في الوقت الذي منحت قوى الإطار التنسيقي الشيعي مرشحها لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني تفويضاً شبه مشروط بشأن اختيار الوزراء التابعين لها، فإن العقبة التي برزت أمام رئيس الوزراء المكلف هي الخلاف الكردي – الكردي والسني – السني على الحصص من الحقائب الوزارية.
فالائتلاف الذي شكلته القوى السياسية العراقية (الشيعية والكردية والسنية) وأطلقت عليه اسم «ائتلاف إدارة الدولة» الذي ضمها جميعاً ما عدا التيار الصدري، انتهت صلاحيته عند حدود انتخاب رئيس الجمهورية الكردي عبد اللطيف رشيد، وتكليف رئيس الوزراء الشيعي محمد شياع السوداني.
وقد أتاح «ائتلاف إدارة الدولة» توافق القوى السياسية المذكورة، بحيث أصبحت تشكل أكبر قوة داخل البرلمان العراقي، إلى الحد الذي تستطيع بموجب هذا الوزن الانتخابي أن تمرر بسهولة انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحتاج إلى ثلثي أصوات أعضاء البرلمان، وتسمية رئيس الوزراء الذي يحتاج إلى «النصف زائد واحد».
ورغم أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي شكّل مع الحزب «الديمقراطي الكردستاني» و«السيادة» السني تحالف «إنقاذ وطن»، لم يتمكن من تحقيق هدفه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية بسبب الثلث المعطل الذي بات يملكه خصمه الإطار التنسيقي، فإنه كان يمكنه تشكيل أقوى معارضة برلمانية لو لم يستقل نواب كتلته الفائزة بأعلى الأصوات.
القيادي الكردي البارز ووزير الإسكان والإعمار الأسبق بنكين ريكاني عاتب، مؤخراً، الحليف السابق مقتدى الصدر بشأن انسحابه المفاجئ من البرلمان، الذي لم يُبلغ به إلا قبل ساعة من إعلانه. وقال ريكاني، في تصريحات متلفزة، إن تحالف «إنقاذ وطن» كان بمقدوره، لو بقي النواب الصدريون، أن يحل البرلمان إن أراد، لأنه يمتلك الأغلبية، أو تمرير أي قانون يريده، أو الاعتراض على أي قانون لا يريده، مخاطباً الصدر بالقول: «لماذا تركتنا يا سيد بيد الجماعة؟».
ولم تعلق قوى الإطار التنسيقي على تصريحات ريكاني كونه ينتمي إلى حزب اضطروا إلى الانقلاب على تحالفهم معه وهو حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وذلك بعدم تصويت كل نوابهم لمرشحه الرئيس السابق برهم صالح من أجل أن «لا يكسروا» كلمة زعيم الحزب «الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، بتمرير ما بدا أنه مرشحه الذي وُصف بأنه مرشح التسوية الكردي لمنصب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد.
لكن المفاجأة جاءت من رئيس حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» بافل طالباني، الذي صرح بعد دقائق من إعلان فوز رشيد على منافسه برهم صالح بأن رشيد هو مرشحه، وأنه كسر «إرادة» الديمقراطي الكردستاني باستبعاد مرشحيه هوشيار زيباري وريبر أحمد.
ومثلما لم ترد قوى الإطار التنسيقي على القيادي الكردي بنكين ريكاني الذي عاتب الصدر لتركهم «بيد الجماعة»، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يرد على تصريحات طالباني.
والقاسم المشترك بين صمت قوى الإطار التنسيقي على تصريحات ريكاني وصمت الحزب «الديمقراطي الكردستاني» على طالباني هو تمكين الإطار التنسيقي من الفوز بلقب الكتلة الأكبر، وتكليف مرشحهم محمد شياع السوداني، في وقت بدا فيه الصدر صامتاً أو رافضاً المشاركة في الحكومة، بينما حقق الحزب الديمقراطي، وتحديداً زعيمه مسعود بارزاني، هدفه الذهبي في مرمى «الاتحاد الوطني» باستبعاد مرشحهم لرئاسة الدولة برهم صالح.
