من غير المرجح أن تمتثل شركات مواقع التواصل الاجتماعي امتثالا كاملا لقانون تركي جديد يطالبها بأن تزيل كافة أشكال المحتوى الذي وصفته بـ“التضليلي” والذي يُنشر على منصاتها، وأن تقوم بتقديم بيانات المستخدمين إلى السلطات، وفي حال لم تستجب تلك المنصات لطلب الحكومة التركية، فستكون عرضة للتعطيل قبل انتخابات العام المقبل.
أنقرة – تطالب الحكومة التركية منصات فيسبوك وتويتر وغوغل وغيرها بالانصياع الكامل لقانون جديد يتعارض مع خصوصية البيانات بحلول أبريل المقبل، وإلا واجهت احتمال حجب الإعلانات عنها وتقليص عرض النطاق الترددي الخاص بها، الأمر الذي سيمثل معضلة للشركات قبل الانتخابات التي ستجرى في يونيو.
ويقول محللون واستشاريون إن تلك الشركات تحافظ على معايير عالمية للخصوصية، ومن غير المرجح أن تنتهكها في تركيا لأن ذلك يمكن أن يمثّل سوابق خطيرة تستغلها الدول الأخرى التي تتوق إلى فرض سيطرتها على منصات التواصل الاجتماعي.
ويقول سنان أولغن الشريك المؤسس في مؤسسة “إسطنبول إيكونوميكس” التي تقدم استشارات خاصة بالشؤون التنظيمية والقانونية إنه “من غير المرجح أن تنصاع بعض هذه الشركات للقانون”. ويبيّن أولغن أن مثل هذا الموقف سيكون ناتجا “عن المتطلبات الباهظة وما ستعنيه بالنسبة إلى معاييرها المتعلقة بخصوصية البيانات والسرية، وأيضا خشية إيجاد سابقة يمكن استخدامها من قبل السلطات القضائية الأخرى”.
وبموجب القانون الجديد، الذي بدأ سريانه هذا الأسبوع، ستلتزم الشركات بتقديم معلومات المستخدمين للسلطات إذا نشروا محتوى يعاقب عليه القانون، ومن بينها نشر معلومات مضللة، وفقاً لجوناثان سبايسر وجان سيزر من رويترز.
كما أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي مطالبة بأن تعين ممثلين لها في تركيا. وتواجه الشركات خطر فقدان ما يصل إلى 90 في المئة من النطاق الترددي الخاص بها على الفور بناء على أمر قضائي إذا لم يقدم ممثلوها في تركيا المعلومات المطلوبة إلى السلطات.
ويشتكي منتقدو القانون من أنه يمكن أن يشدّد قبضة الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، إحدى الحصون الباقية لحرية الرأي والمعارضة في تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان والمستمر منذ 20 عاما.
وأيد حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وحلفائه القوميين القانون، ووصفته المعارضة بأنه “قانون رقابة” وقالت إنه يمكن أن يؤثر على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يوليو القادم، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أن أردوغان يمكن أن يخسرهما.
وقوبل القانون بالانتقاد أساسا لأنه يفرض عقوبة السجن على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والصحافيين الذين ينشرون “معلومات مضللة” لكنه يعتمد في الأساس على تشريع فرضته تركيا على شركات وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2020، وإن كان القانون الجديد يفرض إجراءات أشد كثيرا.
فعلى سبيل المثال ستتحمل الشركات “المسؤولية المباشرة” عن المحتوى “غير القانوني” والمنشورات إذا لم تزلها في غضون أربع ساعات من طلب السلطات.
مواقع التواصل الاجتماعي تخضع بالفعل لمراقبة صارمة في تركيا. وفي كثير من الأحيان يحال أشخاص إلى المحاكمة بسبب منشورات مثل تلك التي تنتقد التوغلات التركية في سوريا أو تعتبرها السلطات مهينة للرئيس.
وفي الآونة الأخيرة كشف تحقيق نشرته رويترز كيف أصبحت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام التقليدية تخضع في تركيا إلى تسلسل قيادي صارم لنيل موافقة الدولة على نشرها، وذلك نتيجة الضغوط التي تمارسها عليها السلطات بجانب الرقابة الذاتية للقائمين عليها.
ويقول يمن أكدينيز خبير الحقوق الإلكترونية والأستاذ في جامعة إسطنبول بيلجي إن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تمكنت حتى الآن من الامتثال لقانون عام 2020 من خلال إقامة كيانات صغيرة في تركيا يمكن سحبها بسهولة إذا تعرضت لضغوط. ويضيف أكدينيز أن هذه القوانين كانت تشكل “تحوّلا ناعما” لكن الحكومة جعلتها الآن أكثر خطورة من خلال القانون الجديد.
وإذا ما قبلت الشركات كل هذه القوانين فستصبح جزءا من سلطات إنفاذ القانون، لأن من المنتظر منك أن تساعد في كل شيء، كما يرى أكدينيز الذي يختم قائلاً “أعتقد أن القانون مثّل قائمة أمنيات. إنهم يضعون فيه أي شيء يرد على أذهانهم، وهناك محاولة لتنظيم منصات وسائل التواصل الاجتماعي بما يجعل القانون النموذج الأمثل للأنظمة الاستبدادية”.
القانون التركي الجديد يُلزم منصات التواصل الاجتماعي بتقديم معلومات المستخدمين للسلطات عند المطالبة بها
ويمكن أن تتعرض الشركات لغرامات تصل إلى 3 في المئة من عوائدها العالمية إذا لم تلتزم بالقانون، وكذلك منع الإعلانات عنها. ويوضح أكدينيز أنه من المحتمل ألا تفرض السلطات عقوبات، مثل التقليص الفوري لنطاق تردداتها، لكن يُتوقع أن تبدأ بخطوات أصغر عبر الغرامات، لتبقى إمكانية اللجوء إلى الإجراءات الأشد مع ذلك سيفا مسلطا على رقبة الشركات.
ورفضت تويتر التعليق على كيفية تعاملها مع القانون الجديد. ولم ترد “ميتا” مالكة فيسبوك و”ألفابت” مالكة غوغل وتيك توك على طلبات للتعليق.
وقالت سيزين يشيل مديرة السياسة العامة لـ”ميتا” في تركيا وأذربيجان أمام لجنة برلمانية في يونيو الماضي إن هناك غموضا يكتنف الكيفية التي سيطبق بها القانونان.
بينما قالت بيلين كوزي كارامان مديرة غوغل للعلاقات مع الحكومة والسياسات العامة في تركيا أمام اللجنة إن الشركة بذلت “أقصى جهدها” للالتزام بقانون 2020.
وأضافت طبقا للوارد في مضبطة الاجتماع “لسوء الحظ، هذه الجهود التي بذلناها بأقصى ما لدينا قبل عام ونصف العام أو عامين ستذهب سدى بالكامل تقريبا، وفي ظل مشروع القانون. نحن في غوغل نرى هذا باعتباره تطورا محزنا في حقيقة الأمر”.
وسيكون مطلوبا من الشركات التي تقدم خدماتها عبر الإنترنت مثل تطبيق التراسل واتساب المملوك لـ”ميتا” وواسع الانتشار في تركيا تأسيس شركات محلية. وسيضع القانون الجديد هذه الخدمات تحت مظلة هيئة تقنيات الاتصالات التي يمكنها حجب هذه الخدمات إذا عملت دون ترخيص.
العرب