العراق: حكومة خدمات أم حكومة أزمات فهل ينّجح المكلّف باستعادة ثقة الشارع بالعملية السياسية؟

العراق: حكومة خدمات أم حكومة أزمات فهل ينّجح المكلّف باستعادة ثقة الشارع بالعملية السياسية؟

تتسارع الخطى السياسية في العراق نحو منح الثقة «سريعاً» لحكومة رئيس الوزراء المكلّف، محمد السوداني، قبل تجدّد احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر، المقررة في 25 من هذا الشهر، مستثمرة «هدوء» التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، و«توافق» بقية الأحزاب على حصّتها في التمثيل الحكومي، رغم عدم اتفاقها «نهائياً» على أسماء مرشحيها.

ويعمل السوداني وفريقه على دراسة الأسماء المرشحة لشغل الحقائب الوزارية في حكومته المنتظرة، والتي تعتمد بالأساس على ترشيح الأحزاب، وفقاً لاستحقاقاتها الانتخابية، و«وزنها» في البرلمان الاتحادي.
وتتفق القوى السياسية العراقية على أن تكون حكومة السوداني «حكومة خدمات» بهدف تهدئة الشارع الذي لا يمكن التنبؤ بردّة فعله، وهو يستعد لإحياء يوم «تصاعد» احتجاجات أكتوبر 2019 يوم الثلاثاء المقبل.
ورغم إعلان السوداني، مرشّح «الإطار التنسيقي» الشيعي لمنصب رئيس الوزراء- أن حكومته ستكون «حكومة خدمات» غير أن جمّلة من «الأزمات» قد تهدّد مستقبلها، على رأسها ردّة فعل الصدر «المؤجّلة» وتجدّد الاحتجاجات.
رئيس مركز التفكير السياسي- غير الحكومي- الدكتور احسان الشمري، يقول لـ«القدس العربي» إن «الإطار التنسيقي يدفع باتجاه تشكيل الحكومة بأسرع وقت، خصوصاً أنه توقع ردّة فعل من قبل التيار الصدري وزعيمه (مقتدى الصدر) وأتباعه لإبطال جلسة منح الثقة (لحكومة السوداني) الأمر الذي من شأنه إعادة الأمور إلى الدائرة الصفرية، فضلاً عن التظاهرات المرتقبة يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لقوى تشرين والقوى المدنية الرافضة وبعض الأحزاب الناشئة، التي من شأنها أن تعقد الأمور».
ووفقاً لرأي الشمري فإن تشكيل الحكومة ومنحها الثقة البرلمانية يعد «التحدي الأكبر» مرجّحاً في الوقت عيّنه أن يكون «يوم غد الاثنين موعداً لمنح الثقة للحكومة، سواء على مستوى ثلثي الكابينة أو تمريرها بالكامل وببرنامجها الحكومي».
وأكد أن «القوى السياسية- وخصوصاً الإطار التنسيقي- لا تمتلك خيارات أخرى غير تمرير هذه الحكومة».
وفي حال تم الاتفاق على تمرير حكومة السوداني، فإن أمام الأخيرة جمّلة تحدّيات، وفقاً للشمري الذي استعرضها بالقول: «أبرزها تعاطي التيار الصدري معها، وأيضاً قوى تشرين في حال ضمّها أطرافاً تحاول الهيمنة على الحكومة كما سبق لها في حكومة عادل عبد المهدي» مشيراً إلى تحديات أخرى تتمثّل بـ«الجانب الخدمي وإجراء الانتخابات المبكّرة- في حال الاتفاق عليها».
ووصف حكومة السوداني بأنها «حكومة تحديات» مشيراً إلى إنها «ستعتمد على رئيس الوزراء المكلّف وإمكانيته في تذليل هذه التحديات».
ومضى يقول: «القوى السياسية لديها مصالحها. على السوداني أن يُدرك إن نجاحه سيذهب لهذه الأحزاب لكن القوى السياسية ستنّأى بنفسها عن تعثره في بعض المواقع، وحتى إنها ستتخلى عنه».
