ليس بالمستوى المطلوب الذي كنا نطمح إليه، فإن هناك الجيل الجديد وامتداد وبعض المستقلين وجماعة تشرين وإشراقة كانون”، مشيراً إلى أن “المعارضة تحتاج إلى أدوات حقيقية وتمثيل أوسع لتكون مؤثرة فضلاً عن تمثيل في هيئة الرئاسة ليعطيهم دفعاً أكبر أثناء أدائهم مهامهم، ونأمل في الدورات المقبلة أن نشهد معارضة حقيقية”.
وأوضح، أن “وضع البلد حرج خلال الدورة البرلمانية الراهنة، وتأخر تشكيل الحكومة لمدة سنة مما أدى الى ضغط كبير على جميع الكتل السياسية. تكلمنا مع رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني وأكدنا دعمنا له ما دام حريصاً على وحدة العراق وشددنا على أن تكون الحكومة خدمية، ونحن معه في محاسبة أي وزير بغض النظر على انتمائه الحزبي”.
وأشار العنبكي إلى أن “رئيس الوزراء المكلف حريص على تنفيذ برنامجه دون إملاءات من أي كتلة “، مؤكداً أن “البرلمان سيستجوب الوزير المقصر ويقيله إذا بلغ الأمر لذلك، كائناً من يكون”.
اندبندت عربي