شهدت العلاقات الأمريكية السعودية حالات من المد والجزر والتعاون والتحالف الاستراتيجي خلال الثمانين سنة الماضية وخاصة منذ حشد نصف مليون جندي وعسكري أمريكي في السعودية وشن عملية درع وعاصفة الصحراء وتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي-1990-1991-وتمركز القوات الأمريكية بقواعد عسكرية دائمة من أقصى شمال الخليج العربي الكويت إلى أقصى جنوبه وخليج عمان وبحر العرب في عمان.
لكن بقيت العلاقات وثيقة واستراتيجية لكون الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة في النظام العالمي بقواعد وحضور عسكري في جميع الدول الخليجية ومياه الخليج. قيادة القوات البرية في الكويت وقيادة القوات البحرية في البحرين والقيادة الجوية في قاعدة العديد في قطر وكذلك قواعد عسكرية في الظفرة في أبو ظبي وفي مسقط وعلى خليج عمان-وحاملة طائرات وأسطول السفن العسكرية المساندة. هذه القيادات تتبع القيادة المركزية الرئيسية-القيادة الوسطى ـ في قاعدة العديد في قطر.
أثبتت دول مجلس التعاون الخليجي منذ تحرير دولة الكويت عام 1991 وإقامة قواعد عسكرية دائمة في المنطقة بأنهم حلفاء موثقون لا يكلفون دافعي الضرائب الأمريكيين سنتاً، عكس إسرائيل التي تكلف دافعي الضرائب 3.8 مليار دولار سنوياً تشتري بها إسرائيل أسلحة أمريكية!
ظهر ذلك جلياً فيما قدمته دول مجلس التعاون الخليجي من دعم وإسناد وإقامة جسر نقل حوالى 100 ألف أمريكي وأفغاني ومن عشرات الدول الأخرى من كابول إلى العواصم الخليجية وبالدرجة الأولى قاعدة العديد، حيث نقلت قطر أكثر من 70 ألفا من الذين تم إجلاؤهم بعد إصرار الرئيس بايدن على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد أطول حرب دامت 20 عاماً-وتقديراً لدور قطر وجه الرئيس بايدن شكراً خاصاً لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد وزار الدوحة وزيرا خارجية ودفاع الولايات المتحدة الأمريكية لشكر القيادة على عملية الإجلاء. وكذلك قامت الكويت والإمارات باستضافة بضعة آلاف ممن تم إجلاؤهم من أمريكيين وأفغان عن طريق الترانزيت عبر الكويت.
شهدت العلاقات الخليجية-الأمريكية خلال العقد الماضي كثيرا من التباين في المواقف-رفضت السعودية المشاركة في حرب إسقاط نظام صدام حسين 2003. وفي خضم حربي ومستنقعي أمريكا في أفغانستان والعراق ما هدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، تضاف لمخاوف انكفاء أمريكا، بعد إعلان الرئيس أوباما استراتيجية «الاستدارة شرقاً عام 2012» للهرب من حروب استنزاف الشرق الأوسط الدائمة ـ ولاحتواء صعود وتمدد الصين وتحدي روسيا، ولأهمية توسيع الحضور الأمريكي في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ، حيث مركز الثقل العالمي المستقبلي.
شهدت العلاقات الأمريكية السعودية حالات من المد والجزر والتعاون والتحالف الاستراتيجي خلال الثمانين سنة الماضية وخاصة منذ حشد نصف مليون جندي وعسكري أمريكي في السعودية وشن عملية درع وعاصفة الصحراء وتحرير دولة الكويت
شعرت دول مجلس التعاون الخليجي بالخذلان بعد توقيع إدارة أوباما مفاوضات سرية، الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، دون الأخذ في الاعتبار الهواجس الخليجية حول أنشطة إيران المزعزعة للأمن والاستقرار، وتقييد برنامج إيران الصاروخي. فسرت إيران الاتفاق النووي مع القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا بمثابة ضوء أخضر للتدخل الإيراني، لتفاخر قياداتها بسيطرتها على أربع عواصم عربية ونشر خلاياها، اكتشفت أكبرها في الكويت بعد شهر من توقيع الاتفاق النووي في أغسطس 2015.
