تركمان سوريا والسيادة التركية

تركمان سوريا والسيادة التركية

953

ليس أمرا غريبا أن ينتفض الأتراك حكومة وشعبا إزاء تعرّض التركمان للاعتداء الروسي على تركمان سوريا، فـبالأمس وبحسب وكالة الأنباء الفرنسة استدعت تركيا من جديد السفير الروسي لديها للتعبير عن غضبها من قصف طيرانه قرب الحدود السورية وبالتحديد المناطق التي يسكنها التركمان.

الأمر الذي دعا رئيس الوزراء التركي داود أوغلو لدعوة روسيا، للالتزام بمحاربة داعش والكف عن مهاجمة القرى التركمانية في سوريا، قائلا “لدينا معلومات تؤكّد مشاركة الطيران الروسي، بالهجوم على منطقة “ايربوجاق” ذات الغالبية التركمانية في ريف اللاذقية”.

ودعت أنقرة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الهجمات على التركمان في سوريا بعد أيام من استدعاء تركيا للسفير الروسي للاحتجاج على القصف “المكثف” للقرى.

وتعبّر تركيا في كل المناسبات عن تضامنها مع التركمان الذين يعيشون في سوريا، وهم سوريون من أصول تركية، كما عبّرت مرارا عن قلقها بشأن الدعم العسكري الروسي لغريمها الرئيس بشار الأسد.

جدير بالذكر أيضا أن حوالي 1500 من تركمان سوريا، نزحوا نحو الحدود التركية، بعد احتدام المعارك بين المعارضة السورية وقوات الأسد المدعومة بغطاء روسي في منطقة “بايربوجاق” شمالي اللاذقية، وذلك بحسب محافظ ولاية هطاي التركية، “أرجان طوباجا”.

ويعتبر التركمان مكونا أساسيا من مكونات الشعب التركي، لذا فإن علاقتهم بتركيا هي علاقة صهر ونسب وامتداد تاريخي، وقد عكس ذلك التظاهرات التي نظمها الشعب التركي منددين بهجمات قوات النظام السوري، المدعومة بغطاء جوي وبحري روسي، على قرى منطقة جبل التركمان “باير بوجاق”، ذات الغالبية التركمانية، في محافظة اللاذقية، شمال غربي سوريا.

عن التركمان
التركمان هم أحد الشعوب التي تواجدت منذ القدم في منطقة آسيا الوسطى، وهم إحدى العرقيات التي تمثل مع العديد من شبيهاتها الشعوب التركية التي كانت قبائل تتنقل في مناطق آسيا الوسطى وانتقلت منها إلى آسيا الصغرى وغرب آسيا وشمال أفريقيا.
وقد تم إطلاق لفظ التركمان كاسم عام على أغلب الشعوب التركية التي انتقلت إلى المنطقة من آسيا الوسطى بدءا من السلاجقة الأتراك والمماليك الذين بدأ سلاطين بني أيوب في امتلاكهم وصولا إلى الدولة العثمانية.

والتركمان هم أفراد العرق التركي الذين تناسلوا من سلالة جدهم الأسطوري أوغوزهان بأحفاده الـ24 حفيدا، وهم أصل الترك ويتواجدون في تركمانستان وتركيا وأذربيجان وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وليبيا، ويَتكلم التركمان اللغة التركمانية، وهو فرع من مجموعة اللغات التركية المنبثقة من اللغات الألطية.

تركمان سوريا
هم مواطنون سوريون من أصل تركي، وقد عاشوا وأجدادهم في الوقت الحاضر في سوريا منذ العهد السلجوقى و العثمان، ويتواجدون في مناطق عديدة، مثل محافظة حلب في مناطق منبج والباب وجرابلس والراعي ( جوبان باي ) واعزاز، وفي محافظة حلب يوجد 145 قرية تركمانية شمال المحافظة وفي المدينة يسكنون في حي الهلك وبستان الباشا والحيدرية والاشرفية وقاضي عسكر.

كما يتواجدون أيضا في محافظة الرقة وتل أبيض حوالي 20 قرية تركمانية، وفي محافظة حمص ذات الأكثرية من الأصول التركمانية، فهم في المدينة بنسبة 65% وفي الريف حوالي 57 قرية تركمانية، كما يتواجدون في محافظة حماه (مصياف وسلمية) في حوالي 30 قرية تركمانية.

كما يتواجد التركمان في محافظة طرطوس 5 قرى تركمانية، وفي الجولان محافظة القنيطرة االمحتلة 20 قرية تركمانية. وهي في الأصل من الجماعة التركمانية التي كان عددها خمسة آلاف نسمة، وكانوا يتوزعون على قرى الجولان قبل أن تحتله إسرائيل عام 1967 وقام العدو بطرد معظم سكانه السوريين ماعدا الدروز.

