هل تفتح روسيا جبهة الشمال بعد الهجوم الأوكراني المضاد؟

هل تفتح روسيا جبهة الشمال بعد الهجوم الأوكراني المضاد؟

تُعد بيلاروسيا الحليف الأول لروسيا، وهي الدولة الوحيدة خارج الاتحاد الروسي التي أعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيسها ألكسندر لوكاشينكو خطة غزو أوكرانيا، أو ما يُطلق عليه روسيًا “العملية العسكرية الخاصة”، وأطلعه على تفاصيلها وأهدافها. كما استُخدمت الجبهة الشمالية؛ أي جبهة بيلاروسيا، جزئيًا في الهجوم على محافظة تشرنيغف عند بداية الحرب، ومن بعدها تقدم الهجوم إلى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، حيث مدن بوتشا وإربين وهوستوميل، وهو الهجوم الذي فشل في تحقيق أهدافه بعدما تكبّدت القوات الروسية خسائر فادحة على مستوى الجنود والآليات العسكرية، وهو ما أدى إلى انسحابها في نهاية المطاف وتركيزها على الجبهة الشرقية والجنوب الشرقية القريبة من حدود الاتحاد الروسي.

مع أن أوكرانيا كانت تتوقع هجومًا روسيًا بيلاروسيًا مشتركًا في تلك المرحلة من المعارك باتجاه محافظتي ريفينو التي تقع في وسط الحدود البيلاروسية الأوكرانية، وفولين التي تقع في الغرب على مثلث الحدود البيلاروسية-البولندية-الأوكرانية، ونشرت قوات وأقامت خطوطًا دفاعية مُلغّمة على طول تلك المنطقة، ودعمت ذلك بانتشار قوات الدفاع الشعبي المحلية على كامل طرقات وشوارع المحافظتين وفي الغابات القريبة من الحدود، وذلك ليس سرًا عسكريًا، إذ يُلاحظها المسافر في تلك المناطق. إلا أنّ روسيا تجنبت في هجومها ذاك مهاجمة المحافظتين إلا من خلال الجو، وتحديدًا بالصواريخ من طراز كاليبر وكينجال، حيث ضربت مطارًا ومخازن للوقود، والسؤال هنا: لماذا رغم أن الفرصة كانت سانحة استراتيجيًا؟

ما روي أوكرانيًا عن سبب عدم الهجوم، هو رفض السكان البيلاروس السماح لقوات بلادهم المرور عبر خط الحدود، إضافةً إلى تمرّد في صفوف قوات بيلاروسيا في حينه، أي مارس/ آذار 2022، حيث رفضت قطاعات عدة من القوات البيلاروسية المشاركة في الحرب التي يعتبرونها حرب بوتين وليست حربهم. لم تدعم وجهة النظر الأوكرانية هذه أية تقارير لجهات محايدة، مما يزيد من الحيرة حول هذا اللغز، فتلك المناطق الأوكرانية، خاصةً فولين وعاصمتها لوتسك، تعتبرُ خط إمداد للسلاح والمعدات العسكرية بالنسبة للقوات الأوكرانية من طرف دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تعادل في أهميتها محافظة لفوف (لفيف) التي تقع إلى الجنوب منها.

لكن قد يعزى سبب عدم شن الهجوم الروسي إلى قلة عدد الجنود في الجانب الروسي في العملية العسكرية الخاصة، حيث ركزت على المحافظات الأوكرانية الشرقية والجنوبية، إضافةً إلى العاصمة. إضافةً إلى أن تأمين جبهة كبيرة تمتد على طول خط الحدود الشمالية لأوكرانيا مع بيلاروسيا، يستلزم توفير خط إمداد وحماية جوية، وحشد إمكانيات عسكرية روسية أكبر. وهذا لم يكن في حسابات بوتين الأولى بالطبع؛ أي قبل خوض المعركة ووقوع المفاجآت، إذا كان من المفترض روسيًا أن تنتهي العملية العسكرية بالسيطرة على مناطق الشرق والجنوب بفترة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين، ومن بعدها تفرض موسكو الاستسلام على كييف، لكن صمود كييف وتشرنيغيف وميكولايف قلب المعادلة وغير مجرى الحرب، محولةً العملية العسكرية الروسية من الهجوم إلى الدفاع وتأمين المناطق التي احتُلت في بداية الهجوم المباغت أواخر فبراير/ شباط الماضي. إذ رغم النجاحات في خيرسون التي سقطت في ثلاثة أيام، والهجوم التدميري الكاسح في مريوبل، ما زالت مناطق واسعة من دونباس في محافظتي لوغانسك ودونيتسك، اللتين كانتا الهدف الأول المعلن للعملية الحربية الروسية، بقبضة القوات الأوكرانية، بل إن أوكرانيا استعادت عددًا من المناطق المحتلة فيهما بعد قرار الضم الذي اتخذه بوتين، ومع كل يوم يتم تحرير مناطق أخرى جديدة.

ربما يكون التحشيد الروسي – البيلاروسي مجرّد إيهام تكتيكي لتشتيت الجهد العسكري الأوكراني

عليه، يُمكن تفسير عملية نشر قوات روسية – بيلاروسية مشتركة قبل أيام على الحدود الشمالية لأوكرانيا، بحدوث تغيّر على الجبهة الشمالية، إذ يتّهم المسؤولون الأوكرانيون بيلاروسيا بالإعداد لمهاجمة أوكرانيا. لكن في المقابل، يُشير القادة البيلاروسيون إلى حشود للناتو في جمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا، وتُثير مينسك مخاوف من تحركات أوكرانية (مدعومة من الناتو) محتملة لضرب بيلاروسيا عسكريًا، أو إرهابيًا من خلال عمليات خاصة يُنفذها عناصر كوماندوز داخل حدودها. الأمر الذي دفع روسيا وبيلاروسيا إلى رفع درجة تهديد الناتو وتحذيره من خلال التلويح بالرد النووي، وتسيير دوريات جوية لطائرات حربية روسية تحمل صواريخ مزودة برؤوس نووية.

من ناحيةٍ أخرى، ربما يكون التحشيد الروسي – البيلاروسي مجرد إيهام تكتيكي لتشتيت الجهد العسكري الأوكراني؛ أي إجبار أوكرانيا على حشد قوات أكثر في الشمال استعدادًا لهجوم محتمل، مما يُقلل من عدد قواتها في الجنوب والشرق، وبالتالي إضعاف هجومها المضاد في تلك المناطق. وفي كل الأحوال، لو أن ثمّة هجوما سيقع بالفعل، فذلك لن يحدث إلا العام القادم 2023، بعد أن تُعلن جاهزية القوات التي عبأتها للحرب، وهي حرب ستختلف بالتأكيد عمّا نراه اليوم، إذ ستجذب دولًا خارجية، خاصةً تلك المحاذية لأوكرانيا وبيلاروسيا، وكلها أعضاء في حلف الناتو.

إذًا، هل يشهد العام المقبل حربًا عالمية ثالثة؛ حرب الناتو وروسيا بشكل مباشر، بدلًا من “حرب بالوكالة” تخوضها أوكرانيا وحدها حتى الآن؟ سؤالٌ يقرر جوابه اثنان؛ بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن، فيما يتورّط الباقون من دون موافقتهم بالضرورة، في حربٍ فُرضت عليهم وستخاض على أرضهم وتدمر اقتصاداتهم؛ حرب إن حصلت سيتقرر فيها مصير العالم لعقود مقبلة، ويُصبح الحديث عن تغيّر النظام الدولي أكثر راهنيةً.

العربي الجديد