ودعا الشمّري رئيس الوزراء المكلّف إلى «استعادة ثقة الشارع العراقي بالحكومة والعملية السياسية».
وخوّل المكلّف بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، محمد شياع السوداني، ‏الجمعة، الكتل السياسية طرح مرشحيها لشغل الحقائب الوزارية ‏في كابينته ‏المُنتظرة.‏
وذكر المكتب الإعلامي للسوداني في بيان صحافي، أنه «إشارة إلى بيان ‏الإطار التنسيقي، نؤكد أن الاتفاق بين الكتل السياسية المكونة ‏للإطار ‏يتضمن منح الفرصة أمام كل كتلة لطرح مرشحيها لكل الوزارات، ويُترك ‏أمر اختيار المرشحين لشخص رئيس الوزراء المكلف ‏بناءً على الكفاءة ‏والنزاهة والقدرة على إدارة الوزارة، وفقاً للأوزان الانتخابية لكل كتلة».‏
وسبق أن فوض «الإطار التنسيقي» رئيس الوزراء المكلف محمد ‏شياع السوداني باختيار الوزارات التي تتعلق بوزن «الإطار» الانتخابي.‏
وقال الإطار التنسيقي في بيان، انه «جرى خلال الاجتماع تفويض رئيس الوزراء المكلف باختيار الوزارات التي تتعلق بوزن الإطار ‏الانتخابي بعد تقديم القوى السياسية قوائم بأعدادهم ونوابهم بتواقيع حية ومرشحين وحسب معايير رئيس الوزراء المكلف على طيف من ‏الوزارات».‏
وأضاف: «وفوض الإطار التنسيقي السوداني بالاختيار بين المرشحين أو اقتراح مرشحين جدد».‏
وأشار البيان إلى انه «من جهة أخرى تم تفويض رئيس الوزراء المكلف بتدوير الوزارات بين المكونات أو داخل المكون، واستثناء ‏وزارات الداخلية والدفاع من المحاصصة وترشيح شخصيات مدنية أو عسكرية، بما يضمن تحقيق حكومة خدمة فاعلة تتفق مع البرنامج ‏الوزاري».‏
وفي 13 تشرين الأول/اكتوبر الجاري، انتخب البرلمان عبد اللطيف رشيد رئيسًا للجمهورية، بعد حصوله على غالبية الأصوات في ‏الجولة الثانية من عملية التصويت.‏
وفور فوزه بالمنصب الرئاسي، سلّم رشيد السوداني خطاب تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في غضون 30 يوما، وفق ما ينص عليه دستور ‏البلاد.‏
ووفقاً للخبير القانوني العراقي، علي التميمي، فإن «المادة 77 من الدستور قالت ان ما يشترط في الوزير هو ما يشترط في النائب، بأن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية وان لا يقل عمره عن 28 سنة وغير مشمول بقانون هيئة المساءلة والعدالة وغير محكوم بجنحة أو جناية مخلة بالشرف فيما لم يحدد الدستور عدد الوزارات».
وأوضح في بيان صحافي، ان «رئيس مجلس الوزراء المكلف ليس ملزما بتقديم كل كابينته الوزارية، انما يمكن أن يقدم قسما منها مع المنهاج الوزاري خلال مدة 30 يوما، ويمكن ان يكون قسما منهم أصالة والآخر وكالة، كما قال قرار المحكمة الاتحادية 93 لسنة 2010».
وينصّ الدستور العراقي على أن يقدّم رئيس مجلس الوزراء المكلف منهاجه الوزاري مكتوبا إلى البرلمان للاطلاع عليه بفترة مقبولة، ويمكن للبرلمان بموجب المادة 61 من الدستور مساءلة رئيس مجلس الوزراء المكلف عند عدم تطبيق منهاجه الوزاري، حيث ان مسؤوليته تضامنية مع بقية الوزراء أمام البرلمان، حسب التميمي.