ولهم وتواجد أيضا في محافظة إدلب، جسر الشغور، 5 قرى تركمانية مع حارة للتركمان في مركز مدينة جسر الشغور، وفي محافظة درعا 13 قرية تركمانية، وفي محافظة دمشق 5 قرى تركمانية وفي المدينة ذاتها تتوزع مجموعة من التركمان في المناطق التي يسكنها نازحو الجولان حي القدم والبرزة والحجر الأسود والسيدة زينب، والذين فقدوا أراضيهم في مرتفعات الجولان بعد نزوحهم منها عام 1967 .

وفي محافظة اللاذقية في قسمها الشمالي بالقرب من حدود التركية في منطقة راس البسيط ومرتفعات الباير توجد 70 قرية تركمانية مع حارتين للتركمان في مدينة اللاذقية علي الجمال ورمل الشمالي.

ويتوزّع تركمان سوريا في تجمعات سكنية من طبيعة مدنية وأخرى تجمعات ريفية، ويمتهن التركمان من سكان الريف الزراعة وتربية الحيوانات، فيما يغلب العمل الحر والاشتغال بالوظيفة العامة بالنسبة للتركمان المقيمين في المدن، وبخاصة المقيمين في دمشق، وكما هو الحال فإن معظم هؤلاء التركمان امتهنوا الرعي في فترات سابقة، لكنهم استقروا وأخذوا يمارسون الزراعة وتربية الحيوانات في الريف.

ويعتنق التركمان السوريون الدين الإسلامي، ويتميزون بالتدين، ويميل التركمان إلى الاندماج في الحياة العامة بحكم شفافيتهم وانفتاحهم وتفاعلهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها ونبغ من بينهم كبار الشعراء والكتاب والمفكرين والسياسيين ورجال الدولة، أمثال البخاري ومسلم وابن النفيس والرازي والفارابي كلهم من أصول تركية أو تركمانية.

ويعتبر التركمان في سورية قومية ثانية بعد العرب ويقدر عدد سكانهم حوالي، 3.5 ثلاثة ملايين ونصف نسمة تقريبا بما فيهم التركمان المستعربون وما زال قسم منهم يتقنون اللغة التركمانية ويقدر عددهم 1.5 مليون ونصف وأما الباقي فقدوا لغتهم وثقافتهم القومية التركمانية.

دعم حكومي تركي
تعهّد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، باستمرار الدعم الإنساني واللوجستي لتركمان سوريا وعدم التخلّي عنهم قائلا: “إننا ندعم أخوتنا التركمان في الباير والبوجاق وفي كل سوريا ونتعهّد بالاستمرار في تقديم الدعم لهم“.

ففي 21 أبريل 2015، عقد المجلس التركمانيّ السوري لقاءً شعبيا في مدينة إسطنبول، بلغ عددهم نحو مئة شخص، استمع فيها إلى مطالب التركمان السوريين، وقال “عبد الرحمن مصطفى” رئيس المجلس، خلال اللقاء: إن “التركمان يشكّلون العنصر الأصيل الثاني في المجتمع السوري”.

اضطهاد من نظام الأسد
قال أحمد جقل – وهو عضو تركماني سابق في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني المعارض، ونائب رئيس الكتلة الوطنية التركمانية السورية – إن “التركمان بدأوا بالثورة والحراك الشعبي مع بقية مكونات الشعب السوري، وتظاهروا في أحيائهم ومناطقهم ومدنهم، وتعرّضوا للاعتقال من قبل أجهزة النظام، وتعرضوا للتعذيب، ولا يزال المئات منهم معتقلون”.

ولفت جقل إلى أن “التركمان في سوريا، ونظرا لرابط الدم واللغة مع تركيا، تحملوا من بداية الأحداث عبئا كبيرا، حيث اتهمهم النظام بالتبعية لتركيا رغم أنهم مواطنون سوريون ومدنهم وقراهم داخل سوريا، وكذلك شككت بعض أطياف المعارضة بداية بأن يكونوا جزءا من سعي لمخطط تركي في المنطقة، وهو ما رفضوه، مؤكدين انتماءهم لوطنهم، ومطالبين بحقوقهم في مستقبل الدولة المدنية في سوريا”.

من ناحيته قال أحمد شيرين رئيس جمعية أتراك سوريا، وهو عضو في الكتلة الوطنية التركمانية: إن “الوضع السوري في الداخل مزر إلى حد كبير، حيث أن منطقة باير بوجاق شمال اللاذقية، تعرّضت لقصف كبير، ودمرت معظم البلدات والقرى، وحاول النظام الانتقام من التركمان، باتهامهم بقرب مناطقهم من تركيا التي وقفت إيجابيا إلى جانب الحراك في سوريا”.

وأوضح أنه “لم ينفع تداخل مناطق التركمان في ريف اللاذقية، وفي المدينة، مع المناطق المؤيدة للنظام، وهو ما جعلهم يختلطون مع بعضهم البعض على مدى عشرات السنوات السابقة، ورغم العشرة والخبز والملح فيما بينهم، إلا أنه مع بدء الأحداث انقلبت الأمور، وتعرض التركمان لمضايقات واعتداءات كبيرة، نتيجة التهم المسبقة التي ساقها النظام”.

من جانبه قال زياد حسن، نائب رئيس حزب الحركة الوطنية التركمانية، إنه “لم تكن أوضاع التركمان السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المراحل التي سبقت انطلاق الثورة السورية، أفضل حالا من بقية المكونات الاجتماعية في سوريا، وقد كانت معاناة التركمان كقومية، معاناة مزدوجة، حيث كان النظام البعثي العنصري يسعى إلى إذابة هذه القومية السورية الأصيلة، ومحو وجودها من الذاكرة المجتمعية للشعب السوري”.

وشدّد حسن على أن “الواقع الإنساني اليوم  مؤلم جدا بالنسبة لحلب وبقية المناطق التي يقطنها التركمان السوريون، فمناطق تركمان حلب يخضع 80% منها لسيطرة داعش، ومساحات واسعة من مناطق التركمان في حمص ودمشق واللاذقية والرقة خاضعة لسلطة النظام أو داعش، وهذا الواقع يحمل في كل تفاصيله وجزئياته آلاما ومشكلات إنسانية واقتصادية وثقافية“.

عداوة المتطرفين الأكراد وداعش للتركمان
قال نائب رئيس الوزراء التركي “بولنت آرينتش” في يونيو الماضي إن هناك علاقة غريبة بين داعش والقوات الكردية الموجودة في تل أبيض التي تعمل على طرد العرب والتركمان من أراضيهم، وملئها بآخرين بهدف توحيد مناطقهم.

وأوضح أن تركيا لن تسمح بإنشاء كيان يهدد أمنها القومي، ويأتي هذا بعد أصر تنظيم (PYD) الكردي المتطرف بإرغام التركمان على ترك منازلهم في حمام الشمالية التابعة لمدينة تل أبيض ودفعوهم للهجرة القسرية، وذلك على ثلاثة دفعات.

يذكر أن تركمان سوريا وبدعم من أنقرة وواشنطن ساعدوا في الحملة ضد المتطرفين الإسلاميين في شمال سوريا وانضموا إلى المنافسة “من أجل حلب”، مع بداية هجوم القوات الحكومية.

وتمكّن تركمان سوريا بغطاء جوي من الطائرات التركية والأمريكية من الاستيلاء على قريتين سوريتين كانتا تحت سيطرة تنظيم الدولة “داعش”، مع بداية تحرك القوات الحكومية باتجاه حلب بمساندة الطائرات الحربية الروسية.

 ويبدو أن هدف تركيا من هذا هو ترسيم حدود المنطقة العازلة التي تنوي أنقرة تحويلها إلى معسكرات للنازحين السوريين، وقد تكون الخطوة التالية إعلان منطقة حظر جوي، الأمر الذي جعلهم محل استهداف من التنظيم ذاته.

المنطقه الآمنة
من المفترض أن تمتد هذه المنطقة من مدينة جرابلس إلى اعزاز الحدوديتين مع تركيا، لتكون ملجئا آمنا للسوريين عامة بما فيهم التركمان داخل بلادهم من الصراع الدائر في سوريا ومن ضربات قوات النظام.

وبحسب مصادر صحفية  فالدولة التركية  لن تقوم بعمليات برية لإيجاد هذه المنطقة، بل ستقوم بعمليات دعم جوي ومدفعي مكثف لقوات المعارضة من أجل السيطرة على الأراضي المطلوبة لإقامة هذه المنطقة الآمنة.

المصادر التركية أفادت بإمكانية دخول فرنسا على الخط، وأن محادثات تجري لاستخدامها قواعد تركيا الجوية، في حين تقوم الولايات المتحدة بإرسال المزيد من الطائرات إلى قاعدة إنجرليك العسكرية.

الأنباء ذكرت أن تركيا ستلتزم بحماية المنطقة الآمنة ومنع أي منظمات من الاقتراب منها بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، وستقوم قوات المعارضة المعتدلة بتأمين المنطقة على الأرض.

هذا، ويبدو أن تركيا ستظل ملتزمة بحماية التركمان، ومن قبله حماية سيادتها من القصف الروسي، فقد كان تركيا ومازالت هي الدرع الواقي في المنطقة، وللتركمان خصوصا.

أحمد المصري

تركيا بوست