ما لم تحصل مفاجأة، سيبقى الرئيس الصيني شي جينبينغ البالغ 69 عاما والحاكم منذ 2012 على رأس السلطة حتى 2027، ليصبح القيادي الأشد نفوذا منذ أيام مؤسس النظام الماركسي المتشدد ماو تسي تونغ. ويستعد شي لتكريس سلطته بالفوز بولاية جديدة من خمس سنوات على رأس ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي يبدأ الأحد في بلد انغلق على نفسه أكثر من ذي قبل، بعد أن صدّر للعالم فايروس كوفيد – 19.
بكين – نحو 2296 مندوبا صينياً قادمون من مختلف مقاطعات البلاد سيبقون في حالة اجتماع لحوالي أسبوع في قصر الشعب، المبنى الضخم الستالينيّ الهندسة الواقع في ساحة تيان أنمين بوسط بكين، في ظلّ إجراءات أمنية معززة. وسوف يقومون بتعيين اللجنة المركزية الجديدة التي هي بمثابة برلمان للحزب وتتشكل من 200 عضو أولى مهامها ستكون التصويت لاختيار المكتب السياسي، وهو الهيئة التي تتخذ القرارات السيادية في الصين.
ويقول الخبير في الشؤون الصينية الفرنسي جان فيليب بيجا إن كل شيء معدٌّ ومحسوم مسبقا لأن المؤتمر عادة ”لا يجرى قبل أن تتفق مختلف الفصائل”. وسوف يلقي شي خطابا في افتتاح المؤتمر يعرض فيه تقريره الذي يمثل حصيلة لولايته ويعطي مؤشرات عن برنامجه للسنوات الخمس المقبلة.
صفر انفتاح
وقد سبق لشي أن وعد خلال مؤتمر العام 2017 بـ”عصر جديد” للاشتراكية على النمط الصيني، متعهدا بأن بلاده “ستنفتح أكثر” على العالم، مؤكداً أن “الانفتاح يجلب التقدم، والانغلاق يعيد إلى الخلف. الصين لن تغلق أبوابها”.
جان بيار كابيستان: إعادة فرض عبادة الشخصية في قيادة الحزب تجعل الأمور تسير باتجاه شي ليبقى في السلطة ربما مدى الحياة
وبعد خمس سنوات، تبدو الصين منغلقة أكثر من أيّ وقت مضى في ظل انتشار الوباء، ففيما يعود باقي العالم تدريجيا إلى حياة طبيعية، تتمسك بكين بسياسة “صفر كوفيد” صارمة تقلّص حركة الملاحة الجوية إلى أدنى حدّ ممكن وتفرض حجرا صحيا إلزاميا على الوافدين وتدابير عزل متتالية على مدن وبلدات.
وتثير هذه السياسة المتشددة استياء قسم من الصينيين، خاصة في أوساط رجال الأعمال الذين يخشون التضحية بالنمو الاقتصادي بذريعة القيود الصحية. وترى الباحثة يو جي من مركز “تشاتام هاوس” للدراسات أن “سياسة صفر كوفيد التي تتبعها بكين أحبطت الاستثمارات الضرورية ولم تنجح في الفوز بقلوب الشباب الصينيين وأذهانهم، وهي الفئة التي عانت أكثر من سواها اقتصاديا واجتماعيا”.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، عمّق شي الهوة بينه وبين الولايات المتحدة، كما ضاعف الخلافات مع الهند وأستراليا وكندا، وأكد عزمه على إعادة ضم جزيرة تايوان، ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر.
فلقد أضرّت سياسة الانغلاق الصينية التي تتمسك بها السلطات أكثر مما أضرّ بها الوباء ذاته، وغالبا ما تؤدي هذه السياسة إلى إغلاق شركات ومصانع، فتضر بالنشاط الاقتصادي وبحركة النقل، كما تنعكس بشدة على استهلاك الأسر.
وبالرغم من وطأتها على الاقتصاد، يحذر الخبير تينغ لو من بنك نومورا بأنه “لا يظهر أيّ مؤشر على تليين سياسة صفر كوفيد”، مشيرا على العكس إلى تشدّد في تطبيق التدابير الصحية. وأكدت الصحافة الرسمية الصينية هذا الأسبوع أن التراخي حيال الفايروس سيكون “غير مسؤول”، مبددة أيّ أمل بالعودة إلى وضع طبيعي في المدى القريب.
وقد ظهرت في الأيام الماضية بؤر إصابات جديدة بعثت مخاوف من العودة إلى القيود الصارمة وخصوصا في شنغهاي، الرئة الاقتصادية والمالية للصين التي شهدت تدابير إغلاق قاسية على مدى شهرين في الربيع.
وبمعزل عن أزمة كوفيد، تبدو بكين عازمة في مطلق الأحوال على الحد من اعتمادها على العالم، ما يوحي بأن انغلاقها قد يدوم طويلا. وعلق جان فيليب بيجا أن “العديدين في الصين يقلقون لرؤية البلد يدخل مجددا ربما في حقبة عزلة” كما كان الحال قبل انفتاحه على التجارة العالمية في أواخر السبعينات.
ومن الصعب معرفة ما يجري في كواليس الحزب الشيوعي الصيني، أحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم بأعضائه الـ96.7 مليون والذي يتسم بغموض شديد، وستُكشف تشكيلته الجديدة أمام الكاميرات بعد يوم على انتهاء المؤتمر، على أن يتم تثبيت أمينه العام بعد ذلك رئيسا للبلاد خلال الاجتماع السنوي للجمعية الوطنية في مارس المقبل.