كما يلتزم رئيس مجلس الوزراء المكلف بتقديم كابينته الوزارية واسماءهم سواء كانوا أصالة أو وكالة مع سيرهم الذاتية للاطلاع عليها، فيما تقوم رئاسة البرلمان بالتأكد من صحة المعلومات المقدمة من الوزراء المقدمين من رئيس مجلس الوزراء المكلف بإرسال كتب إلى هيئة المساءلة والعدالة والأدلة الجنائية والجامعات، «وهذا أمر مهم حتى لا نكون أمام حالات خاطئة مستقبلا».
ويحظى السوداني الذي يعدّ من «سياسيي الداخل» خلافاً لأغلب الشخصيات التقليدية التي عارضت النظام السابق في الخارج، بدعم دولي وعربي وإقليمي، تمثّل باستقباله أغلب رؤساء البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق- أبرزها السفيرة الأمريكية- والتي عبّرت عن تطلعها لدعم التعاون مع حكومته المُنتظرة.
داخلياً، يحظى السوداني بدعم جميع القوى السياسية، وبدى ذلك واضحاً من خلال آلية تشكيل حكومته التي تعتمد بالأساس على استنّساخ التجارب السابقة، القائمة على توزيع الحقائب الوزارية على الكتل، كُلٌ حسب ثقله «وزنه» النيابي، شريطة تقديم أكثر من مرشح ( 3-5 مرشحين) لكلّ منصب.
ومع اتساع دائرة السخط الشعبي على أداء الأحزاب التقليدية الممثلة في الحكومات المتعاقبة منذ 2003 تواجه حكومة المكلّف مهاماً جسيمة، في مقدمتها تحقيق الهدوء السياسي، وتقديم الخدمات، ومعالجة ملف الفساد المستشري في أغلب مفاصل الدولة العراقية.
ووفقاً لتقرير أورده «معهد السلام الأمريكي» فإن ‏‏»منذ أكثر من عقد من الزمن، يتزايد اتساع الفجوة بين العراقيين وبين الطبقة ‏السياسية والدولة، وهو ما يمثل مشكلة استراتيجية أمام سلام العراق ‏واستقراره» مضيفا أن «إحباط الناس من الطبقة السياسية بسبب النقص في ‏الخدمات والبطالة والفساد الممنهج والتدخل الأجنبي استمر في التزايد».‏
وحث التقرير، الحكومة المقبلة ومجلس النواب على «تمرير الميزانية من ‏أجل تعزيز الاقتصاد وضمان إيصال المواد الغذائية وتأمين الخدمات وخلق ‏فرص العمل وعمليات الانفاق المهمة الأخرى، كتعويض المتضررين من ‏حرب إرهاب داعش».‏
وشدد على ضرورة «إجراء انتخابات مجالس المحافظات لأنها تساعد كعامل ‏أساسي في المؤسسات الديمقراطية والحكم، وتشكل فرصة من أجل انخراط ‏الجمهور بشكل أكبر، خاصة بعد شعور عامة العراقيين بالغربة فيما بعد ‏انتخابات 2018 و2021 وتشكيل الحكومة».‏
ورأى التقرير أن «أمام السوداني والإطار التنسيقي الفرصة من أجل ‏ان يطمئنوا العراقيين والمنطقة والمجتمع الدولي عبر تشكيل حكومة تشمل ‏الجميع وتتضمن مناصب رئيسية للنساء والأقليات، والحكم بشكل تعاوني ‏وتمرير ميزانية عادلة تحقق احتياجات الناس، ومن خلال كبح الجماعات ‏المسلحة والتمسك بسيادة القانون ومكافحة الفساد والمضي في معالجة ‏التداعيات الإنسانية للصراع مع داعش، بما في ذلك عودة وإعادة دمج ‏العراقيين الموجودين في مخيم الهول في سوريا».‏

القدس العربي