اهم التحديات لإقرار الموازنة المالية العامة في العراق 2023

اهم التحديات لإقرار الموازنة المالية العامة في العراق 2023

الباحثة شذى خليل*

من أكبر التحديات التي تواجه إقرار الموازنة لسنة 2023 ، هو الوضع السياسي غير المستقر ، مما تسبب بتعطل جميع المشاريع الاستثمارية المخطط لإنجازها منذ عام 2022، حيث أصيبت القطاعات الاقتصادية بشلل تام، مما انعكس سلبا على حياة المواطن العراقي ، ومن المخاوف عدم إقرار موازنة عامة للبلاد للعام الثاني على التوالي، وما يخشاه العراقيون، واحتمالية توقف صرف رواتب الموظفين الحكوميين والمتقاعدين وذوي الرعاية الاجتماعية، فضلا عن توقف جميع المشاريع التنموية للبلاد بما فيها مشاريع البنى التحتية التي سيؤدي توقفها إلى ركود في سوق العمل التي هي في الأصل تعاني من تلكؤ وسوء الإدارة .

وهناك أيضا مخاوف كبيرة من عدم تأمين “الأمن الغذائي” وموجات الجفاف الشديد وعوامل التغير المناخي التي يمر بها البلد، دون أدنى مسؤولية، واشتدت حدتها في خضم الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية عالمياً، في حين يقل مستوى إنتاج الغذاء المحلي عن مستوى الطلب الناجم عن النمو السكاني السريع. كم أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تنسيق الجهود لتحسين الإنتاج المحلي من الغذاء والمزيد من الكفاءة في إدارة موارد المياه.

عدم إقرار الموازنة الجديدة، يزيد من هذه المخاوف، وكيف يمكن ان تكون ناجحة في ظل التحديات والظروف التي تسوء يوما بعد آخر، وقد يؤدي المزيد من الاضطرابات في الجانب السياسي والخلافات الحكومية وإقرار موازنة عام 2022 إلى الحد من استخدام إيرادات البلاد المفاجئة من النفط، حيث تم بلوغ السقوف الفعلية لموازنة عام 2021، وتعليق تنفيذ مشاريع استثمارية جديدة، ما قد يخفض النمو الاقتصادي. أما “الورقة البيضاء” التي وضعتها الحكومة العراقية فتبقى حتى الوقت الحالي نموذجاً ومخططاً جريئاً لبرنامج إصلاحات اقتصادية شامل نحو التنويع الاقتصادي.

بعض الباحثين الاقتصاديين، يؤكدون أن المشكلة الرئيسة في عدم إقرار الموازنة لا تكمن في رواتب الموظفين التي تعد مؤمنة وفق قانون الإدارة المالية، والمشكلة الرئيسة تكمن في مشاريع البنى التحتية مثل بناء المدارس، حيث ان العراق بحاجة لبناء ما لا يقل عن 10 آلاف مدرسة، ويوجد 500 مدرسة كان من المفترض أن يتم الشروع بها خلال عامي 2022 و2023. ومشاريع الكهرباء والطرق والجسور والمستشفيات والمراكز الصحية في الأرياف كلها لم ولن تنجز إلا بإقرار الموازنة العامة للبلاد، بالإضافة الى المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، والتي هي بحاجة الى إعادة إعمار، فعدم إقرار الموازنة سيؤدي إلى ركود اقتصادي في الأسواق العراقية والقطاع الخاص العراقي.

 

المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء السابق مظهر محمد صالح، أكد ان أعداد المشاريع التي بدأ بها أصلا ولم تنجز لا إشكالية فها لأن التخصيصات المالية لهذه المشاريع سبق أن تم اعتمادها مسبقا، أما فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة، فإنه لا قدرة للحكومة على الشروع بها من دون إقرار الموازنة، وهو احتمال ضعيف للغاية ويعتمد في جزء كبير من نشاطه على القطاع العام الذي سيكون مشلولا.

أما الخبير الاقتصادي همام الشماع، فقد أوضح ان حالة “الفساد المستشري” في المؤسسات الحكومية العراقية تجعل الأمر أكثر صعوبة للتوجه نحو الاستثمار، وقال إن الموازنات السابقة سبق أن أقرت مئات المشاريع من دون أن ترى النور، وبالتالي لن يكون هناك فرق كبير، لافتا إلى أن العراق كان قد أنفق خلال السنوات الماضية ما يقرب من 85 مليار دولار على قطاع الكهرباء من دون أن يشهد هذا القطاع أي تحسن يلمسه المواطن العراقي.

تمثل الموازنات المالية الأداة الرئيسة لتحقيق السياسات العامة لدولة العراق ، سواء الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الخدمية، وهي بمنزلة عرض لخطط الحكومة وبرامجها السنوية، التي تعدّها استجابة للتحديات الحالية، حيث تمنح الموازنات الحكومات التخطيط الأفضل لبلوغ الحد الأقصى من الإيرادات، وإعادة تنظيم توزيعها وفق أولويات الإنفاق من أجل خدمة المجتمع، والأهم من ذلك ان الموازنة تعدّ أداة تنعكس فيها قوة ورمزية الدولة من خلال وصول الإنفاق إلى جميع الدوائر والمؤسسات وفق خطط الإنفاق التي توضع بطريقة تتوافق مع أولويات المواطن، وذلك يعني تعطل الجوانب الاقتصادية في حال عدم إقرارها.

في هذا السياق، بعض المختصين قالوا، إن أثر بقاء العراق من دون موازنة مالية سينعكس سريعا على الإيرادات بصورة سلبية، إذ أن  تأخير إقرار الموازنة يتسبب بهدر المال العام، ونقص الإيرادات بسبب عدم تطبيق خطة الحكومة المالية المتمثلة بـالموازنة التي ستتضمن بالضرورة إجراءات تعظيم الموارد المالية، وبلوغ أقصى الإيرادات، والضرر الآخر هو المصروفات التي دائما ما يُخطط لها وفق الإيرادات، وبما أن الخلل في الإيرادات ونقصها سيقع لا محالة، فإن ذلك سينعكس على المصروفات انعكاسا أكيدا، كما أن نقص الإيرادات سيؤدي إلى اختزال المشاريع المخطط لها من قبل الحكومة وفق أولويات المواطن واحتياجاته.

ختاما.. لهشاشة الأوضاع المالية والاجتماعية والاقتصادية في العراق، تفرض الحاجة تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية والمالية الكلية المطلوبة بشدة للتخلص من العوائق التي تعترض طريق تنمية القطاع الخاص، وزيادة الاستثمارات في كفاءة المياه وأنظمة الأغذية الزراعية، والتحول نحو مصادر أكثر استدامة للطاقة، بالإضافة إلى إزالة الكربون من قطاع النقل. وان التأخير في إقرار الموازنة سيكون له تداعيات خطيرة، إذ يؤدي بالضرورة إلى “تأخر إنجاز المشاريع المخطط لها، وربما يكون في هذه المشاريع ما هو طارئ يتعلق بالأمن الغذائي، ودعم الشرائح الاجتماعية الفقيرة، أو أمن الدولة واحتياجاتها من الأسلحة، والأجهزة والمعدات أو المشاريع الطبية والخدمية والتعليمية بالغة الأهمية التي لا تحتمل التأخير.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية