عزز انتشار البضائع الإيرانية في السوق العراقية منذ دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى العراق في عام 2003، ليتحول الانتشار إلى إغراق مع توطيد العلاقات الثنائية بين حكومات البلدين. وقد بلغ التبادل التجاري بين العراق وإيران خلال السنة الماضية ذروته، حيث وصل إلى 18 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز العشرين مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، بعد توقيع وزير المال، هوشيار زيباري، اتفاقية مع طهران بزيادة التبادل التجاري بين البلدين.
ويستورد العراق سنوياً طاقة كهربائية بمبلغ يصل إلى مليار دولار من إيران، بالإضافة إلى الوقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية التي وضعت من ضمن النفقات الحاكمة في بنود الموازنة المالية، ناهيك عن بضائع استهلاكية بسيطة بملايين الدولارات يمكن إنتاجها في الداخل العراقي.
اعتماد كلي
ويعتمد الاقتصاد الإيراني على السوق العراقية بشكل كبير، بحسب ما يؤكد التاجر سعيد كريم، يقول: “إن اقتصاد إيران منذ عام 2003 يعتمد على السوق العراقية، إذ تسيطر البضائع الإيرانية على أسواق العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وذلك بسبب التقارب الكبير بين سياسيي هذه المناطق وطهران”، مبيناً أن “العراق يستورد أبسط البضائع من إيران التي يمكن أن ينتجها بسهولة، مثل الألبان والخضروات”.
ويشير كريم إلى أن اقتصاد العراق ينهار على حساب اقتصاد إيران، مؤكداً أن عمليات تهريب العملة الأجنبية كانت تتم خلال فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران، إذ زاد الطلب على مزاد العملة الأجنبية من 150 مليون دولار يومياً إلى 300 مليون دولار يومياً.
من جهتها، أعلنت إيران في بداية العام الحالي، إلغاء العراق إجراءات تفتيش بضائعها المصدرة إليه، بعد توقيع اتفاقية تسهيل التجارة بين البلدين، الأمر الذي عزاه خبراء إلى تصريف المنتجات الإيرانية الفاسدة في السوق العراقية.
”
تدخل البضائع الإيرانية بطريقة سهلة جداً وبإمكان من يمتلك النفوذ السياسي التهرب من دفع التعرفة الجمركية من خلال دفع أموال إلى المسؤولين”
يقول التاجر محمد الربيعي لـ”العربي الجديد”، “تدخل البضائع الإيرانية بطريقة سهلة جداً وبإمكان من يمتلك النفوذ السياسي التهرب من دفع التعرفة الجمركية من خلال دفع أموال إلى المسؤولين، بالإضافة إلى أن أغلب الوكلاء الحصريين للبضائع الإيرانية هي شركات تابعة للسياسيين”. ويوضح أن البضائع الإيرانية لا تتمتع بالجودة، إذ إن نوعيتها رديئة، ولكنها أغرقت السوق ما أدى إلى تعطيل الصناعة العراقية التي أصابها شلل كبير بعد الاحتلال الأميركي”، مبيناً أن “المائدة العراقية تحولت في الفترة الأخيرة إلى مائدة إيرانية بشكل كبير”.
اقرأ أيضاً:قتلة إضافيون في اليمن: السلع الرديئة
ويدعو الربيعي الدولة العراقية إلى فرض إجراءات صارمة على جميع البضائع الإيرانية التي تدخل العراق من أجل تفعيل الصناعة المحلية.
وفي حين منع تنظيم داعش بيع وشراء البضائع الإيرانية في المناطق التي يسيطر عليها في شمال وغرب العراق، يشير خبراء مختصون إلى أن زيادة استيراد البضائع الإيرانية في العام الماضي، يعود سببه إلى إغلاق المنافذ الحدودية المشتركة مع تركيا والأردن وسورية بسبب سيطرة مسلحي داعش عليها. وتوجد بين العراق وإيران سبعة منافذ حدودية هي “الشلامجة” في البصرة و”الشيب” بمحافظة ميسان و”زرباطية” في محافظة واسط و”مندلي” و”المنذرية” في محافظة ديالى، بالإضافة إلى منفذين حدوديين مع إقليم كردستان العراق.
يقول رئيس المركز الإعلامي الاقتصادي، ضرغام محمد علي، لـ”العربي الجديد”: “إن إغلاق المعابر الحدودية مع سورية والأردن جعل الطلب على البضائع الإيرانية يزداد، كما أن غياب الصناعة المحلية وانخفاض كلفة البضائع الإيرانية شجعا على إغراق السوق العراقية”.
ويضيف “إن البضائع الإيرانية تعتبر منافساً قوياً للسلع التركية والأردنية والسورية والخليجية في العراق”، موضحاً أن صناعة السيارات الإيرانية، تشكل منافساً قوياً بسبب انخفاض الأسعار ورخص أدواتها الاحتياطية”.
ولا يطبق العراق قوانين حماية المنتج والمستهلك والتعرفة الجمركية، إذ يفرض ضريبة 5% فقط على جميع البضائع الواردة إليه ومستثناة منها بعض الدول عبر اتفاقيات أبرمت بين الطرفين.
ويحاول عدد من البرلمانيين الحد من إغراق السوق بالبضائع الرديئة، عبر تشريع قانون يفرض ضرائب ورسوماً على البضائع الواردة مع التشدد في مراقبتها للحد من السلع غير المطابقة للمواصفات. ويقول نائب رئيس اللجنة الاقتصادية العراقية، حارث الحارثي، لـ”العربي الجديد”: “إن اللجنة الاقتصادية ناقشت خلال الأيام الماضية خفض تدفق السلع إلى السوق العراقية، عبر إيران والأردن وتركيا من خلال فرض رسوم وضرائب بشكل أكبر من السابق لحماية المنتج والمستهلك”، مشيراً إلى أن “لجانا ستشكل لمراقبة السوق والمنافذ الحدودية لمنع الرديئة، وفرض رسوم حمائية للسلع المنتجة محلياً”. مضيفا أن “الإغراق السلعي هدفه ضرب اقتصاد البلد”.
ويعول القطاع الصناعي وكذا الزراعي على التشدد في الإجراءات الجمركية، مع ارتفاع حدة الأزمات التي يعاني منها الإنتاج المحلي العراقي.
نقلا عن العربي الجدبد