ظهر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، رفقة أربعة من كبار ضباطه، في مواجهة جنرال متجهم يدعى سيرغي سوروفيكين، المسؤول الحالي عن الحرب في أوكرانيا، في شريط يجمع بين الدراما التلفزيونية وترديد المحفوظات بطريقة عسكرية باردة، يعرض خلاله سوروفيكين على شويغو وقيادته العسكرية كيف اضطرت قواته لنقل 115 ألف شخص من سكان المدينة لـ«الحفاظ على أرواح البشر التي تتعرض للخطر».
يطلب الجنرال من رئيسه بعدها الموافقة على «القرار الصعب» بالانتقال «للدفاع من الجهة الأخرى لنهر الدنيبر»، لأن الجيش لم يعد قادرا على الدفاع عن ضفة النهر اليمنى، وقد رد وزير الدفاع عليه بالقول إنه يتفق مع سوروفيكين على اقتراحاته وأن أرواح الجنود هي دائما أولوية، وأنه يسمح بنقل القوات في اتجاه شبه جزيرة القرم، وهو ما يعني عمليا، الانسحاب من المدينة الاستراتيجية التي كانت تحت سيطرتها منذ بدء الاجتياح في شباط/فبراير من العام الجاري، وأعلنتها قبل فترة جزءا من روسيا.
لم يحظ السوريون، الذين كان سوروفيكين يقود الحرب ضدهم (بعد آذار/مارس 2017، وبعد كانون ثاني/يناير 2019)، بهذا النوع من الفرجة الاستعراضية، حيث يقوم سوروفيكين الذي سمي «جنرال هيرمجدون» (جنرال القيامة)، بإعلان تراجع أو تبرير انسحاب، بل تُركوا، خلال فترة إدارته للحرب ليتعرضوا لعملية هجوم بالسلاح الكيميائي في نيسان/ابريل 2017 على خان شيخون، ولمجازر، ولضربات جوية على مدارس ومستشفيات وأسواق شعبية مكتظة بالمدنيين، وهو ما دفع منظمة «هيومن رايتس ووتش» لاعتباره أحد أكبر المسؤولين عن الانتهاكات وجرائم الحرب في سوريا.
منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سوروفيكين، أعلى وسام في الدولة «بطل الاتحاد الروسي»، أما الاتحاد الأوروبي فوضعه على قائمة عقوباته بسبب جرائم الحرب التي اتهم بارتكابها، كما ورد اسمه في قوائم مجرمي الحرب التي أعلنتها «هيومن رايتس ووتش».
باشر سوروفيكين استخدام «خبرته» في التدمير ومحاولة كسر معنويات المدنيين واستراتيجية الأرض المحروقة في سوريا (وقبلها في الشيشان حين كان قائد فرقة عسكرية عام 2004) بعد انتقاله إلى أوكرانيا، الذي جاء ردا على تفجير جسر القرم، وخلال 48 ساعة شهدت البلاد استهداف وقتل المدنيين بهجمات جوية وصاروخية ضد البنى التحتية والأهداف المدنية في جميع أنحاء أوكرانيا، غير أن الانسحاب يقدّم صورة جديدة غير مألوفة للجنرال المخيف، وكذلك للقيادة الروسية التي هددت قبل أسابيع، باستخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت الأراضي الروسية (بما فيها التي ضمها من أوكرانيا) لهجوم.
ما حصل عمليا هو أن الجيش الأوكراني دمّر الطرق اللوجستية للقوات الروسية ونظم التحكم والدعم في المدينة، بحيث أن المدينة لم تعد مكانا قابلا للدفاع عنه، لكن القوات الروسية، حسب قول مسؤول أوكراني، حوّلت خيرسون، إلى «مدينة للموت»، حيث تم زرع الألغام في كل مكان، من الشقق السكنية وحتى الصرف الصحي، وتدمير الجسور، وأن هناك خططا روسية لقصف المدينة من الجانب الآخر من نهر دينبرو، وبذلك يستعيد «جنرال القيامة» جزءا من سمعته الشهيرة التي بدأت منذ مشاركته في انقلاب عسكري فاشل عام 1991، قادت فيه فرقة سوروفيكين طريقها عبر المتظاهرين وقتلت ثلاثة منهم!
يعتبر ما حصل تطوّرا جديدا في تحسّن موازين الأمور العسكرية لصالح أوكرانيا، لكنّ ذلك لم يغيّر لهجة الحذر لدى المسؤولين الأوكرانيين وكذلك الغربيين، وربّما يكون ذلك دافعا غير متوقع لإعادة مسار التفاوض مع موسكو، وذلك بعد ضغوط أمريكية طالبت بفتح قنوات اتصال أوكرانية مع روسيا، وأسقط بعدها الرئيس الأوكراني، فلادومير زيلينسكي شرط رحيل بوتين قبل أي مفاوضات، فمسار الحرب المفتوحة هو أيضا باب مفتوح للموت والدمار بكل الاتجاهات على الطرفين والعالم.
القدس العربي