أعلن لبنان وإسرائيل أمس توقيعهما اتفاق ترسيم الحدود، ولكن بطريقتين مختلفتين.
وقّع الرئيس اللبناني ميشال عون رسالة موافقة لبنان، وابتعث مدير عام الرئاسة ممثلا عنه، وكذلك مسؤولين آخرين ممثلين للحكومة والخارجية وهيئة النفط، لحضور مراسم التوقيع، ووقع عن الطرف الإسرائيلي رئيس الحكومة يائير لبيد، وهو يعني أن الاتفاق حمل توقيع رئيسي السلطتين التنفيذيتين في لبنان وإسرائيل.
رأى الرئيس اللبناني أن ترسيم الحدود هو «عمل تقني» لا أبعاد فيه تناقض السياسة الخارجية للبلاد، فيما قال لبيد إن ما حصل «إنجاز سياسي» وأنه «اعتراف من دولة معادية بدولة إسرائيل» عبر اتفاق مكتوب «أمام المجتمع الدولي بأسره».
الأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، الذي لعب حزبه دورا في إطار الشد والجذب العسكري الذي رافق المفاوضات، اعتبر أن «ما جرى هو انتصار كبير كبير وكبير جدا للبنان كدولة وشعب ومقاومة»، وأن «أي حديث عن التطبيع لا أساس له وهو تجنّ»، لأن الوثيقة التي سيحتفظ بها لبنان «لا تحمل توقيعا إسرائيليا»، ولأن المفاوضات «كانت جميعها غير مباشرة ولم يلتق الوفدان اللبناني والإسرائيلي تحت سقف واحد»، وأن إسرائيل لم تعط «ضمانات أمنية».
إضافة إلى وصف الاتفاق بـ»الإنجاز الدبلوماسي»، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية اعتبره أيضا «إنجازا اقتصاديا» أيضا لحصول إسرائيل على حقل كاريش، وكذلك على نسبة 17% من الأرباح الناتجة عن حقل قانا – صيدا»، وأن الدولة العبرية «تستفيد أمنيا واقتصاديا ودبلوماسيا»، كما أكدت مصادر إعلامية إسرائيلية أن التوقيع على اجتماع الوفدين «تم في خيمة واحدة»، لكنه جرى بدون أي مصافحة بين الطرفين أو التقاط صور.
حديث رئيس حكومة دولة الاحتلال عن «إنجاز سياسيّ»، يتناظر، في الواقع، مع حديث الأمين العام لـ»حزب الله» عن «انتصار كبير»، ففي التصريحين اتفاق على تقييم شديد الأثر للواقعة وتوظيف سياسي كبير لها، وهو ما يجعل لقاء الوفدين تحت سقف واحد، من عدمه، أو أن الاتفاقية التي سيحتفظ بها لبنان لا تحمل التوقيع الإسرائيلي، مسائل شكلية لا تخفي المعنى السياسيّ الكامن وراءها.
يحتاج لبيد إلى التوظيف السياسي للاتفاقية، كونه مقبلا على انتخابات تشريعية جديدة، في مواجهة بنيامين نتنياهو، الذي حاول جهده إفشال الاتفاق، والتشنيع عليه باعتباره تنازلا من الدولة العبرية لـ»حزب الله».
يحتاج «حزب الله»، بدوره، إلى تسويق الترسيم مع إسرائيل باعتباره نصرا سياسيا، وذلك لصدّ الاتهامات التي تعرض لها، باعتبار أن جزءا كبيرا من دعايته الحزبية قائم على فكرة مواجهة دولة الاحتلال وليس دعم مفاوضات تؤدي إلى الاتفاق معها.
«النصر» اللبناني، بهذا المعنى، محمول على أحلام بتعويم البلد الذي قامت المنظومة الحاكمة بتدميره اقتصاديا، وإفلاسه ماليا، ويجيء هذا كله في وقت تستعد هذه المنظومة نفسها، إلى متابعة مسلسل التدمير بمنعها انتخاب رئيس جديد، أو تشكيل حكومة جديدة، وبذلك ستكون أحلام الثراء النفطية والغازية مقذوفة في ثقب أسود من الفراغ السياسي الذي ليس له قرار.
القدس العربي