لكن هل يتولى شي الرئاسة لخمس سنوات أم أكثر؟ يقول الباحث جان بيار كابيستان المتمركز في هونغ كونغ والمشارك في مركز “إيجيا سنتر” للدراسات، إنه وعلى ضوء الترويج لفكره وإعادة فرض عبادة الشخصية وأهمية سلطته في قلب قيادة الحزب، فإن ”الأمور تسير باتجاه شخص سيبقى في السلطة لفترة طويلة وربما مدى الحياة”.
ويحذر ستيف تسانغ مدير “معهد الدراسات الشرقية والأفريقية – الصين” في لندن أن اختيار محيطه على أعلى مستويات الحزب سيكون أمرا جوهريا، معتبراً أن “شي سيحرص على توجيه رسالة واضحة: أي شخص يترقّى إلى اللجنة الدائمة لن يكون خلفا في المؤتمر الحادي والعشرين” عام 2027.
أما الباحثة ياكيو وانغ من منظمة هيومن رايتس ووتش فتؤكد أن “ولاية الرئيس شي الثالثة التي تولّد سابقة، هي مؤشر سيء لحقوق الإنسان في الصين وفي العالم”. ولا شكّ أن هذا نبأ سيء حتما لناشطي حقوق الإنسان الذين ينددون بحملة قمع شديدة خلال عشر سنوات من حكم شي.
الصين ستعلن خلال انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي أرقام النمو الاقتصادي الفصلي الذي يتوقع أن يكون الأضعف منذ 2020، في ظل القيود المفروضة لمكافحة وباء كوفيد وتبعات الأزمة العقارية. وسوف يُكشف عن النسبة الرسمية للنمو في الفصل الثالث من السنة مع مجموعة من المؤشرات الاقتصادية.
وتتوقع مجموعة من 12 خبيرا قابلتهم ”فرانس برس“ زيادة إجمالي الناتج المحلي لثاني أكبر اقتصاد في العالم بمتوسط 2,5 في المئة بوتيرة سنوية للشهور الماضية منذ يوليو هذا العام. وكان النمو تراجع في الفصل السابق إلى 0.4 في المئة فقط بوتيرة سنوية، مسجلا أسوأ أداء منذ 2020، بعد 4.8 في المئة في الفصل الأول.
ويعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن الصين ستواجه صعوبة في تحقيق هدفها للنمو المحدد بحوالي 5.5 في المئة لهذه السنة. علمًا أن صندوق النقد الدولي خفض مجددا توقعاته لإجمالي الناتج المحلي هذه السنة إلى3.2 في المئة وللسنة المقبلة إلى 4.4 في المئة.
ويجمع محللون على توقع متوسط للنمو قدره 3 في المئة للعام الحالي، بفارق كبير عن نسبة 8.1 في المئة المسجلة في السنة الماضية. وستكون هذه أضعف وتيرة نمو خلال أربعة عقود في الصين، باستثناء فترة تفشي كوفيد – 19.
ويرى المحلل كليفورد بينيت من مكتب “إيه سي واي سيكيوريتيز” أن التحدي السياسي يكمن في الإقرار بأن الاقتصاد بلغ مستوى نضج معين وأن أرقام النمو ستبقى بشكل دائم دون 5 في المئة للعقد المقبل.
تعاني الصين إضافة إلى آثار سياسة ”صفر كوفيد“ من أزمة غير مسبوقة في القطاع العقاري الذي يشكل تاريخيا محركا للنمو في الصين. ويواجه هذا القطاع الذي يمثل مع البناء أكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي الصيني، صعوبات بفعل إجراءات أقرتها بكين عام 2020 للحد من المديونية.
وبعد سنوات من الارتفاع الحاد، تراجعت حركة بيع العقارات في العديد من المدن، وتكافح شركات تطوير عقاري عديدة من أجل البقاء فيما يرفض بعض الملاّك دفع أقساطهم الشهرية لقاء مساكن لم يكتمل إنشاؤها.
ويلفت المحلل توماس غاتلي من مكتب “غافكال دراغونوميكس” المتخصص في الاقتصاد الصيني إلى أن “مؤشرات كثيرة انتعشت بشكل جيد نسبيا” بعد تدابير الحجر في الربيع. وأبقت مبيعات السيارات الخاصة في الصين على حيويتها في سبتمبر الماضي مدعومة بالطلب القوي على السيارات المراعية للبيئة. كما ازدادت الصادرات في أغسطس بنسبة 7.1 في المئة بوتيرة سنوية وأطلقت الصين استثمارات في البنى التحتية دعما للنشاط. لكن غاتلي يحذر من أن “دعائم النمو هذه باتت هشة”.
غير أن الاقتصاد الصيني يواجه مشكلات جوهرية أكثر تتعلق بعملية تحول النموذج الاقتصادي، حسب الخبراء، فبعد عقود من النمو المبنى على الاستثمارات والتصدير، لم تعد الصين تريد أن تبقى مشغلَ العالم، بل تطمح إلى “اقتصاد حديث” موجه نحو التكنولوجيات المتطورة والاستهلاك، تكون له قيمة مضافة أكبر. وذلك الاقتصاد الجديد “يجد رغم كل شيء صعوبة في الحلول محل الاقتصاد القديم”، والنقطة الأساسية أن هذا النمط قلما يولد وظائف وبالتالي لا يعرف كيف سيتمكن الرئيس شي الذي يطمح إلى المزيد من الحكم من توظيف كل هذه الطبقة المتوسطة الموجودة في الصين.
العرب