برغم كون زيارة الرئيس ترامب الخارجية الأولى للسعودية في مايو 2017، بخلاف زيارات أسلافه، لكنه لم يحرك ساكناً، بعد تعرض منشآت أرامكو في أبقيق وخريص لاعتداءات صاروخية وطائرات مسيرة من إيران، وتعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي المقدر بـ5 ملايين برميل نفط يومياً، متعذراً أن ذلك وقع في السعودية وليس في أمريكا! ما زاد من هامش الشك بنوايا وعزيمة الحليف الأمريكي في توفير الأمن والحماية.
وفاجأ الرئيس بايدن السعودية والحلفاء الخليجيين برفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية التي وضعها الرئيس ترامب في آخر أيامه لقائمة المنظمات الإرهابية. وسحب 8 بطاريات صواريخ الباتريوت الدفاعية من السعودية والكويت والعراق والأردن!
لكن الأزمة والسجال الحالي بين الولايات المتحدة والسعودية التي ترفض التدخل في شؤونها والإملاءات الأمريكية بتوجيه اتهامات باصطفاف السعودية مع روسيا بعد قرار مجموعة أوبك بلس خفض انتاج النفط مليوني برميل يومياً قرار تقني أملته الأوضاع الاقتصادية العالمية والخشية من الركود الاقتصادي ـ ورفض إدارة بايدن لتبرير ـ ووصف القرار بالمسيس وقصير النظر ويساعد روسيا في حربها على أوكرانيا بزيادة دخل روسيا. ويضر بمصالح الولايات المتحدة والمستهلك الأمريكي، ولوح بايدن وقيادات إدارته بالعمل على مراجعة العلاقة مع السعودية وما يترتب عليها من عواقب تطالها عند انعقاد الكونغرس الجديد بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر القادم.
لكن أخطر ما في حملة التهديد والوعيد الأمريكي ضد السعودية بالتحديد، هو اصطفاف الإدارة والكونغرس والتلويح بتحريك مشروع قانون نوبك- في تعدي على الحصانة السيادية للدول ويعرض أمريكا للمعاملة بالمثل، يخول وزارة العدل الأمريكية مقاضاة دول أوبك بلس برفع دعاوى في المحاكم الفيدرالية الأمريكية لتحكم وتلاعب الدول وشركاتها الوطنية. كذلك تقدم نواب من الحزبين باقتراحات بقوانين ومطالبات بوقف التعاون الأمني وتجميد صفقات الأسلحة مع السعودية. هذا السلوك والسجال الأمريكي باستهداف السعودية يعمق فجوة غياب الثقة ويزيد هامش التشكيك بين الحليفين، ولا يخدم المصالح المشتركة للطرفين ويدفع الحلفاء الخليجيين للبحث عن بدائل لتأمين أمنهم، لكن واقعياً لا توجد بدائل.
يشعر الخصوم، خاصة إيران بالارتياح وكذلك إسرائيل، وربما تنشط عملية التطبيع التي تجمدت لأكثر من عامين. من المفيد لأمريكا تفهم الهواجس الخليجية، وعلى الحلفاء الخليجيين تقدير موقف الغضب والقلق الأمريكي من إجراءات وقرارات تضر الحزب الحاكم في البيت الأبيض وأغلبيته في الكونغرس، والبقاء على الحياد في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. حتى لا يُفهم موقفهم بدعم فرص عودة الجمهوريين، واستهداف الرئيس بايدن وحزبه. هذا يفسر سبب غضب الإدارة والكونغرس من أوبك وخاصة السعودية! ما سينعكس سلباً على مستقبل العلاقات!
القدس العربي