لكن سرعان ما بدأت تظهر الخلافات الكردية – الكردية، إثر انتهاء زفة الفوز الذي بدا ثميناً أول الأمر، بعد مباشرة السوداني اتصالاته لتشكيل حكومته في أسرع وقت خوفاً من متغيرين يمكن أن يقلبا الموازين في حال تأخر التشكيل: الأول هو احتمال حصول تغيير في موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عن طريق تحريك الشارع من جديد، والآخر هو انطلاق مظاهرات تشرين بعد غد الثلاثاء (الـ25 من الشهر الحالي) مثلما هو مقرر، واحتمال مشاركة الصدريين فيها.
لكن، وبرغم هذه المخاوف، فإن الخلافات السياسية التي تبدو شكلية بين قوى الإطار التنسيقي التي اضطرت لمنح السوداني تفويضاً مشروطاً باختيار وزرائه من حصة المكون الشيعي، ليست كذلك بين الكرد والسنة.
ففيما يتعلق بالكرد، فإن جماعة بارزاني «ليسوا في وارد التنازل لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني عما يعدونه حقهم في الوزارات»، طبقاً لما قاله سياسي كردي مطلع على تفاصيل اللقاءات والمشاورات السياسية، لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أن «إعلان بافل طالباني أن الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد هو مرشح الاتحاد الوطني وتخليه السريع عن مرشحه برهم صالح، بدا هدية للحزب الديمقراطي، فضلاً عن كونه قد تسبب بأزمة داخل الاتحاد الوطني الذي انقسم بشأن تأييد صالح أو رشيد».
وأوضح السياسي الكردي أن «الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان أصر على مرشح تسوية، وكان يمكنه مكافأة الاتحاد الوطني على قبوله بهذه التسوية، جاءه موقف طالباني الجديد بمثابة هدية مجانية، كونه لا يريد تبني رشيد، وبالتالي بدأ يصر على حصصه الوزارية كاملة، حتى بعد اضطرار السوداني إلى منح الكرد أربع وزارات بدلاً من ثلاث، بإضافة وزارة البيئة التي تم فصلها عن الصحة، على أمل أن يعالج الخلاف الكردي – الكردي».
وفيما يتعلق بالموقف السني، فإن الخلاف بين «السيادة» بزعامة محمد الحلبوسي ورجل الأعمال خميس الخنجر، و«عزم» بزعامة مثنى السامرائي، عاد إلى الواجهة بشأن طريقة حساب الأوزان الانتخابية لكلا الطرفين. ولا يريد السوداني ومن خلفه قوى الإطار التنسيقي خسارة حليفهم السابق تحالف «عزم» الذي وقف معهم في ذروة أزمتهم مع الصدر، وهو ما جعل السوداني يجري مباحثات معهم في مقرهم على أمل إنهاء هذا النزاع مع حزب الحلبوسي.
ويتركز الخلاف بين الطرفين السنيين حول حصص كل طرف منهما من الوزارات ومنصب رئاسة البرلمان. ففي الوقت الذي لا يريد «السيادة» إدخال منصب رئاسة البرلمان بوصفه من حصة المكون السني في حساب النقاط التي تحدد الوزن الانتخابي، فإن «عزم» يريد الحصول على عدد من الوزارات، من بينها وزارة سيادية، أو التخلي عن الوزارات وتسلم منصب رئاسة البرلمان. وهذا الخلاف السني – السني ومثله الكردي – الكردي، في حال استمر دون حسم، يعني أن موعد تشكيل حكومة السوداني سيتأخر إلى وقت لاحق، بعد أن كان مقرراً غداً (الاثنين) أو الأربعاء المقبل.
الشرق الأوسط